الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقامة الحجة على الحاكم
الذي لا يحكم بما أنزل الله
السؤال: فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية التكفير وبخاصة تكفير الحكام فإن القول عندنا بما يخص هذه المسألة وقول السنة والجماعة بعدم التكفير العيني لكن نريد من فضيلتكم إلقاء الضوء على فرع من فروع هذه المسألة وحكمه، نعلم أنه لا يمكن أن نكفر شخصاً بعينه كالحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ويزعم أنه مسلم وأن دين الدولة الإسلام مع فشو الفساد في بلاده من زنى وخمر والجهر بالمعاصي ونحو ذلك إلا بعد إقامة الحجة عليه، فالأسئلة المطروحة هي: كيف تكون إقامة الحجة؟ من الذي يقيمها؟ متى يصح أن يقال أننا أقمنا عليه الحجة؟ ثم ما هي نوعية هذه الحجة وهل يشترط في إقامتها أن يعقد لقاء معه، وهذه أسئلة وإشكالات تعترض طلبة العلم ولا يجدون لها جواباً شافياً، فنرجو من فضيلة شيخنا أن يثلج صدورنا وأن يشفي غليلنا بجواب فاصل في هذا الموضوع وأجركم على الله.
الجواب: لا شك أن الحجة هي قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا عرفنا أن هذه الحجة فبدهي جداً أن نعرف الشيء الآخر وهو جواب شطر من الأسئلة التي جاءت مجموعة وهو من الذي يقيم هذه الحجة؟ فالجواب يكون بطبيعة
الحال أن الذي يقيم هذه إما هو الرجل العالم العارف بمدلولات الكتاب والسنة، ومن الخطأ الشائع في هذا الزمان أن يتوهم كثير ممن ربما لا يصح أن يُحْشَروا في صفوف طلاب العلم فضلاً عن أن يقال إنهم من أهل العلم.
كثير من هؤلاء نسمعهم في كثير من الأحيان أنه فلان الصوفي أنا أقمت الحجة عليه وهو طويلب مبتدئ في العلم ويظن أنه أقام الحجة، وقد يكون ذلك الصوفي عالماً ككثير من علماء العصر الحاضر الذين تخرجوا من بعض الجامعات كجامعة الأزهر وغيرها، فهم يكونون عادة أقوياء فيما يسمى عندهم بعلوم الآلة، فيأتي طالب للعلم ويجادله ويناقشه ثم ينتهي من بعد ذلك ليقول بأنه أقام الحجة عليه.
لا يقيم الحجة إلا من كان متمكناً في معرفة الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح رضي الله عنهم، كما يقول أو كما يشير إلى ذلك الإمام ابن القيم الجوزية فيما هو منقول عنه مشهوراً:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
إلى آخر الكلام، فالشاهد الذي يقيم الحجة هو العارف المتمكن بالكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، ثم جاء في تضاعف هذا السؤال، هل يجب أن تكون إقامة الحجة عليه مباشرة أم لا؟
الجواب بلا شك أن الحجة الأقوى والأنصع والأبين هو مواجهة المنحرف والضال بالحجة وجهاً لوجه، لكن إذا كان ذلك قد لا يتيسر أحياناً لبعض
الناس أو لبعض الدعاة من أهل العلم، فالأقل أن يرسل إليه خطاب والآن وسائل الإرسال والتسمية والتبليغ ميسرة تماماً بسبل لم تكن متيسرة من قبل، فبهذه الطريقة الثانية أيضاً يمكن أن يقال إن الحجة قد أقيمت على فلان، ثم في نهاية المطاف عندما يفيدنا هذا التدقيق في هذه الأسئلة فيما لو كان الحكم بيدنا نحن لو كنا حكاماً لأنه يترتب من وراء إقامة الحجة تمييز الكافر من المسلم، وبخاصة إذا كان هذا المسلم كان مسلماً وراثياً ثم بدر منه ما به يخرج عن دينه فيصبح مرتداً والمرتد في حكم الإسلام يجب أن يقتل، كما قال عليه الصلاة والسلام:«من بدل دينه فاقتلوه» .
فإقامة الحجة لها هذا الأثر فيما لو كان المقيم للحجة في يده السلطة أما إذا كان أفراد من الناس ولو كانوا من أهل العلم فأقام الحجة على مثلاً: الحاكم الفلاني ثم استمر هذا الحاكم في طغيانه لا يفيدنا شيئاً أننا أقمنا الحجة عليه سوى أمام الله عز وجل يوم البعث والنشور بحيث أنه لا يبقى له عذر ليقول أنه أهل العلم ما أعلموني وما أفادوني.
لكن ليس من أثر إقامة الحجة ما يتوهم بعض الغلاة من الإسلاميين اليوم أننا ما دمنا أقمنا الحجة فليس أمامنا إلا الخروج، هذا الخروج لا يبرر بمثل هذه الإقامة للحجة، فإقامة الحجة تفيدنا من حيث فقط أن يكون هذا الذي أقيمت عليه الحجة لا يأخذ بتلابيبنا يوم القيامة ليقول لنا أمام ربنا لماذا لم تدلني على الحق وقد رأيتني منحرفاً عنه، لكن لا يعني ذلك أنه يجوز لنا أن نخرج على هؤلاء لأن هذا الخروج كما .. مع الأسف تاريخ عصرنا الحاضر يؤكد بأنه يترتب منه مفاسد كثيرة وكبيرة جداً، منها إزهاق النفوس وقتل
الأبرياء والنساء والأطفال ونحو ذلك.
لذلك كان مما توارثه الخلف عن السلف في عقائدهم أنه لا يجوز الخروج على الحكام، ليس معنى ذلك أن أصل الخروج غير جائز وإنما معنى ذلك أن هذا الخروج يترتب منه مفسدة دون أية مصلحة، وإلا لو افترضنا صورة أن أمة أو جماعة من المسلمين استعدوا الاستعدادين اللذين أشرنا إليهما آنفاً في الإجابة عن قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] استعدوا استعداداً كاملاً بحيث أنه غلب على ظنهم بأنهم يستطيعون أن يقلبوا نظام الحكم، حينئذ تأتي مرحلة لا يمكن إلا القول بها، ولا يسبقن إلى أذان أحد أنني سأقول إن هذه المرحلة هي تحقيق ثورة أو تحقيق انقلاب لا.
لا يوجد كما صَرَّحت لذلك في بعض تعليقاتي وكتاباتي لا يوجد في الإسلام شيء اسمه انقلاب عسكري أو ثورة دموية أو نحو ذلك، ولكن كل ما يستطيع أن يفعله هؤلاء الذين استعدَّوا هذا الاستعداد بِشُعْبَتيه بطرفيه الاستعداد الروحي والاستعداد المادي بحيث أنهم يستطيعون أن يزيلوا عن الحكم الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ليس بثورة ولا بانقلاب وإنما كما قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
الإسلام بلا شك جاء لتكون كلمة الله هي العليا، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الثابت:«بُعِثْتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعْبَد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِل الذل والصغار على من خالف أمري، فمن تشبه بقوم فهو منهم» .
وقال عليه السلام في الحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم عند الله تبارك وتعالى» .
في الوقت الذي بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبعث بالسيف أيضاً إنه لم يبعث بالسيف إلا كوسيلة لتحقيق الدعوة بمعنى: أن قتال المسلمين للكفار ليس غاية إنما الغاية الوحيدة هو دعوة الكفار إلى الإيمان بالله عز وجل، فمن استجاب فكما جاء في الأحاديث:«فله ما لنا وعليه ما علينا» ، ومن أبى وله أن يأبى بدليل الآية المعروفة: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ» [البقرة: 256] فإن أبى خير بين أمرين اثنين: إما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر وإما السيف، فالسيف جاء في المرحلة الثالثة، هذه نقطة يجب أن نفهمها جيداً لأن أعداء الإسلام من الغربيين أو المتغربين يتخذون شبهةً مثل هذا الحديث ويزعمون أن الإسلام انتشر بقوة السيف.
السيف يأتي كما رأيتم في آخر مرحلة من وقف في طريق الدعوة فوقفنا في وجهه بالسيف، ومن ترك طريق الدعوة مفتوحاً يمشي إلى آخر المدى فيترك وشأنه على أن يثبت للحكم الإسلامي أنه خاضع لأحكامه ودليل على ذلك أنه يدفع الجزية عن يد وهو صاغر.
هذا معروف من أحكام الإسلام، حينئذ نعود إلى ما كنا في صدده [انقطاع] ابتلوا بحاكم يحكم بغير ما أنزل الله، وكان عندهم من الاستعداد الروحي والمادي ما يمكنهم من أن يقيموا دولة الإسلام فلا يجوز لهم أن يُحَقِّقوا ثورة أو انقلاباً وإنما عليهم أن يدعوا الحاكم إلى حكم الإسلام وأن يُخَيِّروه إما أن
تحكم بما أنزل الله وإما أن تفتح الطريق للذين يريدون أن يحكموا بما أنزل الله، فإن استجاب فبها ونعمة، لأن الكفار يعاملوهم هذه المعاملة، فالأولى وأولى إذا كان هو يظهر الإسلام كما جاء في السؤال، فإن أبى ووقف في وجه هؤلاء الجهال حينذاك لابد من استعمال السيف.
لكننا نقول متى؟ حينما يكون هؤلاء مستعدين ومتهيئين لمواجهة من يقف في سبيل الدعوة المسلمة، أما القيام بثورة أو انقلاب عسكري فهذا لا يجوز.
(الهدى والنور /210/ 06: 05: 00)