الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
357 - كتاب السيدة عائشة إلى أهل الكوفة
وكتبت السيدة عائشة رضى الله عنها إلى أهل الكوفة:
«أما بعد: فإنى أذكّركم الله عز وجل والإسلام، أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه، اتّقوا الله واعتصموا بحبله وكونوا مع كتابه، فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده، فأجابنا الصالحون إلى ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح. وقالوا: لنتبعنّكم عثمان، ليزيدوا (1) الحدود تعطيلا، فعاندوا فشهدوا عاينا بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فقرأنا عليهم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» فأذعن لى بعضهم، واختلفوا بينهم فتركناهم وذلك، فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح فى أصحابى، وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلّا قاتلونى، حتى منعنى الله عز وجل بالصالحين، فردّ كيدهم فى نحورهم، فمكثنا ستّا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله، وإقامة حدوده، وهو حقن الدماء أن تهراق (2) دون من قد حلّ دمه، فأبوا واحتجّوا بأشياء، فاصطلحنا عليها، فخانوا وغدروا، وحافوا وحشروا، فجمع الله عز وجل لعثمان رضى الله عنه ثأره، فأقادهم فلم يفلت منهم إلا رجل، وأردأنا (3) الله، ومنعنا منهم بعمير بن مرثد، ومرثد بن قيس، ونفر من قيس، ونفر من الرّباب والأزد، فالزموا الرّضا إلا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقه، ولا تخاصموا عن الخائنين، ولا تمنعوهم، ولا ترضوا بذوى حدود الله فتكونوا من الظالمين».
***
(1) فى الأصل «ليرتدوا» وهو تصحيف.
(2)
هراق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة بالكسر، وأصله أراق.
(3)
أردأه: أعانه، والرده بالكسر: العون.
وكتبت إلى رحال بأسمائهم: أما بعد: فثبّطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم، واجلسوا فى بيوتكم، فإن هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضى الله عنه، وفرّقوا بين جماعة الأمة، وحالفوا الكتاب والسنة، حتى شهدوا علينا- فيما أمرناهم به، وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده- بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون، وعظّموا ما قالوا، وقالوا ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم أن أمرتكم بالحق لتقتلوها، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأئمّة المسلمين، فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهّال الناس وغوغائهم على زطّهم وسبابجتهم، فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط (1)، فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق، وألا يحولوا بيننا وبين الحق، فغدروا وخانوا فلم نقايسهم (2)، واحتجّوا ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريدا فجاءهم بالحجّة، فلم يعرفوا الحق، ولم يصبروا عليه، فغادونى فى الغلس (3) ليقتلونى، والذى يحاربهم غيرى، فلم يبرحوا حتى بلغوا سدّة (4) بيتى، ومعهم هاد يهديهم إلىّ، فوجدوا نفرا على باب بيتى، منهم عمير بن مرثد، ومرثد بن قيس، ويزيد بن عبد الله بن مرثد، ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد، فدارت عليهم الرّحى، فأطاف (5) بهم المسلمون، فقتلوهم، وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة، فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر، وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة 36 هـ.
وكتب عبيد بن كعب فى جمادى.
(تاريخ الطبرى 5: 181)
(1) الفسطاط: مجتمع أهل الكورة.
(2)
قاس الشئ قدره على مثاله، والمقايسة: مفاعلة من القياس، والمعنى لم نحاكهم ولم ننسج على منوالهم فى ذلك.
(3)
الغلس: ظلمة آخر الليل. وغاداه: باكره.
(4)
السدة كالظلة على الباب لتقى الباب من المطر، وقيل: هى الباب نفسه.
(5)
أحاط.