الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
341 - كتاب السيدة أم سلمة إلى السيدة عائشة
وكانت السيدة عائشة خرجت إلى مكة للحجّ عام مقتل عثمان، فلما قضت حجّها بلغها وهى عائدة مقتل عثمان، فارتدّت إلى مكة، وأزمعت أن تطلب بدمه، وجاءت إلى السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أم سلمة بمكة فى هذا العام- تغريها بالخروج معها للطلب بدم عثمان، فأبت أن تجيبها، وأظهرت موالاة علىّ عليه السلام ونصرته.
وكثبت إلى السيدة عائشة إذ عزمت على الخروج إلى البصرة:
«من أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين:
سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد: فإنك سدّة (1) بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمّته، وحجابك مضروب على حرمته (2)، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (3)، وسكّن عقيراك (4) فلا تصحريها، الله من
(1) السدة: الباب، والمعنى. أنت باب بين رسول الله وبين أمته، فمتى أصيب ذلك الباب بشئ، فقد دخل على رسول الله فى حرمه وحوزته واستبيح حماه، فلا تكونى أنت سبب ذلك بالخروج الذى لا يجب عليك فتحوجى الناس إلى أن يفعلوا ذلك، وهذا مثل قول النعمان بن مقرن للمسلمين فى غزاة نهاوند. «ألا وإنكم باب بين المسلمين والمشركين إن كسر ذلك الباب دخل عليهم منه» ، ويروى «إنك جنة» والجنة بالضم: الوقاية.
(2)
الحرمة ما لا يحل انتهاكه.
(3)
أى فلا تفتحيه ولا توسعيه بالحركة والخروج إلى البصرة، يقال: ندحت الشئ كفتح إذا وسعته، ومنه يقال: فلان فى مندوحة عن كذا أى فى سعة، تريد قول الله تعالى «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» وروى «فلا تبدحيه» بالباء من باب فتح أيضا، من البداح كسحاب وهو المتسع من الأرض وهو بمعنى الأول.
(4)
عقر الدار: أصلها (وأهل الحجاز يضمون العين، وأهل نجد يفتحونها) وعقيرى مقصورا: اسم مبنى من عقر الدار، على صيغة التصغير، (ومثله مما جاء مصغرا: الثريا، والحميا: وهى سورة الشراب) قال ابن قتيبة: ولم أسمع بعقيرى إلا فى هذا الحديث، قال الزمخشرى: كأنها تصغير العقرمى على فعلى بالفتح، من عقر كفرح إذا بقى مكانه لا يتقدم ولا يتأخر فزعا أو أسفا أو خجلا، وأصله من عقرت به بفتح القاف إذا أطلت حبسه كأنك عقرت راحلته فبقى لا يقدر على البراح، أرادت أم سلمة بعقيراك نفس عائشة، أى سكنى نفسك التى حقها أن تلزم مكانها، ولا تصحريها: أى لا تبرزيها وتجعليها بالصحراء، يقال: أعر، كما يقال: أنجد وأسهل وأحزن، وفى العقد الفريد:«قد جمع القرآن ذيولك فلا تسحبيها، وسكن خفارتك فلا تبتذليها» والخفارة بالفتح والخفر بالتحريك: شدة الحياء، خفرت المرأة كفرح فهى خفرة، وابتذله: ضد صانه.
وراء هذه الأمّة (1)، لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك (2)، علت علت! (3) بل قد نهاك عن الفرطة (4) فى البلاد، إن عمود الدين لا يثاب (5) بالنساء إن مال، ولا يرأب (6) بهنّ إن صدع، حماديات (7) النساء غضّ الأطراف وخفض الأصوات، وخفر الأعراض، وضمّ الذيول، وقصر الوهازة (8)، ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو عارضك ببعض الفلوات، ناصّة (9) قعودا من
(1) أى محيط بهم وحافظ لهم كقوله تعالى «وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ»
(2)
وفى رواية ابن أبى الحديد عن ابن قتيبة فى كتابه المصنف فى غريب الحديث: «لو أراد رسول الله أن يعهد إليك عهدا» قال فى شرحه: الجواب محذوف أى لفعل ولعهد، كقوله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ» أى لكان هذا القرآن.
(3)
عال عولا: جار ومال عن الحق، قال تعالى «ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» أى جرت فى هذا الخروج وعدلت عن الصواب، ومن الناس من يرويه:«علت علن» بكسر العين، أى ذهبت فى البلاد وأبعدت السير، يقال: عال فلان فى البلاد عيلا أى ذهب وأبعد ودار.
(4)
فى رواية ابن أبى الحديد عن ابن قتيبة «نهاك عن الفرطة فى بلاد» وفى تفسيره: «أى عن السفر والشخوص، من الفرط (كالضرب) وهو السبق والتقدم» وفى رواية العقد «نهاك عن الفرطة فى الدين» وقال صاحب اللسان: الفرطة بالضم: اسم للخروج والتقدم، وأورد الروايتين المذكورتين ثم قال: يعنى السبق والتقدم ومجاوزة الحد.
(5)
أى لا يرد ولا يعاد بهن إلى استوائه إن مال، من قولك ثاب فلان إلى كذا يثوب: أى رجع إليه وعاد، وفى ابن أبى الحديد «لا يثأب» مهموزا، وفى العقد «لا يثبت» وفى الإمامة والسياسة «لا يثيب» وكل ذلك تحريف.
(6)
رأب الصدع كمنع: أصلحه، والصدع: الشق، ويروى «إن صدع» بفتح الصاد والدال، أجروه مجرى قولهم: جبرت العظم فجبر.
(7)
بقال جماداك أن تفعل كذا أى مبلغ جهدك وغايتك مثل قصاراك وزنا ومعنى، وجمعه حماديات أى غاية ما يحمد منهن، لخفر: شدة الحياء كما قدمنا، والأعراض جمع عرض بالكسر: وهو: النفس والجسد.
(8)
قال فى اللسان «وقصر الوهازة» أى قصر الخطى، والوهازة: الخطو، وقد توهز يتوهز:
إذا وطئ وطئا ثقيلا، وعلى هامشه «الوهازة ضبطت بفتح الواو فى الأصل ومتن القاموس شكلا، وضبطت فى النهاية بكسرها، وتقل الكسر شارح القاموس عن الصاغانى اه مصححه» وقال شارح القاموس» وضبطه الصاغانى بالكسر وقال: وهو قول ابن الأعرابى». أقول: وقد جاءت هذه الكلمة فى لسان العرب أيضا فى مادة «حمد» : «وقالت أم سلمة حماديات النساء غض الطرف وقصر الوهادة» وضبطت كلمة قصر بفتح القاف رسكون الصاد. والوهادة بالدال، وهو تحريف، وفى العقد «جهاد النساء غض الأطراف، وضم الذيول، وقصر الموادة» وفى الإمامة والسياسة «خمرات النساء» وكل ذلك تحريف أيضا.
(9)
نص ناقته: استخرج أقصى ما عندها من السير، والقعود:
اليعير الشاب، سمى بذلك لأن ظهره اقتعد أى ركب، وفى رواية ابن أبى الحديد «قلوصا» والقلوص:
الناقة الشابة أيضا.
منهل إلى منهل، قد وجّهت سدافته (1)، وتركت عهّيداه (2)، إنّ بعين الله مهواك (3)، وعلى رسوله تردين، وأقسم لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لى:
يا أمّ سلمة: ادخلى الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علىّ.
اجعلى بيتك حصنك، ووقاعة (4) السّتر قبرك، حتى تلقيه وأنت على تلك، أطوع ما تكونين لله إذا لزمته، وأنصر ما تكونين للدين ما حللت فيه، ولو ذكّرتك فولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفينه، لهشت به نهش الرّقشاء المطرقة (5)، والسلام».
(شرح ابن أبى الحديد 2: 79، والعقد الفريد 2: 227، والإمامة والسياسة 1: 45)
(1) السدافة الحجاب والستر، من أسدف الليل إذا أرخى ستوره وأظلم، وأسدفت المرأه القناع، أى أرسلته، وسدفته أيضا ويروى بفتح السين، ويروى سجافته بكسر السين وفتحها أيضا، والسدفة والسجافة بمعنى، وتوجيهها: كشفها» فمعنى وجهت سدافته: أى هتكتها وكشفتها وأخذت وجهها، وقيل معناه: أزلت السدافة عن مكانها الذى أمرت أن تلزميه، وقيل معناه: أخذت وجها هتكت سترك فيه، وذكر صاحب اللسان هذه المعانى فى مادة «سجف» و «سدف» و «وجه» ونقل ابن أبى الحديد فى شرحه:«ووجهت سدافته» أى نظمتها بالخرز، والوجيهة: خرزة معروفة، وعادة العرب أن تنظم على المحمل خرزات إذا كان للنساء.
(2)
العهيدى بالتشديد والقصرى فعيلى من العهد، كالجهيدى من الجهد، والعجيلى من العجلة.
(3)
أى أن الله يرى سيرك وحركتك والهوى كمضى: الانحدار فى السير من النجد إلى الغور، والإسراع فى السير.
(4)
الوقاعة بالكسر: موضع وقوع طرف الستر على الأرض إذا أرسل، وهى موقعه وموقعته، ويروى بفتح الواو أى ساحة الستر، وأنت على تلك الحال فحذف، والضمير فى «لزمنه» راجع إلى «بيتك» وفى العقد الفريد «فاجعليه سترك، وقاعة البيت حصنك، فإنك أنصح ما تكونين لهذه الأمة ما قعدت عن نصرتهم» وفى الإمامة والسياسة: «فاجعلى حجابك الذى ضرب عليك حصنك، فابغيه منزلا لك حتى تلقيه، فإن أطوع ما تكونين إذا مالزمته وأنصح ما تكونين إذ ما قعدت فيه» .
(5)
وفى الإمامة والسياسة: «ولو ذكرتك كلاما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهشتنى نهش الحية «وفى العقد الفريد» ولو أنى حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهشت نهش الرقشاء المطرقة، والمعنى: لعضك ونهشك ما أذكره لك وأذكرك به، كما تنهشك أفعى رقشاء. والحية الرقشاء: هى المنقطة بسواد وبياض؛ والأفعى توصف بالإطراق، قال الشاعر:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
…
مساغا لناباه الشجاع لصمما
(والشجاع: الحية)، هذا وقد أوردنا ذلك الكتاب والذى يليه فى عداد الرسائل، وفاقا لما ورد فى العقد الفريد، والإمامة والسياسة، ولإحدى روايتى ابن أبى الحديد، وفى الأخرى قال: وقد ذكر-