الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
446 - رد علىّ على معاوية
فأجابه علىّ:
«أما بعد: فقد جاءنى كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، فإنى (1) لو قتلت فى ذات الله وحييت، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة، لم أرجع عن الشدة فى ذات الله، والجهاد لأعداء الله، وأما قولك إنه قد بقى من عقولنا مانندم به على ما مضى، فإنى ما تنقّصت (2) عقلى، ولا ندمت على فعلى، وأما طلبك (3) إلىّ الشأم، فإنى لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات (4) أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنة (5)، ومن أكله الباطل فإلى النار، وأما استواؤنا فى الخوف والرجاء، فلست بأمضى على الشك منى على اليقين، وليس أهل الشأم بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك إنّا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل، فلعمرى إنا بنو أب واحد، ولكن ليس
(1) وفى الإمامة والسياسة «وأنا وإياك فى غاية لم نبلغها بعد» وفى مروج الذهب «وأنا وإياك نلتمس منها غاية لم نبلغها بعد.
(2)
انتقصه وتنقصه واستنقصه: نسب إليه النقصان، وفى الأصل «شرح ابن أبى الحديد «ما نقصت» وأراه محرفا لأن تنقص وانتقص أدل على المعنى المراد هنا.
(3)
طلب إليه: رغب.
(4)
جمع حشاشة: وهى بقية الروح فى المريض.
(5)
معناه: من هلك فى سبيل الحق والدفاع عنه فمصيره إلى الجنة، وكذا ما بعده وقال ابن أبى الحديد: «وروى: ألا ومن أكله الحق فإلى النار، وهذه الرواية أليق من الرواية المذكورة فى أكثر الكتب، لأن الحق يأكل أهل الباطل، ومن روى تلك الرواية أضمر مضافا تقديره أعداء الحق ومضافا آخر، ويجوز أن يكون من أكله الحق فإلى الجنة أى من أفضى به الحق ونصرته والقيام دونه إلى القتل فإن مصيره إلى الجنة
…
».
أميّة كهاشم (1)، ولا حرب كعبد المطلب (2)، ولا أبو سفيان كأبى طالب، ولا
(1) ولى هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليه من السقاية والرفادة (والسقاية: إسقاء الحجيج الماء العذب، والرفادة بالكسر: خرج كانت قريش تخرجه فى كل موسم من أموالها، فتدفعه إليه، فيصنع به طعاما للحاج يأكله من لم يكن له سعة ولا زاد) فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على رياسته وإطعامه، وكان ذامال، فتكلف أن يصنع صنيع هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم، ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنه وقدره، فلم تدعه قريش حتى نافره على خمسين ناقة سود الحدق ينحرها ببطن مكة، والجلاء عن مكة عشر سنين، فرضى بذلك أمية، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعى- وهو جد عمرو بن الحمق. ومنزله بعسفان بالضم: موضع على مرحلتين من مكة- وكان مع أمية همهمة بن عبد العزى الفهرى، وكانت ابنته عند أمية، فقال الكاهن «والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر (والعلم بالتحريك: ما نصب فى الطريق يهتدى به) من منجد وغائر (وأنجد: أنى نجدا، وغار وأغار: أتى غورا) لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منه وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر» فقضى لهاشم بالغلبة، وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها، وغاب أمية عن مكة بالشأم عشر سنين، فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية- انظر تاريخ الكامل لابن الأثير 2: 6 والسيرة الحلبية 1: 4 وتاريخ الطبرى 2: 180.
(2)
حرب هو حرب بن أمية جد معاوية، وعبد المطلب جد على وقد تنافرا أيضا. وسبب ذلك، أن عبد المطلب كان له جار يهودى يقال له أذينة، يتجر وله مال كثير، فغاظ ذلك حرب بن أمية، وكان نديم عبد المطلب، فأغرى به فتيانا من قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله، فقتله عامر بن عبد مناف بن عبد الدار، وصخر بن عمرو بن كعب التيمى جد أبى بكر، ولم يعرف عبد المطلب قاتله، فلم يزل يبحث حتى عرفهما، وإذا هما قد استجارا بحرب بن أمية، فأتى حربا ولامه، وطلبهما منه فأخفاهما، فتغالظا فى القول، حتى تنافرا إلى النجاشى ملك الحبشة فأبى أن ينفر بينهما (نفره عليه: قضى له عليه بالغلبة) فجعلا بينهما نفيل ابن عبد العزى بن رياح، فقال لحرب:«يا أبا عمرو: أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة. وأوسم منك وسامة (والوسامة بالفتح: الحسن والجمال) وأقل منك ملامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل صفدا (والصفد بالتحريك: العطاء) وأطول منك مذودا (والمذود كمنبر: اللسان) وإنى لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصوت فى العرب، جلد المريرة (أى العزيمة) جليل العشيرة، ولكنك نافرت منفرا» فغضب حرب وقال: إن من انتكاس الزمان أن جعلت حكما، فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عبد الله بن جدعان، وأخذ من حرب مائة ناقة. فدفعها إلى ابن عم اليهودى، وارتجع ماله إلا شيئا هلك فغرمه من ماله- انظر تاريخ الطبرى ج 2: 181 وتاريخ الكامل لابن الأثير 2: 6.
فقد بان لك وجه النظير فى قول الإمام، وقال ابن أبى الحديد:«وكان الترتيب يقتضى أن يجعل هاشما بإزاء عبد شمس لأنه أخوه فى قعدد (والقعدد كبرثن: القربى) وكلاهما ولد عبد مناف لصلبه، وأن يكون أمية بإزاء عبد المطلب وأن يكون حرب بإزاء أبى طالب وأن يكون أبو سفيان بإزاء أمير المؤمنين عليه السلام، لأن كل واحد من هؤلاء فى قعدد صاحبه، إلا أن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان فى صفين بإزاء معاوية اضطر إلى أن جعل هاشما بإزاء أمية بن عبد شمس» وهذا القول ليس هناك لما قدمنا، ولأن سلسلتى نسب على ومعاوية إلى عبد مناف ليستا متكافئتين بطبيعتهما، فهى تزيد فى معاوية حلقة، فمعاوية هو ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعلى هو ابن أبى طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، فكيف يكون التنظير على قول ابن أبى الحديد؟