الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاف بين الأئمة
الشيخ: بهذه المناسبة يحسن أن أذكر لأن المناسبات قد تفوتنا، هذا الذي تعرفونه حسن السقاف اتصل بي أكثر من مرة، آخر مرة سألني أنه ماذا تقولون في اختلاف الأئمة؟ هل هذا الاختلاف تُقِرُونه أو تُنْكِرونه؟ أنا ذكرت له أن الاختلاف على نوعين اختلاف تنوع واختلاف تضاد، فإذا كان من النوع الأول فنحن نقره، قال: مثاله؟
قلنا له: مثال أدعية الاستفتاح وأنواع التشهد والصلاة الإبراهيمية، وإذا كان من اختلاف التضاد فنحن نعتقد أن الحق واحد وأن ما يخالفه هو خطأ واضح.
وذكرت له الآية قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32] أخذ يحاول أن يجد ثغرة ليصل إلى هدف له لا يخفاه، فعرفت مقصده، فقلت له: أنت ما رأيك؟ قال: إذا كان الخلاف مع كلٍّ من المختلفين أو المختلفين - على حسب الواقع- حديث فنحن نقر هذا الخلاف، فعرفت أنه يريد أن لا يفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد.
مداخلة: لكل مجتهد نصيب.
الشيخ: نعم، قلت: وماذا تقول في حديث هنا الشاهد كمثال لما نحن في صدده، ما تقول في حديث «من مس ذكره فليتوضأ» صحيح؟ قال: صحيح،
لاحظوا الآن يجيب فوراً بأنه صحيح لأنه يوافق مذهبه، قلت له: هل تعمل به؟ قال: نعم، قلت له: ماذا تقول في حديث «هل هو إلا بضعة منك» . هل هو صحيح؟ بدأت الحيدة، قال: بعضهم يصححه وبعضهم يضعفه.
قلت: لماذا هذه الحيدة، قال: ما حدت، قلت: لا لما سألتك عن الحديث الأول قلت صحيح، لما سألتك عن الآخر بدأت تشكك، بعضهم صححوها، أنا أسألك عنك أنت ما تقول في هذا الحديث، أنا أعرف الخلاف لكن أنت ما رأيك صحيح وإلا ضعيف؟ ما وسعه إلا أن يعترف بصحته.
فهنا وقع، قلت: هل تقول به؟ قال: لا، قلت: إذاً أنت تُخَطِّئ الإمام أبي حنيفة الذي يقول: بأنه يجوز الوضوء صحيح ولا شيء في ذلك ولا يؤخذ بالحديث الأول، عن مسألة من أراد أن يتوضأ.
مداخلة:
…
الشيخ: أي نعم. وبعدين استمررت معه في شيء من النصيحة لكن من العيار الثقيل، قلت: لذلك أنا لا أرغب أن ألتقي معك لأنه لا يظهر لي أنك تريد الحق في الواقع، ولذلك أقول: السلام عليك إن شاء الله. بعد قليل عاد الرجل وقال: لقد كشفت شبهة كانت لدي فأنا أريد أن أسألك سؤالاً آخر، قلت: لا استعداد عندي لأن الشبهة التي كشفتها لا تزال عندك قائمة كما هي.
(الهدى والنور /210/ 04: 54: 00)
الشاهد إذا ما جاءه مثل هذا المثال لا شك أنه سيجد بعض المحدثين يضعفون الحديث الثاني فهو سيحار كيف يستطيع أن يأخذ بحديث يقول
يتوضأ وبحديث لا يتوضأ؟ إما أن يجري عملية تصفية ويستريح من أحد الحديثين إذا كان هناك مجال من الناحية الحديثية وإلا لا بد أن ينتقل من المجال الحديثي إلى المجال الفقهي فيوفق بين الحديثين، وهذا يحتاج بلا شك إلى معرفة القواعد العلمية الأصولية، فإذا كان طالب العلم بهذه المثابة الجواب أن نقول لا يجب عليه أن يسأل أهل الذكر؛ لأننا نحن نقول في كثير من أجوبتنا ومحاضراتنا إن ربنا عز وجل في مثل قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين: قسم يجب عليه السؤال، وقسم يجب عليه الجواب .. وليس هناك حل وسط، مرتبة وسطى، إما أهل علم فعليهم أن يجيبوا، وإما غير أهل علم فعليهم أن يسألوا أولئك هكذا؛ فطلاب العلم إذا وصلوا إلى المرتبة أنهم علماء فهؤلاء صاروا علماء وليسوا بحاجة إلى أن يسألوا أهل العلم، وإلا فهم داخلون في عداد الجمهور الذين عليهم أن يسألوا أهل العلم، فمن وجد في نفسه هذه القدرة العلمية لنقل الآن معرفته باللغة العربية، معرفته بعلم أصول الحديث والجرح والتعديل، معرفته بأصول الفقه وقضى على ذلك شطراً من زمان يختبر نفسه في استنباط الأحكام وعرضها على ما درس من أقوال العلماء الذين اختلفوا في كثير من المسائل هذا ليس واجب عليه أن يسأل أهل العلم، أما إذا كان ليس كذلك فنحن نعتقد قول الذين قالوا بأنه لا بد من الرجوع إلى أهل العلم؛ لكن هذا لا يحط شيئاً من قيمة الاتباع فيجب أن نعرف أن هناك ثلاثة مراتب فيما يتعلق بهذا المجتمع الذي جعله ربنا عز وجل من حيث المعرفة بالعلم والجهل به قسمين كما ذكرنا آنفاً فهناك مرتبة وسطى، فأكثر الناس هم
مقلدون ..
حرام حرام، حلال حلال، هذا هو التقليد؛ وهذا الذي نحن نحذّر منه المجتمع الإسلامي أن يقع في مثله لأنه يجب عليه أن ينطلق في عبادته لربه ليكون على بصيرة من دينه كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] فالمقلدون ليسوا على بصيرة حتماً، لكن المتبعون الذين من ديدنهم أن يعرفوا أن قول هذا العالم أو ذاك هو نابع من دليل من كتاب الله أو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يجوز لأحد أن يخالفه، أو هو الرأي والاجتهاد، والرأي والاجتهاد معرض للخطأ وللصواب، هذا إنما يفعله قلة من جمهور المسلمين الأكبر وهم الذين نسميهم بالمتبعين، فليس من الضروري أن يُصبح هؤلاء علماء لكن أيضاً لا أقول ليس من الضروري بل ليس من الجائز أن يضلوا في نشاط المقلدين فهناك مرتبة وسطى لا هم علماء ولا هم مقلدون وإنما هم متبصرون متبعون للعلماء على بصيرة من دينهم، هذا هو رأيي وحسبنا الآن هذه الجلسة، وعسى أن نراكم مرة أخرى في عودتكم للعمرة، وعمرة متقبلة إن شاء الله.
(الهدى والنور /211/ 36: 00: 00)