الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتوقّع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصه، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الكتب، لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلى أن يحدث الأمر، فجدّا فى طلب ما أنتما وليّاه، وعلى ذلك فليكن العمل إن شاء الله، وكتب فى آخره:
وما بلغت عثمان حتى تخطّمت
…
رجال ودانت للصّغار رجال (1)
لقد رجعت عودا على بدء كونها
…
وإن لم تجدّا فالمصير زوال
سيبدى مكنون الضمائر قولهم
…
ويظهر منهم بعد ذاك فعال
فإن تقعدا لا تطلبا ما ورثتما
…
فليس لنا طول الحياة مقال
نعيش بدار الذّل فى كل بلدة
…
وتظهر منا كأبة وهزال (2)
328 - كتاب مروان بن الحكم إلى معاوية
فلما ورد الكتاب على معاوية أذّن فى الناس: الصلاة جامعة، ثم خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ، وفى أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان، وكانت نسخته:
«وهب الله لك- أبا عبد الرحمن (3) - قوّة العزم، وصلاح النية، ومنّ عليك بمعرفة الحقّ واتّباعه، فإنى كتبت إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أمير المؤمنين، وأىّ قتلة قتل؟ نحر كما ينحر البعير الكبير عند اليأس من أن ينوء (4) بالحمل،
(1) خطمه بالخطام وخطمه به: جعله على أنفه، أوجر أنفه ليضع عليه الخطام، وخطمه بالكلام:
قهره ومنعه حتى لا ينبس ولا يحير (والخطام بالكسر: الزمام).
(2)
الكأبة والكآبة: الغم وسوء الحال الانكسار من حزن.
(3)
كان معاوية يكنى أبا عبد الرحمن باسم ابنه عبد الرحمن الذى ولد له من زوجته فاختة بنت قرظة ابن عمرو بن نوفل بن عبد مناف، وقد مات عبد الرحمن صغيرا.
(4)
ناء بالحمل: نهض مثقلا، ونقب الخف كفرح: رق وتخرق، وصفحة كل شى: جانبه، والمراحل جمع مرحلة: هى المسافة التى يقطعها المسافر فى نحو يوم، وطى المراحل: قطعها، والهجير والهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس.
بعد أن نقبت صفحته بطىّ المراحل، وسير الهجير، وإنى معلمك من خبره غير مقصّر ولا مطيل:
إن القوم استطالوا مدّته، واستقلّوا ناصره، واستضعفوه فى بدنه، وأمّلوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم، واعصوصبوا (1) عليه، فظلّ محاصرا قد منع من صلاة الجماعة، وردّ المظالم، والنظر فى أمور الرعية، حتى كأنه هو فاعل لما فعلوه، فلما دام ذلك أشرف عليهم، فخوّفهم الله وناشدهم وذكّرهم مواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله فيه (2)، فلم يجحدوا فصله ولم ينكروه، ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله، فأظهر لهم التوبة مما كرهوا، ووعدهم الرّجعة إلى ما أحبوا، فلم يقبلوا ذلك، ونهبوا داره، وانتهكوا حرمته، ووثبوا عليه فسفكوا دمه، وانقشعوا (3) عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها، منكفئين قبل ابن أبى طالب انكفاء الجراد أبصر المرعى، فأخلق ببنى أمية أن يكونوا من هذا الأمر بمجرى
(1) من اعصوصبت الإبل: أى اجتمعت.
(2)
ورى الطبرى قال: «أشرف عليهم عثمان رضى الله عنه ذات يوم، فقال: أنشدكم بالله هل علمتم أنى اشتريت رومة من مالى يستعذب بها (ورومة بالضم: بئر بالمدينة) فجعلت رشائى منها كرشاء رجل من المسلمين؟ قيل: نعم، قال: فما يمنعنى أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ قال: أنشدكم الله هل علمتم أنى اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته فى المسجد؟ قيل: نعم، قال: فهل علمتم أحدا من الناس منع أن يصلى فيه قبلى؟ قال: أنشدكم الله هل سمعتم نبى الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا، أشياء فى شأنه
…
الخ» - ج 5: ص 125.
وروى ابن الأثير فى أسد الغابة (ج 3. ص 380) قال: «أشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال: أنشد بالله، من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله برجله، ثم قال: اسكن حراء، ليس عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد، وأنا معه، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله، من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان، إذ بعثنى إلى المشركين إلى أهل مكة، قال: هذه يدى وهذه يد عثمان، فبايع لى؟ فانتشد له رجال، قال: أنشد الله، من شهد رسول الله قال: من يوسع هذا البيت فى المسجد ببيت له فى الجنة؟ فابتعته من مالى فوسعت به فى المسجد، فانتشد له رجال، ثم قال: وأنشد بالله، من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال: من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟
فجهزت نصف الجيش من مالى، فانتشد له رجال، قال: وأنشد بالله، من شهد رومة يباع ماؤها من ابن السبيل، فابتعتها من مالى فأبحتها ابن السبيل؟ فانتشد له رجال».
(3)
أى تفرقوا.