الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - كتاب أكثم بن صيفى إلى النعمان بن خميصة البارقى
وروى أبو هلال العسكرى فى جمهرة الأمثال قال:
كتب النعمان بن خميصة البارقىّ إلى أكثم بن صيفى (1): «مثل لنا مثالا نأخذ به» ، فقال:
«قد حلبت الدهر أشطره (2) فعرفت حلوه ومرّه، عين عرفت فذرفت (3)، إن أمامى ما لا أسامى (4)، ربّ سامع بخبرى لم يسمع بعذرى، كلّ زمان لمن فيه، فى كل يوم ما يكره، كل ذى نصرة سيخذل، تبارّوا فإن البرّ ينمى (5) عليه العدد، كفّوا ألسنتكم، فإن مقتل الرجل بين فكّيه، إن قول الحق لم يدع لى صديقا، الصدق منجاة، لا ينفع مع الجزع التّبقّى، ولا ينفع مما هو واقع التوقّى، ستساق إلى ما أنت لاق، فى طلب المعالى يكون العناء (6)، والاقتصاد فى السعى أبقى للجمام (7) من لم يأس على ما فاته ودع بدنه، ومن قنع بما هو فيه قرّت عينه، التقدّم قبل التندّم (8)، أصبح عند رأس الأمر أحبّ إلىّ من أن أصبح عند ذنبه. لم يهلك من مالك ما وعظك. ويل لعالم أمر من جاهله، يتشابه الأمر إذا أقبل فإذا أدبر
(1) هكذا روى أبو هلال. وذكر الميدانى أن أكثم وصى بهذه الوصية بنيه حين جمعهم.
ورواية أبى هلال أطول بكثير من رواية الميدانى، وقد جمعت بين الروايتين، وليتنبه إلى أنه قد ورد فى هذا الكتاب بعض ما ورد فى الكتاب السالف.
(2)
للناقة شطران: قادمان وآخران، فكل خلفين من أخلافها شطر بالفتح (والخلف بالكسر لها كالضرع للبقرة) وأشطره بدل من الدهر. والمعنى أنه اختبر شطرى الدهر خيره وشره، فعرف ما فيه، وهو مثل يضرب فيمن جرب الدهر.
(3)
ذرفت عينه كضرب: سال دمعها، وذرفت العين دمعها: أسالته، وهو مثل يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته.
(4)
ساماه: باراه فى السمو.
(5)
يزيد، وفى مجمع الأمثال «يبقى»
(6)
فى جمهرة الأمثال «يكون العز» .
(7)
أى أبقى للقوة، من جم الفرس جماما (بالفتح):
ترك الضراب فتجمع ماؤه، وجم الماء يجم بضم الجيم وكسرها جموما: كثر واجتمع، والبئر: تراجع ماؤها، والجمام بالفتح أيضا: الراحة. ولم يأس: لم يحزن.
(8)
أى فكر فى النقدم قبل أن تندم.
عرفه الكيّس والأحمق. الوحشة ذهاب الأعلام (1). البطر عند الرخاء حمق، والعجز عند البلاء أفن (2). لا تغضبوا من اليسير فرّبما جنى الكثير. لا تجيبوا فيما لم تسألوا عنه، ولا تضحكوا مما لا يضحك منه. حيلة من لا حيلة له الصّبر، كونوا جميعا فإن الجمع غالب، تثبّتوا ولا تسارعوا فإنّ أحزم الفريقين الرّكين. ربّ عجلة تهب ريثا (3). ادّرعوا الليل واتّخذوه جملا، فإن الليل أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
تناءوا فى الديار ولا تباغضوا، فإنه من يجتمع يتقعقع (4) عمده. ألزموا النساء المهابة (5)، نعم لهو الغرّة المغزل. إن تعش تر ما لم تره، قد أقرّ صامت، المكثار كحاطب (6) ليل، من أكثر أسقط (7). لا تجعلوا سرّا إلى أمة. لا تفرّقوا فى القبائل، فإن الغريب بكل مكان مظلوم. عاقدوا الثّروة (8)، وإياكم والوشائظ (9)، فإن مع القلة الذّلّة، لو سئلت العاريّة قالت: أبغى لأهلى ذلّا. الرسول مبلّغ غير ملوم. من فسدت بطانته غصّ بالماء. أساء سمعا فأساء جابة (10)، الدّالّ على الخير كفاعله. إن المسألة من أضعف المسكنة، قد تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها (11)، لم يجر سالك القصد،
(1) الأعلام جمع علم بالتحريك، وهو سيد القوم.
(2)
الأفن: ضعف الرأى والعقل.
وفى الأصل: «أمن» : وهو تحريف.
(3)
الركين: الرزين. والريث: الإبطاء.
(4)
تقعقع: اضطرب وتحرك. وفى الأصل: «غنده» بدل «عمده» ، وهو تحريف، وهذا مثل معناه: لا بد من الافتراق بعد الاجتماع. أو معناه: إذا اجتمع القوم وتقاربوا وقع بينهم الشر فتفرقوا، أو من غبط بكثرة العدد واتساق الأمر فهو بمعرض الزوال والانتشار.
(5)
أى أن يهبنكم ويوقرنكم وفى الأصل: «المهانة» وهو تصحيف. والغرة: الشريفة.
(6)
الحاطب: الذى يجمع الحطب، وهو حاطب ليل: أى مخلط فى كلامه.
(7)
أسقط كلمة، وأسقط فى كلمة: أخطأ.
(8)
عاقدوا: حالفوا. والثروة: كثرة العدد من الناس.
(9)
يقال: هم وشيظة فى قومهم:
أى حشوفيهم.
(10)
جابة أى بمعنى إجابة: اسم وضع موضع المصدر ومثلها الطاعة والطاقة والغارة والعارة قال المفضل: أول من قال ذلك سهيل بن عمرو، وكان تزوج صفية بنت أبى جهل بن أبى هشام، فولدت له أنس بن سهيل، فخرج معه ذات يوم، فوقف بحزورة مكة (والحزورة كقسورة: الرابية الصغيرة).
فأقبل الأخنس بن شريق الثقفى. فقال، من هذا؟ قال سهيل ابنى. قال الأخنس: حياك الله يافتى! قال لا، والله ما أمى فى البيث، انطلقت إلى أم حنظلة تطحن دقيقا. فقال أبوه:«أساء سمعا فأساء جابة» :
فأرسلها مثلا.
(11)
أى لا تعيش بسبب ثدييها وبما يغلان عليها من أجرة الإرضاع. يضرب فى صيانة الرجل نفسه عن خسيس المكاسب. وذكروا أن أول من قاله الحارث بن سليل الأسدى، وكان شيخا كبيرا، وكان-
ولم يعم قاصد الحقّ. من شدّد نفّر، ومن تراخى تألّف. الشّرف التغافل. أوفى القول أوجزه. أصوب الأمور ترك الفضول. التغرير مفتاح البؤس. التوانى والعجز ينتجان الهلكة. لكل شئ ضراوة. أحوج الناس إلى الغنى من لا يصلحه إلّا الغنى وهم الملوك. حبّ المدح رأس الضّياع. رضا الناس غاية لا تبلغ. لا تكره سخط من رضاه الجور. معالجة العفاف مشقّة فتعوّذ بالصبر. اقصر لسانك على الخير، وأخّر الغضب، فإن القدرة من ورائك. من قدر أزمع. أمرّ أعمال المقتدرين الانتقام، جاز بالحسنة ولا تكافئ بالسيئة، أغنى الناس عن الحقد من عظم عن المجازاة، من حسد من دونه قلّ عذره. من جعل لحسن الظن نصيبا روّح عن قلبه. عىّ الصمت أحمد من عىّ المنطق. الناس رجلان: محترس ومحترس منه. كثير النّصح يهجم على كثير الظّنّة. من ألحّ فى المسألة أبرم (1). خير السخاء ما وافق الحاجة. الصمت يكسب المحبة. لن يغلب الكذب شيئا إلا غلب عليه الصّدق، القلب قد يتّهم وإن صدق اللسان. الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، وتقريبهم مكسبة لقرين السوء، فكن
- حليفا لعلقمة بن خصفة الطائى، فزاره فنظر إلى ابنته الزباء، وكانت من أجمل أهل دهرها، فأعجب بها فقال له: أتيتك خاطبا، وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب. فقال له علقمة: أنت كفء كريم، يقبل منك الصفو، ويؤخذ منك العفو، فأقم ننظر فى أمرك، ثم انكفأ إلى أمها. فقال: إن الحرث ابن سليل سيد قومه حسبا ومنصبا وبيتا، وقد خطب إلينا الزباء، فلا ينصرفن إلا بحاجته. فقالت المرأة لابنتها: أى الرجال أحب إليك؟ الكهل الجحجاح (أى السيد) الواصل المناح، أم الفتى الوضاح؟ قالت لا، بل الفتى الوضاح، قالت: إن الفتى يغيرك، وإن الشيخ يميرك؛ وليس الكهل الفاضل، الكثير النائل، كالحديث السن، الكثير المن، قالت: يا أمتاه، إن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاء أنيق الكلا، قالت: أى بنية، إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، قالت: إن الشيخ يبلى شبابى، ويدنس ثيابى، ويشمت بى أنرابى، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحرث على مائة وخمسين من الإبل وخادم وألف درهم فابتنى بها، ثم رحل بها إلى قومه، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قومه وهى إلى جانبه، إذ أقبل إليه شباب من بنى أسد يعتلجون:(أى يتصارعون ويتقاتلون) فتنفست الصعداء، ثم أرخت عينيها بالبكاء.
فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: مالى وللشيوخ، الناهضين كالفروخ! فقال لها: ثكلتك أمك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، أما وأبيك لرب غارة شهدتها، وسببة أردفتها، وخمرة شربتها، فالحقى بأهلك فلا حاجة لى فيك.
(1)
أبرمه: أضجره وأمله.
من الناس بين القرب والبعد، فإن خير الأمور أوساطها. فسولة (1) الوزراء أضرّ من بغض الأعداء. خير القرناء المرأة الصالحة. وعند الخوف حسن العمل، من لم يكن له من نفسه زاجر لم يكن له من غيره واعظ، وتمكّن منه عدوّه على أسوإ عمله. لن يهلك امرؤ حتى يملّ (2) الناس عتيد فعله، ويشتد على قومه، ويعجب بما ظهر من مروءته، ويغتر بقوته، والأمر يأتيه من فوقه. ليس المختال فى حسن الثناء نصيب، لا نماء مع العدم، إنه من أتى المكروه إلى أحد بدأ بنفسه، العىّ أن تتكلم فوق ما تسدّ به حاجتك. لا ينبغى لعاقل أن يثق بإخاء من تضطره إلى إخائه حاجة. أقلّ الناس راحة الحقود، من تعمّد الذّنب لا تحلّ رحمته دون عقوبة، فإن الأدب رفق والرفق يمن»
(جمهرة الأمثال 1: 320، ومجمع الأمثال 2: 145)
(1) فل ككرم وعلم فسولة، فهو فسل كضخم: أى رذل لامروءة له، والوزراء جمع وزير، وهو النصير والظهير.
(2)
فى الأصل: «يملك» . وأرى صوابه: «يمل» .