الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول تقليد مشايخ العصر
مداخلة: شيخنا ننقل على من يقلد المذاهب الأربعة أنه ننكر عليهم مسألة التقليد وفي نفس الوقت هكذا كسؤال: أرى مثلاً أنه يوجد شباب كثيرين جداً .. شباب بعمري، مثلاً نسأله عن مسألة فلانية ونراه يعمل عملاً فلاني نقول له: من أين لك هذا؟ يقول: قال ابن باز، أو قال الألباني، أو قال مثلاً في العراق قال الشيخ إياد، وهكذا، وترى أقواله هكذا، أغلب حاله هكذا فهل هذا من التقليد أم يجوز هذا الأمر.
الشيخ: التقليد يا أستاذ لا بد منه، لكن المهم بالنسبة لكل مسلم ألا يتعصب إلا للكتاب والسنة، هذه المسائل الحقيقية تحتاج إلى فقه دقيق حتى ما يقع الإنسان في الإفراط أو التفريط، نحن الآن ما كان كلامنا حول المذاهب الأربعة، كان كلامنا أنه لا يجوز أن نقول: إن المقلدين يتبعون السنة.
مداخلة: أنا كسؤال يعني ..
الشيخ: أنا آتي لك في السؤال لكن أرجو ما يرتبط سؤال بما سبق من الكلام، فأنا أقول: مبدأ العلم هو التقليد .. مبدأ العلم هو التقليد، لكن منتهى العلم هو الخروج من التقليد، فالآن: أنت تسأل سؤال يترشح من السؤال أن هؤلاء يُقَلِّدون المذهب الحنفي وهؤلاء يقلدون الشيخ فلان والشيخ علان، أنا
أرجو أن تفرق بين هذا وهذا، لماذا؟
هؤلاء الأشخاص الذين سميت بعضهم مثلاً الشيخ ابن باز مثلاً بقدر ما أوتي من علم يستقي من الكتاب والسنة وهو إنسان معرض للخطأ والنسيان وإلى آخره، لكنه لا يتعصب لمذهبه الحنبلي الذي نشأ فيه طيب! أين ما عشت إذاً في المذهبية سواءً في أفغانستان أو في تركيا أو في ألبانيا أو في كل بلاد الدنيا فالمذهبية هي المسيطر عليه وكل إقليم له طابعه، بلاد الأتراك لا يعرفون الإسلام إلا المذهب الحنفي ليس هناك مذهب آخر إطلاقاً، ألبانيا كذلك .. المغرب ما يعرف غير المذهب المالكي .. مصر فيها المذهب الشافعي والمذهب الحنفي إلى آخره.
فالآن: العلماء يقولون: العامي لا مذهب له، مذهبه مذهب مفتيه، وهذا الكلام هو منتهى العلم، لماذا؟ لأن الله عز وجل في القرآن الكريم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] جعل الأمة الإسلامية قسمين:
القسم الأكبر والأعم هم الذين لا يعلمون، ويقابله القسم الذين يعلمون فأوجب على القسم الأول أن يسأل القسم الآخر، ما أوجب على القسم الأول أن يتفرقوا شيعاً وأحزاباً ومذاهب وطرق قدداً، لا وإنما قال لهم:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أهل الذكر يعنون يعني: يتصلوا بالأموات بطريق استحضار الأرواح؟ طبعاً لا، وإنما {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] أي: العلماء الذين هم بين ظهرانيكم.
الآن: أي إنسان ودعنا نتكلم عنك أنت، إذا كنت عائش في جماعة مذهبيين
وفيهم بعض العلماء في المذهب لكن ترى أن أحدهم عنده قليل بالتعبير السوري: (لحلحة) تفهموا هذه الكلمة؟ يعني: ليس عنده هذا الجمود المذهبي قد يأخذ من مذهب آخر ما يكون هو أرجح عنده، تطمئن نفسك إلى هذا أو إلى أولئك .. إلى هذا.
فالتقليد لا نجاة منه ولكن الخطوة المفروضة أن يسعى الإنسان ليطبق مثل قوله تعالى السابق ذكره: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ما يتمسك بشخص أو بمذهب لا يحيد عنه قيد شعرة، الشيء الثاني: أن يتمثل دائماً في منطلقه قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] البصيرة الآن عند المقلدين مفقودة، لكن عند هؤلاء الذين يقولوا لك: سمعنا الشيخ فلان، لماذا تركوا مذهبهم وتمسكوا بالشيخ فلان؟ أليس لأنهم يظنون فيه العلم؟ طيب! لكن بالعكس عندما تركوا المذهب لأن المذهب يعرفون أنه ماشي بخط لا يحيد عنه لا يمينياً ولا يساراً الحنفي مثلاً عندما يقول: الله أكبر ليس ممكن يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً أبداً، لماذا؟ لأن المذهب الحنفي كل كتب الفقه سواءً ما كان منها ملخصاً أو مبسطاً دعاء الاستفتاح: سبحانك اللهم، الشافعي بالعكس من ذلك وجهت وجهي، ليس هناك أبداً في مرة يقول: سبحانك اللهم، بينما الذي يسأل الشيخ ابن باز أو غيره يقول لك: يا أخي! هذا الأدعية كلها صحت عن الرسول عليه السلام فإن استفتح بهذا جاز أو بهذا جاز لكن الأفضل أن تنوع.
فمن يشعروا هؤلاء المقلدين دعنا نسميهم مقلدين أيضاً لأفراد لكن هؤلاء
خير من أولئك أفراد؛ لأن أولئك سائرين على خط مذهبي .. هؤلاء سائرين على خط سلفي، إذا صح الحديث فهو مذهبي؛ لذلك إذا كان ولا بد من التقليد فرق كبير جداً بين تقليد وتقليد، كما ضربت لك مثلاً آنفاً: أنك تعيش في مذهب حنفي وفيه علماء كثر بهذا المذهب لكن تجد أحدهم عنده شيء من العلم بالحديث وشيء من المرونة المذهبية فنفسك تطمئن إلى هذا أكثر من غيره، فأولى وأولى إذا كان هذا العالم قال: لا، أنا لا أتبع المذهب، أنا أتبع الحق في أي مذهب كان ستطمئن له أكثر وستقول كما قال أولئك الذين نقلت عنهم؛ لأنه ليس المفروض في كل مسلم أن يكون طالب علم، ليس مفروضاً هذا، هذا أولاً، وثانياً: ليس مفروض في كل طالب علم أنه يحفظ أدلة المسألة التي اقتنع فيها يكفيه هو مثلاً وأنا أضرب مثل بسيط جداً أنه سأل: خروج الدم ينقض الوضوء؟ قلت له أنا: لا، لا ينقض الوضوء ورويت له قصة لكن القصة هذه مع الزمن دخلت من هنا وخرجت من هنا، ماذا بقي عنده؟ بقي عنده الخلاصة أنه والله الدم لا ينقض الوضوء؛ لأنه في زمن الرسول وقعت حادثة .. ستسألني ما هي الحادثة؟ لا أذكرها؛ لأن هذا من عامة المسلمين ليس مفروض فيه أن يحفظ الدليل، لكن فهم خلاصة الحكم.
وأنا أقول بهذه المناسبة: في بعض إخواننا السلفيين يكلفوا أفراد المسلمين كلهم أن يصبحوا كأنهم مجتهدين يعني: يعرفوا المسألة ومن أين أتت! ستجده يمكن لا يفهم شيء يسأل سؤال يقول العالم يجوز أو لا يجوز، يقول له: ما هو الدليل، وهو لو حاول يُفَهِّمُهُ الدليل لن يفهم؛ لأن المسألة ليس من الوضوح كالشمس في رابعة النهار فيها دقة، وأضرب مثلاً بسيطاً جداً، سئلت
أول أمس هاتفياً في حديث صحيح: «من أتى مسجدي هذا يطلب فيه علماً كان كالمجاهد في سبيل الله» كان السؤال: هل هذا الحكم خاص بمسجد الرسول أو يشمل كل المساجد؟ قلت له: لا، الحديث ليس خاص بمسجد الرسول، قال لي: ما هو الدليل؟ معذور هو؛ لأن الحديث يقول: «مسجدي هذا» قلت له: يا أخي! ليس كل مسألة ممكن عامة الناس أن يفهموا الدليل فيها، قال لي: إذاً سنقول: الرسول قال: «صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة» إذاً: كل المساجد بألف صلاة.
فمن الخطأ أن نكلف الناس ما لا يطيقون، أول هذا الخطأ أن نكلف الناس أن يكونوا كلهم علماء، هذا تكليف بالباطل بل من الخطأ أن نكلف كل الناس يكونوا طلاب علم أيضاً هذا خطأ لكن كما جاء في الأثر عن بعض السلف الصالح: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك، اليوم أكثر الناس مع الأسف في القسم الرابع لا يهمه يسأل ولا يتعلم ولا يحضر مجالس العلم، بالعكس إذا كان في مجلس علم ينفر:{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 50 - 51] لأنه ما اعتاد الحياة العلمية.
فالشاهد: التقليد لا بد منه ولكن تقليد عن تقليد هناك فرق، ثم التقليد وسيلة وليس غاية، يجب أن ينتهي إلى الغاية وهي أن يكون على بصيرة من دينه، وكل من بحسبه، فأظن أنا أعطيتك جواب سؤالك إن شاء الله.
مداخلة: نعم.
الشيخ: جزاك الله خير.
(الهدى والنور/546/ 07: 41: 00)