الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف الفتاوى
الملقي: يسأل سائل فيقول: نشاهد في هذه الأيام ولله الحمد نهضة علمية طيبة، وبخاصة بين الشباب المسلم الصاعد، وهذه النهضة تواجهها إشكالات عدة، من أهمها اختلاف أهل العلم في الفتيا مما يؤدي إلى تحير البعض واضطرابهم؛ فما هو موقف الشباب المسلم من ذلك؛ أفيدونا -بارك الله فيكم-؟
الشيخ: هذا السؤال بلا شك من وحي الساعة، وقد سمعناه في رحلتنا السابقة مراراً وتكراراً، والإشكال هذا في الواقع إنما يرد على الشباب الذين لم يتمكن فيهم المنهج العلمي الصحيح، أعني به ما جاء عن بعض السلف كابن عباس ومن تبعه من الأئمة كمجاهد ومالك وغيرهما: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذه حقيقة يجب أن يستحضرها شبابنا المسلم الطالب للعلم الصحيح، وليس هو إلا قال الله وقال رسول الله، وعلى ما أكدنا مراراً وتكراراً على منهج السلف الصالح، وينبغي عليه أن يستحضر حقيقة أخرى، حقيقة قرآنية، قال الله تبارك وتعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119]، فالاختلاف لا منجاة منه ولا خلاص، هذه سنة الله عز وجل في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً لكن
الخلاف منه ما هو يعذر عليه الناس ومنه ما لا يعذرون عليه، يعذرون على الخلاف الذي لا بد منه، وهو ما أشارت الآية السابقة الذكر:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118]، فربنا ما شاء أن يجعل الناس على منهج واحد، وعلى فهم واحد، ولو كان كذلك لكان أحق الناس بذلك هم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين هم خير الناس كما جاء ذلك صراحة في الحديث المتواتر المعروف، ولكن شاء الله عز وجل بحكمة البالغة قد يدركها من يفهمها وقد لا يدركها أكثر الناس، ولا يضرنا ذلك، فالخلاف أمر طبيعي كما ذكرنا، أما الاختلاف والتخاصم من أجل سوء التفاهم في المسألة الواحدة، هذا هو المحظور، وهذا هو الممنوع، وهذا هو الذي نجا منه السلف ووقع فيه الخلف، إذا استحضر الشباب هذه الحقيقة، فلا ينبغي لهم أن يستغربوا اختلاف بعض العلماء، وبخاصة إذا كانوا ممن يشملهم المنهج الواحد
وهو المنهج الحق: الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح، لا يستنكروا ذلك ولا يستغربوه؛ لأنه سنة الله عز وجل في خلقه، وإذا أرادوا الخلاص منه فعليهم أن يسلكوا سبيل أهل العلم، وهو المنصوص عليه في القرآن الكريم:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فإذا ورد إلى طالب العلم قولان متباينان أو أكثر عن عالمين فاضلين، والظن أنهما متساويان في العلم والفضل، فيحار وقد يحق له أن يحتار بادئ الرأي، لكن لا يجوز له أن يستمر في ذلك؛ لأن عليه أن يسأل الدليل أن يطلب الدليل من كلٍ من العالمين، سواء كان الكلام معهما مباشرة أو بواسطة المراسلة، أو المهاتفة أو نحو ذلك من الوسائل التي تتيسر اليوم، فبعد أن يسمع دليل كل منهم، فليس
هو بالمكلف بأن يؤثر زيداً على عمرو، أو أن يؤثر عمرواً على زيد، بل هو يتبع من كان معه الدليل الذي اطمأنت له النفس، وانشرح له الصدر، ولعل هذا وبه ينتهي الجواب من معاني قوله عليه الصلاة والسلام:«استفت قلبك وإن أفتاك المفتون» جاءك قولان من عالمين جليلين فاستفت قلبك بعد أن تستوضح للدليل فإلى أيهما مال قلبك فهو الذي إذا أخذت به كنت معذوراً عند الله تبارك وتعالى، أما أن تتعصب لأحدهما على الآخر، فهذا هو سبيل المقلدين الذين نجانا الله عز وجل وأخرجنا عن سبيلهم إلى سبيل الصراط المستقيم، والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور/375/ 31: 34: 00)