الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الأول
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم أحمدك اللهم على سابغ نعمائك، وضافي آلائك، وأصلى وأسلم على صفوة أنبيائك، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار الأطهار.
وبعد: فقد كنت عند اختتام «جمهرة خطب العرب» ، قطعت على نفسى عهدا بإتلائها بصنو لها فى الرسائل، وقد يسّر لى القدير المنان السبيل إلى إنجاز عدتى، فهأنذا أصدر:
جمهرة رسائل العرب فى عصور العربية الزاهرة حاوية ما وسعه اطلاعى من رسائل أبناء العربية فى عصور البلاغة، فى أجزاء أربعة:
الجزء الأول: ويحوى الرسائل فى العصر الجاهلى، وعصر صدر الإسلام.
الجزء الثانى: ويحوى الرسائل فى العصر الأموى.
الجزء الثالث: ويحوى الرسائل فى العصر العباسى الأوّل.
الجزء الرابع: ويحوى رسائل الأندلسيين.
ولم أورد فى الجزء الأول، مما أورده الشريف الرضى فى نهج البلاغة من رسائل.
الإمام علىّ كرم الله وجهه، إلا ما اقتضاه المقام: مما كان حلقة مكملة لسلسلة مكاتبات، أو رسالة مختصرة عثرت على تتمتها فى مصدر آخر، أو ما شا كل ذلك.
وقد أخرجت هذه الجمهرة على غرار سابقتها، ونهجت فيها منهجها، فدأبت على التوفيق بين الروايات المختلفة للرسالة الواحدة، وصنعت منها صورة كاملة تؤلف بين أشتاتها، وعنيت بضبط المشكل من ألفاظها، وتصحيح المحرف، وتحقيق المشوّه منها، ورده إلى أصله، وشفعتها بنبذة تاريخية توضح المقام الذى كتبت فيه، وذيلتها بشرح مسهب يجلى للقارئ فحواها. ولست أغلو إن قلت إن ذلك الشرح بما حواه من فوائد لغوية، وفرائد أدبية، وطرائف تاريخية، حرىّ أن بعد كتابا قائما بذاته.
وإخالنى بإصدار هاتين الجمهرتين قد عبّدت طريق النثر القديم: الخطابى والكتابى:
للمتأدبين، ووطأت لهم مهاده، ويسرت لمؤرخى الأدب العربى أن يتصفحوا خطب كل عصر ورسائله مجتمعة الشمل، قريبة المأخذ، سائغة التناول، ووفّرت عليهم ما يضطرهم إليه البحث من بذل مجهود شاق، وإضاعة وقت طويل، فى التنقيب عنها، وما تتطلبه من التحقيق والتعليق.
كما أرانى قد حببت إلى شبابنا المتعلمين أن يجتنوا من ثمر الأدب العربى الشهى، وينهلوا من مناهله العذبة، ويلفوا فيه من فصاحة اللسان، ورصانة البيان، ما يؤمنون معه بثراء لغتهم، وعلوّ كعبها، وسمو مكانتها؛ بين لغات الأمم، أجل لقد كان من أكبر البواعث التى حدت بى إلى تأليف تينكم الجمهرتين، ما رأيته فى طلابنا المتأدبين من عزوف عن كتب الأدب العربىّ القديم وصدوف عنها، لأنها عطل من الضبط، خلو من التعليق والشرح، فضلا عما أفعمت به من التحريف للشائن، والتشويه الشنيع؛ فهم إذا ما تاقت نفوسهم إلى مطالعتها لم يعتموا أن يمسهم الضيق والضجر، ويستحوذ عليهم السأم والملل، لوعورة مسلكها، وصعوبة مرتقاها، فسرعان ما يطوونها، ويلقون بها دون أن يفيدوا منها ما ينشدون.
وإنى لا أستطيع أن أصور للقراء مبلغ ما عانيت من نصب فى هذا السبيل الذى يبدو لأول وهلة لاحبا سهل المسلك، وحسبى أن يطلعوا على عملى فيلمسوا بأيديهم ما بذلته فيه من جهد مضن، وكدّ ممضّ، ضحيت فيه بالكثير من وقتى وراحتى، وبالنفيس من صحتى وقوتى، لا أبتغى بذلك مالا ولا صيتا، ولا ألتمس فيه جزاء إلا من العدل القدير، وإنما هو واجب البر بهذه اللغة الشريفة، والإخلاص فى خدمتها والوفاء لها، حفزنى أن أضع حجرا فى بنيان نهضتها، وأنظم خرزة فى عقد زينتها.
اللهم سدد إلى طريق الخير خطانا، ووفقنا إلى ما تطيب به ذكرانا، وتحمد به عقبانا، وهيئ لنا من أمرنا رشدا؟
أحمد زكى صفوت
وحرر بالقاهرة فى المحرم 1356
إبريل 1937