الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا بن الذى زمزم سقيا الحجيج له
…
أعظم بذلك من فخر على الناس (1)
إنى أرى الخير فى سلم الشآم لكم
…
والله يعلم ما بالسّلم من باس (2)
فيها التّقى وأمور ليس يجهلها
…
إلا الجهول، وما نوكى كأكياس (3)
(شرح ابن أبى الحديد م 2: ص 288، والإمامة والسياسة 1: 83)
438 - رد ابن عباس على ابن العاص
فلما انتهى كتاب عمرو إلى ابن عباس أتى به إلى علىّ عليه السلام: فأقرأه إياه فضحك، وقال: قاتل الله (4) ابن العاص! ما أغراه بك يا عبد الله أجبه، وليردّ عليه شعره الفضل بن العباس فإنه شاعر، فكتب ابن عباس إلى عمرو:
«أما بعد: فإنى لا أعلم أحدا من العرب أقلّ حياء منك، إنك مال بك الهوى إلى معاوية، فبعته دينك بالثمن الأوكس (5)، ثم خبطت الناس فى عشواء (6) طمعا فى الدنيا فأعظمتها إعظام أهل الدنيا، فلما ترامينا أعظمت الحرب والرّماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فيها كراهية أهل الورع لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب، وكسر أهل الدين، فإن كنت تريد الله، فارجع إلى بيتك، ودع الطمع فى مصر، والركون
(1) الحجيج جمع حاج، وزمزم بئر بمكة حفرها عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابنه العباس فى الجاهلية رئيسا فى قريش، وإليه كانت السقاية فى الجاهلية (انظر أسد الغابة ج 3: ص 109) وجاء فى شرح ابن أبى الحديد م 3: ص 461 «وكانت السقاية فى الجاهلية بيد أبى طالب، ثم سلمها إلى أخيه العباس» . وزمزم مبتدأ خبره الجار والمجرور وسقيا الحجيج بدل من زمزم أو عطف بيان.
(2)
النسب إلى شأم ويمن: شأمى ويمنى بياء مشدة، وقد قالوا فيهما شآم ويمان (منقوصين) وأصلهما شأمى ويمنى، حذفوا إحدى ياءى النسب تخفيفا وعوضوا عنها الألف ففتحت همزة شأمى بعد سكونها فصارا شآمى ويمانى، ثم أعلا كقاض، وقالوا فيهما أيضا شآمى ويمانى بياء مشددة مع الألف، والبأس: الشدة والقوة، وفى الأصل «ناس» وهو تصحيف.
(3)
الضمير فى «فيها» يعود على السلم وهو يذكر ويؤنث، والنوكى: الحمقى، والنوك بالضم والفتح: الحمق، نوك كفرح فهو أنوك، والأكياس: العقلاء جمع كيس كجيد
(4)
قاتله الله: لعنه، أو قتله أو عاداه.
(5)
أى الخسيس.
(6)
يروى «فى عشوة» و «فى عشواء» والعشوة مثلثة: ركوب الأمر على غير بيان، وبالفتح: الظلمة كالعشواء.
إلى الدنيا الفانية. واعلم أن هذه الحرب ليس فيها معاوية كعلى، بدأها علىّ بالحق، وانتهى فيها إلى العذر، وبدأها معاوية بالبغى، وانتهى فيها إلى السّرف، وليس أهل الشأم فيها كأهل العراق: بايع أهل العراق عليّا وهو خير منهم، وبايع أهل الشأم معاوية وهم خير منه، ولست أنا وأنت فيها سواء: أردت الله، وأنت أردت مصر، وقد عرفت الشئ الذى باعدك منى، ولا أعرف الشئ الذى قرّبك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه، والسلام».
ثم دعا أخاه الفضل فقال: يا بن أمّ أجبه، فقال الفضل:
يا عمرو: حسبك من مكر ووسواس
…
فاذهب فليس لداء الجهل من آسى (1)
إلّا تواتر طعن فى نحوركم
…
يشجى النفوس ويشفى نخوة الراس (2)
أمّا علىّ فإن الله فضّله
…
بفضل ذى شرف عال على الناس (3)
إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيّسة
…
او تبعثوها فإنا غير أنكاس (4)
قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة
…
هذا بهذا، وما بالحق من باس
ثم عرض الشعر والكتاب على علىّ عليه السلام، فقال: لا أراه يجيبك بعدها أبدا بشئ إن كان يعقل، وإن عاد عدت عليه، فلما انتهى الكتاب إلى عمرو بن العاص عرضه على معاوية فقال: إن قلب ابن عباس وقلب على قلب واحد، وكلاهما ولد عبد المطلب، وإن كان قد خشن فلقد لان، وإن كان قد تعظّم وعظّم صاحبه فلقد قارب وجنح إلى السّلم.
(شرح ابن أبى الحديد م 2: ص 88 والإمامة والسياسة 1: 84)
(1) وسوست إليه نفسه أو الشيطان: حدثته بما لا نفع فيه ولا خير، والمصدر وسوسة ووسواس بكسر الواو فى الثانى، والوسواس بالفتح: اسم منه.
(2)
التواتر: التتابع، وشجاه: حزنه وطربه كأشجاه فيهما، ضد، ويصح المعنيان فى البيت أى يحزن نفوسكم، أو يسر نفوسنا، والنخوة: الكر والعظمة.
(3)
بفضل ذى شرف: أى بفضل نى ذى شرف.
(4)
من عقل الدابة إذا قيدها وحبسها، والمعنى: إن تكفوا عن الحرب. وخيسه تخييسا: ذلله والأنكاس جمع نكس بالكسر: وهو الرجل الضعيف والمقصر عن غاية النجدة والكرم.