الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكيف يا لك الويل تعدل (1) نفسك بعلىّ وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله ووصيّه وأبو ولده، وأول الناس له اتّباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسرّه، ويطلعه (2) على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه.
فتمتّع فى دنياك ما استعطت بباطلك، وليمددك بن العاص فى غوايتك، فكأنّ أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف يتبيّن لك لمن تكون العاقبة العليا! واعلم أنك إنما تكايد ربّك الذى قد أمنت كيده، وأيست من روجه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه فى غرور، والسلام على من اتبع الهدى.
(مروج الذهب 2: 59، وشرح ابن أبى الحديد م 1: ص 283)
502 - رد معاوية على محمد بن أبى أبى بكر
فكتب إليه معاوية:
«من معاوية بن صخر إلى الزّارى (3) على أبيه محمد بن أبى بكر: سلام على أهل طاعة الله.
أما بعد: فقد أتانى كتابك تذكر فيه ما الله أهله فى عظمته وقدرته وسلطانه، وما أصفى (4) به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله مع كلام كثير ألفّته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبى طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصرته له، ومواساته إياه فى كل هول وخوف، فكان احتجاجك علىّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا فى حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبى طالب لازما لنا، وفضله مبرّزا علينا، فلما اختار الله لنبيه عليه
الصلاة والسلام ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج (1) حجّته، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه، كان أبوك وفاروقه أول من ابتزّه حقّه (2)، وخالفه على أمره، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايعهما وسلّم لهما، وأقاما لا يشركانه فى أمرهما (3)، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضهما الله، وانقضى أمرهما، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما، وسار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصى، من أهل المعاصى، فطلبتما له الغوائل، حتى بلغتما فيه مناكما.
فخذ حذرك يا بن أبى بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازى أو تساوى من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسر (4) قناته، ولا يدرك ذو مدى (5) أناته، أبوك مهّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن بك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله، وإن يكن جورا فأبوك أسّه (6)، ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبى طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام على من أناب، ورجع من غوايته وتاب».
(مروج الذهب 2: 60، وشرح ابن أبى الحديد م 1: ص 284)
(1) أى نصرها.
(2)
أى سلبه إياه.
(3)
أقول: وكيف يتفق هذا مع ما عرف من أن عمر رضى الله عنه كان يستشيره فى مهام أموره، فيشير عليه بالرأى السديد والفكر الناضج، من ذلك استشارته إياه حين أزمع أن يتوجه لغزو الفرس بنفسه وأشار عليه الإمام برأى حكيم حصيف- انظر نهج البلاغة 1: 155 - .
(4)
القسر: القهر والإكراه.
(5)
وفى مروج الذهب «ذو مقال» .
(6)
وفيه: «فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه» .