الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: كيف يكرهون ذلك؛ وقد أمروا به أتباعهم- كما مر-، وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة؟ ! بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه، ولو لم يأخذ بها، أو أخذ بخلافها؛ ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها-انفراداً، واجتماعاً- في مجلد ضخم؛ قال في أوله:
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعاً للسنة:
ولذلك كله كان أتباع الأئمة {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة: 13 -
14]. لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها؛ بل قد تركوا كثيراً منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة، حتى إن الإمامين: محمد بن الحسن، وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة (في نحو ثلث المذهب)، وكتب الفروع كفيلة ببيان ذلك، ونحو هذا يقال في الإمام المزني، وغيره من أتباع الشافعي وغيره، ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة؛ لطال بنا الكلام، ولخرجنا به عما قصدنا إليه في هذا البحث من الإيجاز؛ فلنقتصر على مثالين اثنين:
1 -
قال الإمام محمد في «موطئه» (ص 158):
«قال محمد: أما أبو حنيفة رحمه الله؛ فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة، وأما في قولنا؛ فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين، ثم يدعو، ويحول رداءه
…
» إلخ.
2 -
وهذا عصام بن يوسف البلخي-من أصحاب الإمام محمد، ومن الملازمين للإمام أبي يوسف- «كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيراً؛ لأنه لم يعلم الدليل، وكان يظهر له دليل غيره؛ فيفتي به» ؛ ولذلك «كان يرفع يديه عند الركوع، والرفع منه» ؛ كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها، وذلك ما يجب أن يكون عليه كل مسلم-بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم؛ كما تقدم-.
وخلاصة القول: إنني أرجو أن لا يبادر أحد من المقلدين إلى الطعن في مشرب هذا الكتاب، وترك الاستفادة مما فيه من السنن النبوية بدعوى مخالفتها للمذهب؛ بل أرجو أن يتذكر ما أسلفناه من أقوال الأئمة في وجوب العمل بالسنة، وترك أقوالهم المخالفة لها، وليعلم أن الطعن في هذا المشرب؛ إنما هو