الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
406 - كتاب معاوية إلى علىّ
روى ابن أبى الحديد قال:
كتب معاوية إلى علىّ:
«من معاوية بن أبى سفيان إلى علىّ بن أبى طالب:
أما بعد: فإنا بنى عبد مناف لم نزل من قليب (1) واحد، ونجرى فى حلبة واحدة، ليس لبعضنا على بعض فضل، ولا لقائمنا على قاعدنا فخر، كلمتنا مؤتلفة، وألفتنا جامعة، ودارنا واحدة، يجمعنا كرم العرق (2)، ويحوينا شرف النّجار، ويحنو قويّنا على ضعيفنا، ويواسى غنيّنا ففيرنا، قد خلصت قلوبنا من غلّ الحسد، وطهرت أنفسنا من خبث النيّة، فلم نزل كذلك حتى كان منك ما كان من الإدهان (3) فى أمر ابن عمك والحسد له، وتضريب (4) الناس عليه! حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد، فليتك أظهرت نصره حيث أسررت ختره (5)، فكنت كالمتعلّق بين الناس بعذر وإن ضعف، والمتبرّى من دمه بدفع وإن وهن، ولكنك جلست فى دارك تدسّ إليه الدواهى، وترسل إليه الأفاعى، حتى إذا قضيت وطرك (6) منه أظهرت شماتة، وأبديت طلاقة، وحسرت (7) للأمر عن ساعدك، وشمّرت عن ساقك، ودعوت الناس إلى نفسك، وأكرهت أعيان المسلمين على بيعتك.
ثم كان منك بعد ما كان من قتلك شيخى المسلمين أبى محمد طلحة، وأبى عبد الله
(1) القليب: البئر، والمعنى: من أصل واحد، والحلبة: الخيل تجتمع للسباق.
(2)
العرق. أصل كل شئ، والنجار: الأصل أيضا.
(3)
الإدهان: الغش وإظهار خلاف ما يضمر، وعنى بابن عمه عثمان.
(4)
التضريب بين الناس: الإغراء.
(5)
الختر: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر.
(6)
الوطر: الحاجة.
(7)
حسر عن ساعده: كضرب: كشف.
الزبير، وهما من الموعودين بالجنة، والمبشّر قاتل أحدهما (1) بالنار فى الآخرة، هذا إلى تشريدك (2) بأم المؤمنين عائشة، وإحلالهما محلّ الهون (3)، مبتذلة بين أيدى الأعراب، وفسقة أهل الكوفة، فمن بين منتهر (4) لها، وبين شامت بها، وبين ساخر منها، ترى ابن عمك كان بهذه العوراء (5) راضيا؟ أم كان يكون عليك ساخطا، ولك عنه زاجرا أن تؤذى أهله، وتشرّد بحليلته، وتسفك دماء أهل ملته!
ثم تركك دار الهجرة التى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: «إن المدينة لتنفى خبثها، كما ينفى الكير خبث الحديد (6)» فلعمرى لقد صحّ وعده، وصدق قوله، ولقد نفت خبثها، وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها، فأقمت بين المصرين، وبعدت عن بركة الحرمين، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة، وبمجاورة الخورنق والحيرة، عوضا عن مجاورة خاتم النبوة.
ومن قبل ذلك ما عيّبت خليفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياتهما، فقعدت عنهما، وألّبت (7) عليهما، وامتنعت من بيعتهما، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا، ورقيت سلّما وعرا، وحاولت مقاما دحضا (8)، وادّعيت ما لم تجد عليه ناصرا، ولعمرى لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا واضطرابا، ولا أعقبت
(1) هو الزبير بن العوام، وذلك أنه لما انهزم أصحاب عائشة يوم الجمل، انصرف الزبير حتى أتى وادى السباع، فتبعه عمرو بن جرموز فقتله فى الفلاة وأتى عليا بسيفه فقال على: سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه الحين ومصارع السوء، وبشر قاتل ابن صفية بالنار، قال ابن أبى الحديد، «وقوله: بشر قاتل ابن صفية بالنار، اختلف فيه، فقال قوم من أرباب السير وعلماء الحديث: هو كلام أمير المؤمنين عليه السلام غير مرفوع، وقوم منهم جعلوه مرفوعا، وعلى كل حال فهو حق لأن ابن جرموز قتله موليا خارجا من الصف مفارقا للحرب، فقد قتله على توبة وإنابة ورجوع عن الباطل، وقاتل هذه حاله فاسق مستحق للنار».
(2)
شرده: طرده، وشرد به سمع بعيوبه.
(3)
الهون: الذل.
(4)
انتهره ونهره: زجره.
(5)
العوراء: الفعلة (والكلمة) القبيحة، ويعنى بابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحليلته:
زوجته، يعنى عائشة.
(6)
كير الحداد: منفاخه، وخبث الحديد: ما نفاه الكير منه، وهو ما لا خير فيه.
(7)
التأليب: التحريك.
(8)
مكان دحض بالفتح ويحرك زلق.