المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يجب اتباع مذهب معين - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٥

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌التعصب المذهبي

- ‌رأي العلامة الألبانيفي التمذهب

- ‌بيان خطر التعصب المذهبي ونهيأئمة المذاهب عنه وَرَدّ بعض الشبهات

- ‌أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها:

- ‌ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعاً للسنة:

- ‌شبهات وجوابها:

- ‌هل القول باتباع الكتاب والسنةيعني أن المذاهب مُطَّرحة

- ‌ما الجواب على من يقول: إن الأئمةهم القرون الأولى فوجب اتباعهم

- ‌هل من خالف الأئمة الأربعة يكفر

- ‌هل يجب اتباع مذهب معين

- ‌عودة إلى السنة

- ‌خطر التعصب المذهبي

- ‌هل المسلم ملزم باتباعأحد أصحاب المذاهب

- ‌حكم التلفيق في الأخذ من المذاهب

- ‌هل يجوز ترك العمل بالدليللقول إمام

- ‌هل يجوز إفتاء الناس بمذهب معين

- ‌حول كتاب بدعة التعصب المذهبي

- ‌هل يلزم من ترك التمذهبأن تُهجر المذاهب الأربعة

- ‌حول عبارة الطحاويفي ذم التقليد

- ‌اتهام السلفيين أنهملا يُقَدِّرون المذاهب

- ‌اتهام السلفيين بأنهم يُلْزِمونأئمة المذاهب مالا يَلْزَمُهم

- ‌حول تقليد مشايخ العصر

- ‌سؤال العالم على الدليل

- ‌إفتاء السائل بالمذهب

- ‌الفرق بين الاتباع والتقليد

- ‌المتمذهبون يُحْرَمون اتباع الدليلوهم يجتهدون فيما لا مجال للاجتهاد فيه

- ‌دعاء الشيخ للمسلمين بالعصمةمن التعصب المذهبي

- ‌الشيخ يحمد الله أن عصمه من التعصب المذهبي

- ‌خطر التعصب المذهبي

- ‌إذا لم نتبع المذاهب الأربعة فمن نتبع

- ‌طاعة العلماء

- ‌مناقشة المذهبيين

- ‌ضوابط استفتاء القلب

- ‌طالب العلم والتمذهب

- ‌هل يجوز للمبتدئ في طلب العلماتباع مذهب معين

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌أيُّ المذاهب أفضل لطالب العلم

- ‌حكم التقليد فيالتصحيح والتضعيف

- ‌هل يجوز تقليد العلماءتصحيحا وتضعيفا

- ‌باب منه

- ‌العمل عند اختلاف العلماءفي التصحيح والتضعيف

- ‌كتاب الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌حكم الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌هل الذين يحكمون بالقوانينالوضعية يخرجون من الملة

- ‌إقامة الحجة على الحاكمالذي لا يحكم بما أنزل الله

- ‌معنى الكفر البواح

- ‌تفسير آية (من لم يحكم)

- ‌باب منه

- ‌إسلام النجاشي

- ‌مبايعة من لا يحكم بما أنزل الله

- ‌الموقف من الحاكم الذي يُعَطِّل الشريعة

- ‌حكم الحكام الذين يُشْرِفون على البغاء

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌الحكم بين المتخاصمين

- ‌الدعاء على الحكامالذين يضرون بالأمة

- ‌الحكام المضلون

- ‌الطغاة وقتل العلماء

- ‌الحكام والمحكومون لا يُحَكِّمون كتاب الله فأصابهم ما أصابهم

- ‌الحكم بما أنزل الله بين الحكام والمحكومين

- ‌هل تطبيق أنظمة الكفر السياسيةوالاقتصادية يُعَدُّ كفرا بواحا

- ‌حكم من يفرق بين الشريعة والعقيدة

- ‌حكم الخروج على الحكام

- ‌حكم الخروج على الحاكم

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌حكم الخروج على حاكم شيوعي

- ‌حدود طاعة ولاة الأمور

- ‌لا طاعة للحاكم في معصية الله

- ‌هل التعامل في السوق السوداءمخالفة لولي الأمر

- ‌حدود طاعة الأمراء

- ‌ما حكم القيام بأعمال في نفسهامباحة والدولة لا تسمح بها

- ‌حكم التحايل على القوانين الوضعية

- ‌حكم مال من يعمل في بلد بدون إقامة

- ‌حكم التحاكم إلى المحاكم

- ‌حكم التحاكم إلى المحاكم الحالية

- ‌باب منه

- ‌حكم دراسة القوانين الوضعية

- ‌حكم دخول الجامعات التي تُدَرِّسالقوانين الوضعية

- ‌حكم دراسة القانون الوضعي

- ‌متفرقات

- ‌الأئمة من قريش

- ‌معنى الخلافة في قريش

- ‌حكم العمل كموظف عند أئمة الجور

- ‌حكم الاشتغال في سلك القضاء

- ‌جماعة جهيمان

- ‌هل يقال الله هو الحاكم

- ‌إطلاق لفظ صاحب الجلالة على الحاكم

- ‌هل هناك عهد شرعي يلزم صاحبهبالطاعة في المنشط والمكره

- ‌كيفية إقامة الحجة على الحكام

- ‌حول مانعي الزكاة

- ‌الدعاء لولي الأمر

- ‌باب منه

- ‌هل قاعدة كما تكونوا يولى عليكم على إطلاقها

- ‌هل الشورى معلمة أم ملزمة

- ‌نصيحة الشيخ للحكام أن يهذبواأنفسهم بالإسلام

- ‌حكومة المرأة

- ‌العلامة الألباني وفقه الخلاف

- ‌هل الاختلاف رحمة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌سبب اختلافات الجماعات السنية

- ‌حول الاختلاف في الأصول وفي الفروع

- ‌الاختلاف بين الأئمة

- ‌الاختلاف في طريقة الوصول إلى السعادة

- ‌اختلاف الفتاوى

- ‌حول حديث لا يُصَلّين أحدكم العصر

- ‌الخلاف بين أتباع الأئمة

- ‌الاختلاف بين الشيخ وعلماء الحجاز

- ‌كيف نتعامل مع المخالفينإذا كانت القوة لهم

- ‌أدب الحوار والخلاف

- ‌حكم منكر الإجماع

- ‌موقف العامة من اختلاف الفتاوى

- ‌كيف يعرف خاصة الناس الراجحمما وقع فيه اختلاف

- ‌رأي العلامة الألباني فيجماعة أنصار السنة بمصر

- ‌رأي الشيخ في جماعة أنصار السنة بمصروأتباع الشيخ محمود خَطَّاب السبكي

- ‌رأي الشيخ في أنصار السنة بمصر

- ‌المجددون والتجديد

- ‌ما مجالات التجديد

- ‌هل يشترط أن يكون المجددمن أهل السنة

- ‌من هو المجدد وما هي شروطه

- ‌حكم العزلة

- ‌حكم العزلة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

الفصل: ‌هل يجب اتباع مذهب معين

‌هل يجب اتباع مذهب معين

؟

مداخلة: فهمت أننا طالبات بجامعة الملك عبد العزيز، ففي قسم الشريعة تدرس الأحكام على المذاهب، والأخوات كن جميعاً يدرسن على هذا الأساس، فعند النقاش معهن على أساس أنه كان حديث ضعيف، أو يجب علينا عدم اتباع مذهب معين، يعني: نجد إنه مناقشة عقيمة تقام، فما نعرف كيف نتصرف ونرد عليهن، خصوصاً احنا لما نبحث في مسألة نبحثها عن طريق الكتاب والسنة دون اللجوء إلى كتب المذاهب، فإذا كنا عرفنا أنه هذه الطريقة خاطئة، وهو اتباع مذهب معين بعينه، فما هي الطريقة الصحيحة التي تنصحنا (انقطاع) جماعة الإخوان، أو جماعة التبليغ والدعوة لأن بعضهم ما يفهموا هذا الشيء، يعني: قسم ناسين أنهن ينتمين يعني لأي هذه المجموعات، فما هي الطريقة الصحيحة لتوجيههن.

الشيخ: مما لا شك فيه أن الواجب على كل مسلم سواء كان عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو جاهلاً، من الواجب على هؤلاء جميعاً إنما هو اتباع الكتاب والسنة، هذه يجب أن نعتبرها مقدمة أولى ولا خلاف ولا نقاش فيها بين أحد من المسلمين.

الشيء الثاني: أن الله عز وجل بعد أن فرض على كل المسلمين أن يحكموا وأن يتبعوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أمر لا حاجة بنا للخوض فيه؛ لأنه

ص: 46

مسلم به عند الجميع، جعل المجتمع الإسلامي أن يتحاكموا إلى الله ورسوله، فقد جعل المسلمين قسمين من حيث العلم وعدمه.

القسم الأول: هم العلماء، والقسم الآخر: هم الذين لا يعلمون، وقد قال تعالى في صريح القرآن الكريم:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وأهل الذكر لا شك هم أهل القرآن كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الثابت.

«أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» أهل الذكر هم أهل القرآن، والرسول يقول:«أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» فعلى جميع المسلمين الذين ليسوا من العلماء أن يسألوا العلماء كما جاء في حديث أبي داود الذي يؤكد أن المبتلى بشيء ما يريد أن يعرف حكمه إذا استفتى غيره فيجب على هذا المفتي أن يكون عالماً ليجوز له الإفتاء، وإلا دخل في قوله عليه السلام:«إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقي عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا» ، حديث أبي دود يقول: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل سرية فلما وضعت الحرب أوزارها بينه وبين المشركين وناموا أصبح أحدهم جنباً، وبه جراحات من أثر المعركة، فسأل من حوله هل يجدون له رخصة في أن لا يغتسل قالوا له: لا بد لك من اغتسال فاغتسل فأصابته الحماء ثم مات، ولما بلغ خبره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غضب غضباً شديداً ودعا على الذين أفتوه بتلك الفتوى قال:«قتلوه قاتلهم الله ألا سألوا حين جهلوا» السؤال الشاهد هنا: «ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال» .

إذاً: الواجب على من لا يعلم أن يسأل أهل العلم، والواجب على أهل

ص: 47

العلم أن يفتوا هؤلاء الناس كما قال عليه السلام: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» إذا كان هذا هو الواجب فمن الواجب أن يسلك المسلم طريق السؤال المشروع؛ ليعرف حكم الله فيما هو بحاجة إلى معرفته، ولا شك ولا ريب أننا نعلم جميعاً أن الأمر كما قال عليه السلام:«خير الناس قرني ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» وهؤلاء القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية لم يوجد فيهم من يتمسك بقول عالم من علماء هذه القرون الثلاثة.

مثلاً: لم يكن في الصحابة ولا فيمن بعدهم من هو بكري المذهب، أبو بكر الصديق، ولا من هو عمري، ولا من هو عثماني، ولا من هو علوي، وإنما كانوا جميعاً يتحاكمون إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أهل العلم يلتقون مع الكتاب والسنة مباشرة، من لا علم عنده يسأل مَنْ؟ هؤلاء العلماء دون أن يتعصبوا لشخص معين منهم؛ لأن هذا التعصب من سمات التوحيد الخالص، التوحيد الخالص الذي هو اتباع المعصوم، وليس هناك معصوم من البشر إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيما يتعلق بالدين، أما أمور الدنيا فقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح:«أنتم أعلم بأمور دنياكم» .

وإذا كان الأمر كذلك، فإذا ما تمسك رجل مسلم لا يعلم في سبيل أن يتعلم يتمسك بقول إمام من أئمة المسلمين سواء كان من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم فقد جعل هذا الإنسان معصوماً كالرسول عليه السلام، وهذا من الغلو في الدين الذي لا يجوز أن يقع فيه شيء منه مع المسلمين، لذلك قال رب العالمين بالنسبة للنصارى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] هذه الآية ظاهرها أشكل على أحد الصحابة الذين كانوا تنصروا

ص: 48

في الجاهلية ثم لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام هداه الله إلى الإسلام، ألا وهو عدي بن حاتم الطائي، فلما تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية كان عدي في المجلس فأشكلت الآية عليه؛ لأنه فهمها على غير المراد منها، قال: والله يا رسول الله ما اتخذناهم أرباباً من دون الله، لماذا قال هو هكذا؟ لأنه فهم أنهم اتخذوهم أرباباً يعني: يخلقون مع الله، الله رب العالمين أي: جعلوهم كرب العالمين، فبين لهم الرسول عليه السلام، أو بين له الرسول عليه السلام بأن المقصود بالآية الربوبية المتعلقة بالتشريع، فالله عز وجل كما أنه واحد في ذاته، وواحد في صفاته فهو أيضاً واحد في حكمه فليس لأحد حكم معه إطلاقاً، ولذلك ظهر اليوم العبارة العصرية أن الحاكمية لله عز وجل، وهذا فعلاً شيء جميل جداً، لم يتبادر هذا المعنى إلى عدي بن حاتم، ولهذا قال له عليه السلام حينما استغرب المعنى الذي يتبادر إلى ذهنه أنه المراد وحق له ذلك، لكن ليس هو المراد بالآية فقال له عليه السلام موضحاً ومبيناً:«ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه قال: أما هذا فقد كان يا رسول الله قال: فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله» .

فاتباع الإنسان المسلم لشخص عالم لا يتعداه إلى غيره فيه كأنه رب العالمين له حق التشريع وليس هذا الحق لأحد من البشر إطلاقاً، حتى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو يحكي ما أوحي إليه من ربه كما قال عليه السلام في حديث في سنن أبي داود أن عبد الله بن عمرو بن العاص جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: يا رسول الله! كنت في مجلسٍ فيه مشركون فقالوا لي تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يقوله في حالة الرضا والغضب؟ ! فقال له عليه السلام: «أكتب

ص: 49

فوالذي نفس محمدٍ بيده ما يخرج منه إلا حق» فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو وحده الذي يتميز عن كل البشر أن ما يخرج منه هو كله حق، أما من أبو بكر الذي هو أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل وأنت نازل تقول لهم: لا يمكن أن نصفهم بأن كل ما يخرج من فم أحدهم هو الحق؛ لذلك لا يجوز أن نتخذ إنساناً بعينه إماماً لا نستفيد من علم آخرين لأن هذا الحق الذي أوحاه الله تبارك وتعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس محصوراً في شخصٍ بذاته من بعده، فنحن لا نعتقد في من خلفه عليه السلام من الصحابة ما يعتقده الشيعة في علي بن أبي طالب حيث يعتقدوا أن العلم الذي كان في صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل كله إلى علي، نحن لا نعتقد هذا، ولذلك اعتقدوا فيه العصمة وجعلوه كالنبي عليه الصلاة والسلام في العصمة، نحن نقول: العلم الذي كان في صدر الرسول عليه السلام انتقل إلى الصحابة وليس إلى صحابي واحد، ولذلك فمن شاء أن يأخذ العلم، أو أن يأخذ بحظٍ وافر من هذا العلم، فلا يستطيع أن يأخذه من شخص واحد، وإنما ينبغي أن يستفيد من جميعهم، وإلا فقد أضاع على نفسه علماً كبيراً.

إذا عرفنا هذه الحقيقة وخلاصتها أننا مكلفون باتباع الكتاب والسنة، وأن المجتمع الإسلامي فيه العلماء وفيه غير العلماء، وأن واجب هؤلاء غير العلماء أن يسألوا أهل العلم، ليس أن يسألوا عالماً واحداً؛ لذلك لم يكن التدين بالتمذهب في إمام واحدٍ أو مذهب إمامٍ واحدٍ في القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية كما ذكرنا آنفاً، وإنما كما كان العلم مشاعاً بين كبار الصحابة العلماء والفقهاء منهم، كذلك كانت الفتوى تتوجه إلى عديدٍ منهم، وليس إلى شخص واحد منهم.

ص: 50

وإذا كان الخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع فيجب أن تعود سيرة المسلمين اليوم في التدين سيرتها الأولى في القرون المشهود لها بالخيرية، أي: ليس للمسلمين أن يتخذوا إماماً بعينه، وإنما عليهم أن يستفيدوا من أهل العلم كما في الآية السابقة، فإن فعلوا ذلك فقد اقتدوا بالسلف الصالح، وإن لم يفعلوا فقد خالفوا السلف الصالح، زايد على ذلك أنهم خالفوا أئمتهم الذين يدَّعون بأنهم يتبعونهم أو يقلدونهم؛ لأننا نعلم جميعاً أنه قد صح عن كل إمام منهم أنه قال ناصحاً للأمة كلها:«إذا صح الحديث فهو مذهبي» وهذا اعتراف منهم بأنه لا يمكن لعالم من علماء المسلمين أن يحيط بالحديث كله، لهذا يقول ناصحاً لأفراد الأمة كما ذكرنا إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال بعضهم: ما هو أصرح من ذلك وهو الإمام الشافعي قال: قد تخفى السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرداً من أفراد المسلمين، فمهما قلت من قولٍ أو أصلت من أصلٍ وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف قولي أقول بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«واضربوا بقولي عرض الحائط» .

(انقطاع) الأئمة في اتباع السنة واتباع قول الرسول عليه السلام، وعدم تقليد الإمام إذا تبينت السنة، يكون والحالة هذه التمذهب بمذهب إمام واحد ليس فقط مخالفاً للكتاب والسنة، بل هو أيضاً مخالف لأقوال الأئمة الذين يتمذهبون بمذهب إمام معين، هم مخالفون للكتاب والسنة، وغير متبعين لأقوال الأئمة، فأصبحوا خارجين عن اتباع الكتاب والسنة وعن تقليد الأئمة.

لذلك يعجبني في هذه المناسبة ما ذكره أحد كبار علماء الهند والمعروف بأبي الحسنات اللكنوي، في كتاب له اسمه: «الفوائد البهية في طبقات علماء

ص: 51

الحنفية» ذكر ترجمة من أحد علماء الحنفية، وهو المسمى بعصام البلخي، عصام البلخي هذا من الطبقة الثانية من تلامذة أبي حنيفة، لأن شيخ عصام البلخي هو أبو يوسف، وهو كما هو معلوم تلميذ أبي حنيفة، عصام البلخي هذا تلميذ أبي يوسف ذكر أبو الحسنات اللكنوي في ترجمته أنه كان يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه، وهذا بلا شك كما يعلم العارفون بتراجم الحنفية أمر غريب شاذ بالنسبة لعلماء الأحناف؛ لأنهم مطبقون تبعاً لأئمتهم الثلاثة: أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف القاضي، كل هؤلاء الثلاثة قالوا بعدم شرعية رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه، بل قالوا بكراهية هذا الرفع كراهة تحريم، فلما رئي عصام البلخي هذا وهو منهم يرفع يديه في الصلاة سئل: كيف أنت ترفع يديك في الصلاة وأنت تابع لأبي يوسف، وأبو يوسف تلميذ أبي حنيفة، وهم قالوا بأن هذا الرفع لا يشرع؟ قال وهذه كلمة حق: إن الله تبارك وتعالى قد كلف كل منا أن يعمل بما علم، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه عند الركوع والرفع منه، والله عز وجل لم يكلفنا أن نفهم شريعة ربنا بعقل أبي حنيفة، وإنما كل إنسان بعقله وبعلمه، ويوم نلقاه سوف لا يقول لي: لماذا خالفت أبى حنيفة؟ على العكس فيما لو تركت هذه السنة سيقول لي: لماذا تركت هذه السنة وقد عرفت أن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه.

علق على فعل عصام هذا، هو في عبارة أخرى على اتباعه لهذه السنة، ومخالفته للإمام أبي حنيفة، أو أبي يوسف علق تعليقاً بديعاً ورائعاً جداً، حيث قال: ومن هذا يؤخذ أن من ترك تقليد إمامه في مسألة اتباعاً منه لقوة دليل

ص: 52

مخالفه أنه لا يخرج بذلك عن التقليد أي: تقليد الإمام، بل هو في رقة التقليد في صورة ترك التقليد، ترك التقليد إذا صح الحديث فهو مذهبي، فقد صح الحديث عند عصام، فترك قول الإمام واتبع الحديث، وحينما اتبع الحديث فقد اتبع الإمام، لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

لذلك قال هذه الكلمة أبو الحسنات وهو أيضاً حنفي، وعالم فاضل من علماء الهند نأخذ من هذه المسألة، أو يؤخذ من هذه المسألة أن الحنفي إذا ترك مسألة من مسائل إمامه اتباعاً لقوة دليل مخالفه أنه لا يخرج بذلك عن التقليد، بل هو في رقة التقليد في صورة ترك التقيلد.

فإذاً: الكتاب والسنة واتفاق الأئمة كلهم يأمرون المسلمين بأن يأخذوا دينهم عن الكتاب والسنة كل بحسبه: أهل العلم من الكتاب والسنة، ومن لا علم عنده بسؤال أهل العلم، وليس بسؤال عالم واحد فقط، إذا عرفت هذه الحقيقة فيجب على عامة المسلمين علمائهم وغير علمائهم أن يحيوا هذا الاتجاه الذي كان عليه سلفنا الصالح، وهو: أن لا تتعصب طائفة منهم لإمام فتتعصب طائفة أخرى لإمام آخر، وبذلك يقع المسلمون في محذور كبير، وهو الاختلاف والافتراق، وهذا لا يجوز في دين الله كما قال عز وجل:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32].

ومن يقرأ التأريخ الإسلامي، وما وقع بين متعصبة المذاهب من فتنٍ تتجلى له ضرورة عود المسلمين إلى اتباع الكتاب والسنة على التفصيل السابق، أعيد فأكرر العالم بعلمه، وغير العالم بسؤال أهل العلم، وليس بالتدين باتباع مذهب

ص: 53

معين، نحن مثلاً إلى عهد قريب أظن أنتم ما أدركتم الذي أدركناه، في مسجد بني أمية في دمشق يوجدِ المسجد الأمويِ، توجد فيه أربعة محاريب، يصلي في هذه المحاريب الأربعة أربعة من الأئمة الحنفي، والشافعي، والملكي والحنبلي، فتجد ناساً يجلسون والصلاة قائمة لماذا؟ هذا ليس إماماً لنا، فإذا انتهت الصلاة قام إمام ثاني وصلى وناس جالسون، ما يصلوا مع الإمام هذا ليس إمامهم، وهكذا تفرقت جماعة المسلمين بسبب تعصبهم لإمام واحد، كل منهم كل منهم قنع بإمام.

هذه الظاهرة لم تكن في عهد السلف الصالح إطلاقاً، كان يؤم المسلمين جميعاً إمام واحد، مع أننا نعلم أن بعض الصحابة كانوا يختلفون في بعض المسائل، وكذلك التابعون ومن بعدهم، لكن مع ذلك كانوا يصلون جماعة واحدة، وفي مسجد واحد، ترى لماذا حصل هذا الفرق بين ما كان وبين ما عليه نحن اليوم، هو: أن المنهج العلمي الذي كانوا عليه، نحن حدنا عنه، وتمسكنا بمنهج منحرف عما كانوا عليه، فانحرفنا عن الكتاب والسنة واتبع كل منا إمام قنع به كما ذكرنا حنفي وشافعي ونحو ذلك.

لا يعني هذا الكلام شيئاً يخطر في بال بعض الناس، وقد ينقلونه ويتهمون فيه الأبرياء، لا يعني هذا الكلام أننا نحن اليوم حينما ندعوا لاتباع الكتاب والسنة لا نقيم وزناً لهؤلاء الأئمة وأمثالهم حاشا لله عز وجل، إنما نحن نقدرهم ونحترمهم تمام التقدير والاحترام، ومن ذلك أننا أخذنا هذا النهج الذي بيناه آنفاً من كلماتهم، وهم الذين قالوا: إذا صح الحديث فهو مذهبي إلى آخر ما هنالك من أقوال كنت جمعتها وأودعتها في مقدمة: كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، فنحن إذاً بهم نقتدي،

ص: 54

ولهم نتبع في هذا المنهج الذي أمر الله تبارك وتعالى به الناس جميعاً {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

فتعظيم الأئمة وتقديرهم شيء، وتعظيم حكم الشرع الصادر عن الله وعن رسول الله هذا شيء آخر، الغاية بالاتباع من البشر هو رسول الله، أما الأئمة كل الأئمة لا نستثني منهم أحداً سواء كانوا من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم، فهم أدلاء، فهم وسطاء بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فمن تمسك بواحدٍ منهم فقد ضيع علوم الآخرين، ويجب أن نؤكد هذا نرسخه في هذا إذا ما تذكرنا الحقيقة السابقة أن علم الرسول عليه السلام لم يودع في صدر واحد من الصحابة، وإنما في صدور جميع الصحابة، وهذا العلم الذي انتقل من صدور الصحابة لم ينتقل إلى صدر واحد من التابعين، وإنما إلى مجموع علماء التابعين، ثم هذا العلم أيضاً لم ينتقل من مجموع صدور التابعين إلى صدر إمام من أئمة أتباع التابعين.

فإذاً العلم موزع بين العلماء جميعاً، فينبغي نحن إذا أردنا أن نتلقى العلم أن نتلقاه منهم جميعاً لا نستثني منهم أحداً، لا نتعصب لأحدٍ على أحد، وإنما كلهم كما يقال في غير هذه المناسبة، وكلهم لرسول الله ملتمس، أقول: يقولون هذا في غير هذه المناسبة؛ لأننا حينما نبين للناس أن الصحابة اختلفوا في بعض المسائل، فعلينا أن ننظر مع من الحق فنتبعه، كذلك الأئمة من بعدهم اختلفوا في بعض المسائل يجابهوننا بقولهم: وكلهم لرسول الله ملتمس، هذا نقوله نحن، لكن فرق كبير جداً بين ما نقوله نحن، وبينما يقوله هؤلاء الناس، نحن نقول: كل واحدٍ منهم كان هدفه وكانت غايته اتباع الكتاب والسنة،

ص: 55

ولكن هذا لا يعني أن كل واحدٍ منهم أصاب الحق في كل مسألة وإلا تناقضت أقوال الأئمة وبالتالي تناقضت الشريعة، وهذا مستحيل؛ لأن الله عز وجل يقول في حق القرآن الكريم:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

لو كان هذا القرآن من البشر، والبشر مختلف مضطرب الفكر لوجدو فيه اختلافاً كثيراً، لكن هذا من وحي السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لكننا في الواقع نجد خلافاً كثيراً بين الأئمة، الأمثلة التي يبتلى فيها الناس كثيراً، مثلاً: خروج الدم ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء، ثلاثة مذاهب، ثلاثة أقوال: لا يمكن هذه الأقوال أن تكون من عند الله أبداً، للآية السابقة {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

الدم ينقض سواء كان كثيراً أو قليلاً هذا قول.

الدم لا ينقض سواء كان قليلاً أو كثيراً القول الثاني.

القول الثالث: إن كان كثيراً نقض وإن كان قليلاً لم ينقض.

ثلاثة أقوال تكون من رسول الله حاشا برسول الله أن يقول مثل هذه الأقوال المضطربة، هذا مثالاً من الأمثلة التي يقتدى بها الناس جميعاً نساءً ورجالاً.

خذوا مثال آخر وهو أدق بالنسبة لكونه له علاقة اجتماعية: المذهب الحنفي مثلاً يقول: إذا بلغت المرأة سن الرشد فلها أن تزوج نفسها بنفسها ولو لم يأذن لها بذلك ولي أمرها، الشافعي والجمهور يقولون: لا. هذا

غير صحيح.

(الهدى والنور /101/ 34: 31: 00)

ص: 56