الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غفلة طال فيها رقادى، فأنا كواجد المحجّة كان إلى جانبها حائرا، وكأنى أعايز ما وصفت من تصرّف الأحوال، والذى أخبرك به أن الناس فى هذا الأمر: تسعة لك، وواحد عليك، وو الله للموت فى طلب العزّ أحسن من الحياة فى الذّلة، وأنت ابن حرب فتى الحروب، ونصّار بنى عبد شمس، والهمم بك منوطة وأنت منهضها، فإذا نهضت فليس حين قعود، وأنا اليوم على خلاف ما كانت عليه عزيمتى: من طلب العافية، وحبّ السلامة، قبل قرعك سويداء (1) القلب بسوط الملام، ولنعم مؤدّب العشيرة أنت، وإنا لنرجوك بعد عثمان، وهأنا متوقع ما يكون منك لأمتثله (2) وأعمل عليه إن شاء الله.
وكتب فى أسفل الكتاب:
لا خير فى العيش فى ذلّ ومنقصة
…
والموت أحسن مضن يم ومن عار
إنا بنو عبد شمس معشر أنف
…
غرّ جحاجحة طلّاب أوتار (3)
والله لو كان ذمّيّا مجاورنا
…
ليطلب العز، لم تقعد عن الجار
فكيف عثمان لم يدفن بمزبلة
…
على القمامة مطروحا بها عارى (4)
فازحف إلىّ فإنى زاحف لهم
…
بكل أبيض ماضى الحدّ بتّار
338 - كتاب الوليد بن عقبة إلى معاوية
وكتب إليه الوليد بن عقبة:
«أما بعد: فإنك أسدّ قريش عقلا، وأحسنهم فهما، وأصوبهم رأيا، معك حسن السياسة، وأنت موضع الرّياسة، تورد بمعرفة، وتصدر عن منهل روىّ،
(1) سوايداء القلب وسوداؤه: حبته.
(2)
امتثل طريقته: اتبعها فلم يعدها.
(3)
ربما كان: «إنا بنى عبد شمس» منصوبا على الاختصاص، ورجل أنوف: شديد الأنفة والجمع أنف، غر: مشهورون. جمع أغر، وجحاجحة جمع جحجاح بالفتح وهو السيد.
(4)
القمامة الكناسة.
مناويك (1) كالمنقلب من العيّوق، فهوى به عاصف الشّمال إلى لجّة البحر.
كتبت إلىّ تذكر كنّ الجيش، ولين العيش، فملأت بطنى على حرام، إلّا مسكة (2) الرّمق، حتى أفرى أوداج قتلة عثمان فرى الأهب بشبا الشّفار، وأما اللّين فهيهات، إلا خفية المرتقب يرتقب غفلة الطالب، إنا على مداجاة (3)، ولمّا نبد صفحاتنا بعد، وليس دون الدّم بالدم مزحل، إن العار منقصة، والضعف ذل، أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا، ويسقون برد المصير، ولمّا يمتطوا (4) الخوف، ويستحلسوا الحذر بعد مسافة الطّرد، وامتطاء العقبة الكئود فى الرّحلة؟
لا دعيت لعقبة إن كان ذلك، حتى أنصب لهم حربا تضع الحوامل لها أطفالها، قد ألوت (5) بنا السّاقة، ووردنا حياض المنايا، وقد عقلت نفسى على الموت عقل البعير، واحتسبت أنى ثانى عثمان أو أقتل قاتله، فعجّل علىّ ما يكون من رأيك، فإنّا منوطون بك متّبعون عقبك، ولم أحسب الحال تتراخى بك إلى هذه الغاية لما أخافه من إحكام القوم أمرهم».
وكتب فى أسفل الكتاب:
نومى علىّ محرّم إن لم أقم
…
بدم ابن أمّى من بنى العلّات (6)
قامت علىّ (إذا قعدت ولم أقم
…
بطلاب ذاك) مناحة الأموات
عذبت حياض الموت عندى بعدما
…
كانت كريهة مورد النّهلات (7)
(1) المناوى: المعادى، وعاصف الشمال: أى ريح الشمال العاصفة.
(2)
المسكة: ما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب أو ما يتبلغ به منهما، وفرى كرمى: شق وقطع، والأوداج جمع ودج كسبب وهو عرق فى العنق، وهما ودجان، والأهب جمع إهاب ككتاب وهو الجلد، وشبا جمع شباة وهى حد كل شئ والشفار جمع شفرة بالفتح وهى السكين العظيم.
(3)
المداجاة: المداراة، وأبدى له صفحته: جاهره بالعداوة، ومزحل: معبد: من زحل كمنع.
(4)
امتطى الدابة: جعلها مطية، وفى الأصل «ولما يتمطوا» وهو تحريف، واستحلس فلان الخوف: إذا لم يفارقه الخوف، وعقبة كئود وكأداء: صعبة.
(5)
ألوى بهم الدهر: أهلكهم، والساقة جمع سائق: يعنى من صار بيدهم زمام الأمر؛ وفى الأصل «المسافة» وأراه محرفا، وعقل البعير: ، شد وظيفه إلى ذراعه.
(6)
بنو العلات. بنو أمهات شتى من رجل واحد.
(7)
نهل كفرح نهلا بالتحريك: شرب الشرب الأول حتى روى.