الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمرها (1) وأسودها، يعقد بين يديك الصديق والعدو، والشريف والوضيع، والشديد والضعيف، ولكلّ عليك حق وحصّة (2) من العدل، فانظر كيف أنت يا عمر عند ذلك، وإنا نذكّرك يوما تبلى (3) فيه السرائر، وتكشف فيه العورات، وتظهر فيه المخبّآت، وتعنو فيه الوجوه لملك قاهر، قهرهم بجبروته، والناس له داخرون ينتظرون قضاءه، ويخافون عقابه، ويرجون رحمته.
وإنه بلغنا أنه يكون فى هذه الأمة رجال يكونون إخوان العلانية، أعداء السريرة وإنّا نعوذ بالله أن تنزل كتابنا من قلبك سوى المنزل الذى نزل من قلوبنا، فإنا إنما كتبنا إليك نصيحة لك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».
(فتوح الشأم ص 88، وإعجاز القرآن ص 116)
116 - رد عمر على أبى عبيدة ومعاذ
فكتب عمر رضى الله عنه جواب كتابهما:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبى عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، سلام عليكما، فإنى أحمد إليكما الله الذى لا إله إلا هو؛ أما بعد: فإنى أوصيكما بتقوى الله، فإنه رضا ربكما، وحظّ أنفسكما وغنيمة الأكياس لأنفسهم عند تفريط العجزة، وقد بلغنى كتابكما تذكران أنكما عهدتمانى وأمر نفسى لى مهمّ، فما يدريكما؟ وهذه تزكية منكما لى، وتذكران أنى وليت أمر هذه الأمة يقعد بين يدىّ الصديق والعدو، والشريف والوضيع، والقوى والضعيف، ولكلّ حصّته من العدل، وكتبتما أن انظر كيف أنت يا عمر عند ذلك، وإنه لا حول ولا قوة لعمر
(1) الحمراء: العجم لأن الغالب على ألوانهم البياض والحمرة.
(2)
الحصة: النصيب. وفى إعجاز القرآن «ولكل حصته» من العدل.
(3)
تبلى أى تختبر وتكشف. تعنو: تذل وتخضع.
داخرون: صاغرون ذليلون. من دخر كمنع وفرح دخورا ودخرا بالتحريك أى صغر وذل. وفى إعجاز القرآن «فإنا نحذرك يوما تعنو فيه الوجوه، وتجب فيه القلوب (أى تضطرب) وإنا كنا نتحدث أن هذه الأمة ترجع فى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة» .
عند ذلك إلا بالله، وكتبتما تخوّفاننى (1) يوما هوآت، وذلك باختلاف الليل والنهار، فإنهما يبليان كل جديد، ويقرّبان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، حتى يأتيا بيوم القيامة، يوم تبلى فيه السرائر، وتكشف العورات، وتعنو فيه الوجوه، لعزّة ملك قهرهم بجبروته، فالناس له داخرون يخافون عقابه، وينتظرون قضاءه، ويرجون رحمته، وذكرتما أنه بلغكما أنه يكون فى هذه الأمة رجال يكونون إخوان العلانية أعداء السريرة، فليس هذا بزمان ذلك، إنما ذلك فى آخر الزمان إذا كانت الرغبة والرهبة رغبة الناس بعضهم إلى بعض. .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (2)
لولا أنك علمته من غيرى، وما سلطان الدنيا وإمارتها؟ فإن كل ما ترى يصير إلى زوال، وإنما نحن إخوان، فأيّنا أمّ أخاه أو كان أميرا عليه لم يضرّه ذلك فى دينه ولا دنياه، بل لعل الوالى أن يكون أقربهما إلى الفتنة، وأوقعهما بالخطيئة لأنه بعرض هلكة إلا من عصم الله عز وجل، وقليل ما هم، وكتبتما تعوّذاننى بالله أن أنزل كتابكما منى سوى المنزل الذى نزل من قلوبكما، وإنما كتبتما نصيحة لى، وقد صدقتما، فتعهدّانى منكما بكتاب، ولا غنى بى غنكما».
(فتوح الشأم ص 89، وإعجاز القرآن ص 117)
(2)
بياض بالأصل فى فتوح الشام. وفى إعجاز القرآن: «وكتبتما تزعمان أن أمر هذه الأمة يرجع فى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بذاك، وليس هذا ذلك الزمان، ولكن زمان ذلك حين تظهر الرغبة والرهبة، فتكون رغبة بعض الناس إلى بعض إصلاح دينهم، ورهبة بعض الناس إصلاح دنياهم» .