الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
497 - رد قيس بن سعد على علىّ
فلما أتى قيس بن سعد الكتاب، لم يتمالك أن كتب إلى علىّ:
فلما أتاه هذا الكتاب، قال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين ابعث محمد ابن أبى بكر على مصر يكفك أمرها، واعزل قيسا، فبعث علىّ محمد بن أبى بكر (1) على مصر، وعزل عنها قيسا.
(تاريخ الطبرى 5: 231، وشرح ابن أبى الحديد م 2: ص 24)
498 - عهد على إلى محمد بن أبى بكر
فلما قدم محمد بن أبى بكر مصر، قرأ على أهلها عهده، وفيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلى محمد ابن أبى بكر، حين ولّاه مصر:
أمره بتقوى الله والطاعة فى السّرّ والعلانية، وخوف الله عز وجل فى المغيب والمشهد، وباللّين على المسلم، وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذّمّة، وبالإنصاف للمظلوم، وبالشدّة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان ما استطاع
(1) أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، وهى أخت ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت من المهاجرت إلى أرض الحبشة وهى إذ ذاك تحت جعفر بن أبى طالب، ثم هاجرت معه إلى المدينة، فلما قتل جعفر يوم مؤتة تزوجها أبو بكر فولدت له محمد بن أبى بكر هذا عام حجة الوداع سنة 10 هـ ثم مات عنها فتزوجها على عليه السلام، ونشأ محمد فى حجره وكان على يثنى عليه ويقرظه ويفضله، وكان لمحمد رحمه الله عبادة واجتهاد- انظر شرح ابن أبى الحديد م 4: ص 53.
والله يجزى المحسنين، ويعذّب المجرمين، وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم فى ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبى خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثم يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل، وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسى بينهم فى مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد عنده فى الحق سواء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحقّ، وأن يقوم بالقسط، ولا يتّبع الهوى. ولا يخف فى الله عز وجل لومة لائم، فإن الله جلّ ثناؤه مع من اتّقاه وآثر طاعته وأمره على ما سواه».
وكتب عبد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرّة شهر رمضان سنة 36 هـ».
(تاريخ الطبرى 5: 231، وشرح ابن أبى الحديد م 2: ص 25)
صورة أخرى
وروى الشريف الرّضىّ فى نهج البلاغة قال:
ومن عهده عليه السلام إلى محمد بن أبى بكر حين قلّده مصر:
«فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم (1) فى اللّحظة والنّظرة، حتى لا يطمع العظماء فى حيفك لهم (2)، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة والظاهرة والمستورة، فإن يعذّب فأنتم أظلم (3)، وإن يعف فهو أكرم.
واعلموا عباد الله أنّ المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا فى دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا فى آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل
(1) آس بينهم: أى سو بينهم، وتقديره: اجعل بعضهم أسوة بعض.
(2)
أى فى جورك لأجلهم.
(3)
أفعل هنا بمعنى الصفة، أى فأنتم الظالمون.
ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظى به المترفون، وأخذوا منها ما أخذ الجبابرة المتكبّرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلّغ، والمتجر الرّابح، أصابوا لذة زهد الدنيا فى دنياهم، وتيقّنوا أنهم جيران الله غدا فى آخرتهم، لا تردّ لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة، فاحذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدّوا له عدّته، فإنه يأتى بأمر عظيم، وخطب جليل: بخير لا يكون معه شرّ أبدا، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها (1)؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ وأنتم طرداء (2) الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلّكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، وحرّها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرّج فيها كربة، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من الله، وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربّه، على قدر خوفه من ربه، وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدّهم خوفا لله.
واعلم يا محمد بن أبى بكر أنّى قد ولّيتك أعظم أجنادى فى نفسى: أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك، وأن تنافح (3) عن دينك، ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فإن فى الله خلفا من غيره، وليس من الله خلف فى غيره.
صلّ الصلاة لوقتها الموقّت لها، ولا تعجّل وقتها لفراغ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك.
ومنه: فإنه لا سواء إمام الهدى، وإمام الرّدى (4)، وولىّ النبى، وعدوّ النبى،
(1) أى من العامل لها.
(2)
طرداء: جمع طريد، أى يطرد كم عن أوطانكم ويخرجكم منها.
(3)
أى حقيق وجدير وخليق، ونافحه: كافحه ودافعه.
(4)
يعنى بإمام الهدى نفسه، وبإمام الردى معاوية كما سيرد عليك بعد.