الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضوابط استفتاء القلب
مداخلة: شيخ بالنسبة لقضية استفت قلبك، أنت قلت أنه على الجاهل أن يسأل العالم، فهذا الجاهل قال: أنا سألت العالم فلان وسألت العالم فلان، فقال العالم فلان كذا والعالم فلان كذا، عكس ما قال ذلك، والله أنا يرتاح قلبي للعالم الفلاني، يقول: أنا سألت.
الشيخ: هو سأل هو ما سأل، سأل عن رأي فلان، ورأي فلان، فتضارب الرأيان فاختار هو ما يحلو له، لكن هو ما سأل عن دليل فلان وعن دليل فلان، عمل هو مراجحة، وبعدين والله ضاع هو بين الدليلين ماذا يعمل، يرجع يستفتي قلبه، لكن يتقي ربه في الاستفتاء وما يتبع هواه، فالمهم في الموضوع مش يسأل ما رأيك أنت: حرام، ما رأيك أنت: حلال، والله هذا في قلبي: حلال، هذا فيه يسر فيه كذا، لا، ما هكذا السؤال يكون، ما دام المسألة فيها قيل وقال، لازم يسأل عن دليل كل من قال، الذي قال حرام أو لا يجوز ما دليله، الذي قال يجوز أو لا بأس فيه ما دليله، بعد ذلك يعمل هذا الإنسان ولو كان أمياً عامياً يعمل شيء من المراجحة والاجتهاد، وكل يجتهد بحسب ما أوتي من عقل من علم من جهل .. إلخ، لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإذا علم الله عز وجل منه أنه اتقى الله عز وجل بعد أن أحسن السؤال على هذا الوصف الذي ذكرناه إذا علم الله عز وجل منه أنه كان حريصاً على معرفة
حكم الله عز وجل فيما سأل ثم أشكل عليه الأمر وما استطاع أنه يعمل مراجحة بين القولين فاتقى الله وقال: أنا نفسي اطمأنت لكذا، ما فيه مانع لأنه هذا كما يقال: آخر الدواء الكي، ما فيه عنده طريق إلا هذا، لكن نحن أولاً الذي يقع كثيراً يسمع في الإذاعة هنا في السعودية ألخ والله أنا ارتاح قلبي لهذا الرأي ويمشي عليه، أو مثلما ذكرنا آنفاً: سأل فلان ما رأيك، وفلان ما رأيك، هذا ما سأل عن العلم، سأل عن رأي، وهنا تتضارب الآراء كثيراً، منذ أيام قريبة أوقفت سيارة
…
من أجل أنزل على البلد لحاجة دول العجلات ركبت بتكسي كان شغال الراديو قلت له: من فضلك أوقفه، أوقفه، الظاهر شعر أنه على الأقل رجل متدين، وربما ظن بهذا الشيبة أن عنده شيء من العلم سألني عن خروج الدم ينقض الوضوء أم لا؟ قلت له: لا، قال لي: هذا مذهب أبي حنيفة؟ قلت له: لا، هذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأنا تابعت الحديث مثل الذي يقول: ما بيدها مزح، نريد نقطع المسافة، قلت له: أنا ما يجوز للعالم إذا سئل عن مسألة يقول للسائل: الجواب كذا على مذهب أبي حنيفة، أو على مذهب الشافعي، لأنه سيضيع هذا العامي السائل بين هذه المذاهب وما فيه عنده قدرة أن يعمل مراجحة بينها، لكن العالم حقاً يقدم لك الجواب الذي ثابت في السنة، فأنت لما تريد تمشي على شرع لازم تكون مطمئن أن هذا الشرع جاء من طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس من طريق الأئمة، عندك رأي أنت عن الأئمة الأربعة من هم ما ترجمتهم كذا؟
قال لي: لا والله، أسمع عنهم، فعملت له شرح عن الأئمة الذين جاؤوا بعد الرسول بنحو قرنين من الزمان، وكل واحد له اجتهاده، ومعرض للخطأ والصواب، لكن خطأ بعيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا جاء الحكم عن رسول الله
فكله صواب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما عن الأئمة اجتهادات فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ، ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ له أجر واحد، تمينا هكذا حتى وصلنا إلى منزلنا ونزلنا.
الشاهد: أن اليوم مصيبة العالم الإسلامي ما فيه توعية إسلامية كما كان الأمر في العهد الأول، يعني: الآن ما يفرق الناس بين الدين مثلاً وبين المذهب، أو بين الإسلام وبين المذهب، لا يفرقوا بينهما، فيتصوروا أن المذهب هو الإسلام هو الدين، ومن آثار عدم هذا التفريق أنك تأتي أسئلة تسمعها في الإذاعة رأي الإسلام في كذا كذا وكذا، رأي الإسلام، الإسلام عنده حكم ما عنده رأي، لكنا لسنا عايشين في أحكام الإسلام، عايشين في آراء العلماء، ولذلك تغير حتى التعبير الذي يعبر عن واقعهم ليقولوا: رأي الإسلام كذا يعنون رأي بعض علماء المسلمين، أما الإسلام عنده حكم، عنده قضاء مبرم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة، ما فيه اختيار هنا أبداً، هكذا حكم الله، لكن الناس بعيدين عن أحكام الله كتاباً وسنة، وعايشين في آراء العلماء، ومن آثار ذلك جعلوا لك ندوة يأتوا بدكتورين أو ثلاثة الذين ما درسوا الشريعة من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرر لك الرأي السائد في مسألة ما يقول لك: هذا رأي الفقهاء، والمسألة مختلف فيها، فيه فقهاء كبار قالوا بخلاف ما ينسبونه إلى الفقهاء، المقصود تسليك هذا الأمر الواقع بالاعتماد على رأي قاله بعض الفقهاء، فهم يطلقون ويقولون: هذا رأي الفقهاء، كأنه رأي مجمع عليه وليس من الإجماع بسبيل، يعني: أمور خطيرة جداً منحرفة سببها أن المسلمين اليوم لا يوجد فيهم إلا قليل جداً ممن يعرفهم بحقيقة الدين والإسلام ما هو، كما
قال الإمام ابن القيم رحمه الله -وأنا أقول هذا الكلام ليس ممكن أن تسمعوه من إذاعة في بعض البلاد العربية أو في أكثر البلاد العربية، ماذا قال ابن القيم؟ - كلام حق:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذراً من التعطيل والتشبيه
العلم قال الله قال رسول الله، اليوم اسمع أي فتوى لا تجدها مقرونة بقال الله وقال رسول الله إطلاقاً، فصدق رسول الله:«إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، من هم الغرباء؟ هم الذين يُصْلِحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» .
انظر إلى هذا الوصف على كم من المعروفين بالعلم في كل بلد ينطبق هذا الوصف، هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي بعد، أين هؤلاء العلماء الذين يصلحون ما أفسد الناس على طيلة هذه القرون أربعة عشر قرناً من سنته عليه السلام، إلا ما ندر جداً.
مداخلة: هذا تفسير الرسول للغرباء.
الشيخ: روايتان هذه إحداهما، والأخرى وهذا واقع أيضاً، لكن الأولى أدق، لأن الواقع في الرواية الثانية مشاهد، يشترك في معرفته المسلمون جميعاً تقريباً الذين لا يزال عندهم بقية من دين، أما الرواية الأولى هم «الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» ، هذه الذين يظن أنهم من أهل العلم هم بعيدون عن هذا الفهم، فماذا نقول عن جماهير المسلمين، أما
الرواية الثانية فواضحة جداً يفهمها كل إنسان، قالوا: من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، هذا أمر واضح جداً.
(الهدى والنور /146/ 26: 00: 00)
الشيخ: ويقابل هؤلاء الناس الذين لا يهتمون بتصحيح العقيدة، وتصحيح المفاهيم ناس آخرون على عكس هؤلاء تماماً يهتمون الاهتمام الواجب بمعرفة الحق مما اختلف فيه الناس ولكنهم يعادون أشد المعاداة ذلك الجنس الأول، والحق بين هؤلاء وهؤلاء، يجب إذاً أن يكون موقفنا تجاه الجماعات الإسلامية موقف الأخوة المؤمنة، وإذا رأى المسلم في أخيه خطأ بل ولو رأى منه خطيئة، فليس ينبغي في حقه أن يعاديه بل عليه أن ينصحه وأن يكون نصحه إياه بالرفق والحكمة المأمور بها في الكتاب والسنة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وينبغي أن يلاحظ هؤلاء الذين يهتمون بمعرفة الحق مما اختلف فيه الناس أن سائر الناس إذا كانوا في خطأ فإنما هم كالمرضى الذين يجب أن يعالجوا بكل إخلاص وبكل رفق ولا يجوز أن يعاملوا بالشدة والغلظة، فلا جرم أن الله عز وجل خاطب نبيه عليه السلام تعليماً لنا:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فدعوتنا إذاً التي تنحصر في اتباع الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح لا تعادي جماعة من الجماعات الإسلامية لأشخاصها وإنما تخالفهم في بعض أفكارها أو مناهجها، وهذا مما يوجب علينا أن ننصحهم وأن ندعوهم مهما اشتطوا ومهما ابتعدوا عن سبيلنا الذي هو سبيل ربنا.
(الهدى والنور / 170/ 01: 01: 00)