المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مسلم (1)، عن جابر بن عبد الله وقفل مع رسول - الأحكام الصغرى - جـ ٢

[عبد الحق الإشبيلي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب في "التعوّذ من الجبن، وفي ذمِّه، وفي وجوب الجهاد مع البَرِّ والفاجر، وفضل الجهاد، والرباط، والحراسة في سبيل الله، والنفقة فيه، وفيمن مات في الغزو، وفيمن لم يغْزُ، وفيمن منعه العذر، وعدد الشهداء

- ‌باب في الِإمارة وما يتعلق بها

- ‌باب نيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلَّف غازيًا في أهله بخير أو شر، وفيمن كان له أبوان، وفي غزو النساء، وما جاء أن الغنيمة نقصان من الأجر، وفي الخيل وما يتعلق بذلك، وفي الرمي وفضيلته، وفي العدد

- ‌باب في التحصنوحفر الخنادق، وكتب الناس، ومِنْ كم يُجوِّز الصبي في القتال، وترك الإستعانة بالمشركين، ومشاورة الإِمام أصحابه، وما يحذر من مخالفة أمره، والإسراع في طلب العدو، وتوخي الطرق الخالية، والتورية بالغزو، والإعلام به إذا كان السفر بعيداً أو العدو كثيراً

- ‌باب

- ‌باب في الفأل والطِيَرَةِ والكهانة والخط -وعلم النجوم

- ‌باب النهي عن تمني لقاء العدو والدعوة قبل القتال، والكتاب إلى العدو، وطلب غِرَّتهم، والوقت المستحب للقاء وقطع الثمار وتحريقها. والنهي عن قتل النساء والصبيان

- ‌باب الوقت المستحب للقتال والصفوف والتعبئة عند اللقاء والسيماء والشعار والدعاء والإستنصار بالله عز وجل وبالضعفاء والصالحين وفي المبارزة والإنتماء عند الحرب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب قتل كعب بن الأشرف

- ‌باب في الغنائم وقسمتها

- ‌باب في الصلح والجزية

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب في الأمر بالنكاح والترغيب في نكاح ذات الدين

- ‌باب الترغيب في نكاح العذارى والحض على طلب الولد وإباحة النظر إلى المخطوبة

- ‌باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

- ‌باب ما نهي أن يجمع بينهن من النساء

- ‌باب في المتعة وتحريمها وفي نكاح المحرم وإنكاحه وفي الشغار

- ‌ باب

- ‌باب في المرأة تزوج نفسها، والنهي عن عضل النساء، والرجل يزوج ابنته الصغيرة بغير أمرها، واستئمار البكر، وما جاء أن الثيب أحق بنفسها

- ‌باب في الرجل يعقد نكاح الرجل بأمره وفي الصداق والشروط

- ‌باب في الرجل يعتق الأمة فيتزوجها

- ‌باب هل يعطى الصداق قبل الدخول، ومن دخل ولم يقدم من الصداق شيئا ومن تزوج ولم يسم صداقًا

- ‌باب في المحلل

- ‌باب في الوليمة

- ‌باب ما جاء في نكاح الحوامل وذوات الأزواج من الكفار بملك اليمين، وما يقول إذا أتى أهله وكم يقيم عند البكر والثيب، وأجر المباضعة وفي أحد الزوجين ينشر سر الآخر وقول الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وما نهى عنه من ذلك

- ‌باب في العزل

- ‌باب القسمة بين النساء وحسن العشرة وحق كل واحد من الزوجين على صاحبه وأحاديث تتعلق بالنكاح

- ‌باب إخراج المخنثين من البيوت

- ‌باب النفقة على العيال

- ‌باب في الرّضاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب كراهية الطلاق

- ‌باب ذكر طلاق السُّنَّة

- ‌بابٌ في الخلع

- ‌باب الحقي بأهلك

- ‌باب ما يحل المطلقة ثلاثا

- ‌باب المراجعة

- ‌باب التخيير

- ‌باب في الظهار

- ‌باب في الإِيلاء والتحريم

- ‌باب في اللعان

- ‌باب فيمن عرَّض بنفي الولد

- ‌‌‌‌‌بابالولد للفراش

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌باب في عدة المتوفّى عنها والإحداد ونفقة المطلقة

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب كراهية ملازمة الأسواق وما يؤمر به التجار وما يحذرون منه وما يرغبون فيه

- ‌باب في التسعير وبيع المزايدة

- ‌باب النهي عن بيع الملامسة، والمنابذة، وبيع الغرر، وتلقي الركبان، والتصرية، وأن يبيع حاضرٌ لبادٍ

- ‌باب الكيل، والنهي أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه حتى يستوفيه وينقله

- ‌باب ذكر بيوع نُهي عنها، وفيه ذكر الصرف والربا والعرايا

- ‌باب البيع الخيار

- ‌باب

- ‌باب التجارة مع المشركين وأهل الكتاب

- ‌باب في الحكرة ووضع الجوائِح

- ‌باب

- ‌باب في الشركة والمضاربة

- ‌باب في الشروط

- ‌‌‌بابفي السَّلَم

- ‌باب

- ‌باب في الرهن

- ‌باب في الحوالة

- ‌باب

- ‌باب في الديون والإستقراض

- ‌باب

- ‌ بابً

- ‌باب فيمن غَصَبَ أرضًا وفي إحياء الموات والغِراسَة والمزارعة وكراء الأرض وما يتعلق بذلك

- ‌باب في الحبس. والعُمْرَى والهبة والهدية والضيافة والعارية

- ‌باب في الوصايا والفرائض

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في اللقطة والضوال

- ‌باب في العتق وصحبة المماليك

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌كتاب الديات والحدود

- ‌باب حدّ الزاني

- ‌باب في القطع

- ‌باب الحد في الخمر

- ‌باب

- ‌باب في الصيد والذبائح

- ‌باب في العقيقة

- ‌باب في الختان

- ‌باب في الأطعمة

- ‌باب في الأشربة

- ‌باب في اللباس والزينة

- ‌باب في الأسماء والكنى

- ‌باب في السلام والإستئذان

- ‌باب في العطاس والتثاؤب

- ‌باب

- ‌باب في ثواب الأمراض وما يُصيب المسلم

- ‌باب في الطب

- ‌باب

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌‌‌‌‌باب

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب في السعادة والشقاوة والمقادير

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب في الرؤيا

- ‌باب

- ‌باب

الفصل: مسلم (1)، عن جابر بن عبد الله وقفل مع رسول

مسلم (1)، عن جابر بن عبد الله وقفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة، قال: فلما قدم صِرارًا (2) أمر ببقرة فذُبحت، فأكلوا منها، فلما قَدِم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين.

‌باب

البخاري (3)، عن ابن عمر قال، بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد إلى بني جَذَيمة فدعاهم إلى الإِسلام، فلم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا. صبأنا، فجعل خالدٌ يقتُلُ، ويأسِرُ، ودفع (4) إلى كلِّ رجل منا أسيرَهُ حتى إذا كان يوم، أمر خالدٌ أن يَقتُل كلّ واحد (5) منا أسيرَهُ، فقلت: واللهِ لا أقُتلُ أسيري ولا يقتُل أحد (5) من أصحابي أسيرَه حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي - صلى الله عليه رسلم يَدَيه (6) فقال:"اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنعَ خالد" مرتين.

النسائي (7)، عن عبد الله بن جعفر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: "إن قُتِل زيد أو استشهد فأميركم جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة" فلقوا العدو فأخذ

(1) مسلم: (3/ 1223)(22) كتاب المساقاة (21) باب بيع البعير واستثناء ركوبه - رقم (115).

(2)

صرار: موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق.

(3)

البخاري: (7/ 653 - 654)(64) كتاب المغازى (58) باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد إلى بني جذيمة - رقم (4339).

(4)

ف: ويدفع.

(5)

البخاري: (رجل)، وكذا (ف).

(6)

ف: فرفع يديه.

(7)

خرجه في (المناقب والزينة والسير) في الكبرى، كما عزاه المزي في التحفة:(4/ 300).

ص: 554

الراية زيدٌ فقاتل حتى قُتِل، ثم أخذ الراية جعفرٌ فقاتل حتى قُتِل، ثم أخذ الرايةَ عبدُ الله ابنُ رواحة فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله على يديه، فأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى النَّاس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"إن إخوانكم لقوا العدوَّ، فأخذ الرايةَ زيدٌ فقاتل حتى قُتِل أو استشهد، فأخذ الرايةَ جعفرٌ فقاتل حتى قُتِل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبدُ الله ابنُ رواحة، فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله: خالدُ بن الوليد، ففتح الله عليه"، ثمَّ أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال:"لا تبكوا على أخي بعد اليوم" ثم قال: "ادعوا لي بني أخي" فجيء بنا كأنا أفرخ فقال: "ادعوا لي الحلاق" فجيء به (1) فأمره فحلق رؤوسنا ثم قال: "أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلْقى وخُلقى" ثم أخذ بيدي فأشالها، فقال:"اللهم اخلف جعفرًا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" ثلاثًا.

وعن أبي قتادة في هذا الحديث، قال:"فوثب جعفر فقال: يا رسول الله! ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدًا، فقال: امضِ فإنك لا تدري أي ذلك خير". ذكره علي بن المديني في كتاب العلل (2).

البخاري (3)، عن عروة بن الزبير، قال: لما سَار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامَ الفتح، فبلغ ذلك قُريشًا، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيمُ بن حِزام، وبُدَيلُ بن ورقاء يلتمسون الخبرَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرَّ الظهرانِ، فإذا هم بنيران كأنها نيرانُ عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيرانُ عرفة، فقال بُدَيلُ بن ورقاء: نيرانُ بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرٌو

(1) فجيء به: ليست في (ف).

(2)

العلل: ().

(3)

البخاري: (7/ 597 - 598)(64) كتاب المغازي (48) باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح - رقم (4280).

ص: 555

أقل من ذلك، فرآهم ناسٌ من حَرَس رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأدْركوهم، فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس:"احبس أبا سفيان عند خطم الجَبل حتى ينظرُ إلى المسلمين" فحبسه (1) فجعلتِ القبائل تمرُّ (2) مع النبي صلى الله عليه وسلم تمرُّ كتيبةً كتيبةً على أبي سفيانَ، فمرَّت كتيبة فقال: يا عبَّاس من هذه؟ فقال: هذه غِفار، فقال: مالي ولغِفار، ثم مرت جُهَينةُ، فقال مثل ذلك، ثم مرَّت سعدُ بن هُذَيم، فقال مثل ذلك، ثم (3) مرَّت سُلَيم، فقال مثل ذلك حتى أقبلَت كتيبةٌ لم يرَ مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار عليهم سعدُ بن عبادة معهُ الراية، فقال سعدٌ (4): يا أبا سفيان! اليومَ يومُ الملحمة، اليومَ تُستحَل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذِّمار، ثم جاءت كَتيبة وهي أقلُّ الكتائب، فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير (5) فلما مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعدُ بن عبادة؟، قال:"ما قال؟ " قال: قال كذا وكذا، فقال:"كذبَ سعد، ولكن هذا يومٌ يُعظمُ الله فيه الكعبة ويومٌ تُكسى فيه الكعبة" قال: وأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تُركزَ رايته بالحَجون.

قال عروة: فأخبرَني نافع بن جُبير بن مُطعم قال: سمعتُ العباس يقول للزبير: يا أبا عبد الله هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترَكزَ الراية.

قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يَدخلَ من أعلى مكة من كَدَاء، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كَدا، فقُتِلَ من خيل خالد ابن الوليد يومئذ رجلان حُبَيْشُ بن الأشعَر وكُرز بن جابر الفهريّ.

(1) البخاري: (فحبسه العباس).

(2)

ف: تمر عليه.

(3)

البخاري: (ومرت سليم).

(4)

البخاري: (سعد بن عُبادة).

(5)

البخاري: (الزبير بن العوام).

ص: 556

مسلم (1)، عن أبي هريرة، قال: أقْبَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى قدِمَ مكَّةَ، فَبَعثَ الزبير على إحدى المُجَنبتَيْنِ (2) وبعث خالدًا على المجنبةِ الأخرى، وبعث أبا عبيدةَ على الحُسَّرِ (3)، فأخذوا بطنَ الوادي، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في كتيبةٍ قال: فَنَظرَ فرآني فقال: "أبو هريرةَ " فقلتُ: نعم (4)، لبيك رسول الله (5)، لبيك رسول الله، فقال:"لا يأتينى إلا أنصاريٌّ" قال: فأطافُوا بِهِ ووبَّشَتْ (6) قريش أوبَاشًا لها وأتباعًا، فقالُوا: نُقَدِّمُ هؤلاءِ، فإن كان لهم شيءٌ كُنا معهم، فإن أصيبوا أعْطَيْنَا الذي سُئِلْنَا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تَرَوْنَ إلى أوْبَاشِ قريش وأتباعِهِمْ" ثم قال بيديه (7): إحداهُما على الأخرى ثم قال: "حتى تُوافُوني بالصَّفَا" قال: فانطلقنا فما شَاءَ أحدٌ منّا أن يَقْتُلَ أحدًا إلا قَتَلَهُ، وما أحدٌ منهم يُوَجِّهُ إلينا شيئًا، قال: فجاء أبو سُفيانَ فقأل: يا رسولَ اللهِ أُبيحَتْ خَضْرَاءُ قريشٍ، لا قرَيْشَ بَعْدَ اليومِ، ثم قال:"من دخل دَارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ" فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أمَّا الرجُلُ فأدركَتْهُ رغْبَةٌ في قَرْيَيهِ ورافَة بعشيرَتِهِ، قال أبو هريرة: وجاء الوَحْيُ وكان إذا جاءَ (8) لا يَخْفَى علينا، فإذا جَاءَ فَلَيْسَ أحد يرفَعُ طرفَهُ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضى الوحيُ، فلما قضى (9) الوحيُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الأنصَارِ" قالوا: لبَّيْكَ يا رسُولَ اللهِ، قال:"قلتم: أمَّا الرجُلُ فأدركَتْهُ رغبةٌ في قريتهِ" قالوا: قد كان

(1) مسلم: (3/ 1405)(32) كتاب الجهاد والسير (31) باب فتح مكة - رقم (84).

(2)

المجنتين: اليمنة والميسرة.

(3)

الحسر: أي الذين لا دروع لهم.

(4)

(نعم): ليست في مسلم.

(5)

مسلم: (لبيك يا رسول الله)، ولم تكرر، وكذا (ف).

(6)

أي جمعت جموعًا من قبائل شتى.

(7)

(د): (بيده).

(8)

مسلم: (وكان إذا جاء الوحى).

(9)

مسلم: (انقضى).

ص: 557

ذلك (1)، قال:"كلَّا إنِّي عبد الله ورسُولُهُ هاجرتُ إلى الله وإليكم، المحيا محياكُمْ والمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ" فأقبلوا إليه يبكُونَ ويقولون: والله ما قُلنا الذي قُلنا إلا الضِّنَّ (2) باللهِ وبرسولِهِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله ورسوله يُصَدِّقانِكُمْ ويَعْذِرَانِكُمْ" قال: فأقبَلَ النَّاسُ إلى دارِ أبي سُفيان وأغلقَ النَّاس أبوابَهُمْ، قال: وأقبل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحَجَرِ، فاستَلَمهُ، ثم (3) طاف بالبيتِ، قال: فأتى على صنمٍ إلى جنبِ البيتِ كانوا يعبدُونهُ، قال: وفي يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسٌ، وهو آخِذٌ بِسِيَةِ القَوْسِ (4) فلما أتى على الصنم جعل يطعن (5) في عينيه ويقول:"جاء الحقُّ وزَهَقَ الباطِلُ"، فلما فَرَغَ من طَوَافِهِ أتى الصفا (6) فعلا عليه حتى نظر إلى البيتِ فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعُو ما شَاءَ أن يَدعُوَ.

وفي أخرى (7): "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السِّلاحَ فهو آمِنٌ، ومن أغْلَقَ بَابَهُ فهو آمِنٌ".

وفيها: "قلتم أمَّا الرَّجُلُ قد أخذته (8) رأفةٌ بعشيرتِهِ ورغبةٌ في قريتهِ ألا فما (9) اسمى إذًا! (ثلاث مرات)، أنا محمد عبد الله ورسوله".

وقال النسائي (10) في هذا الحديث: ولجأت صناديد قريش وعظماؤها إلى الكعبة، يعني دخلوا فيها، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف

(1) مسلم: (ذاك).

(2)

(ف): (الظن) ومعنى الضن: الشح.

(3)

(د): قال ثم.

(4)

أي بطرفها المنحني.

(5)

مسلم: (يطعنه).

(6)

(د) أتى على الصفا.

(7)

مسلم: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (86).

(8)

مسلم: (فقد أخذته).

(9)

ف: ألا بما.

(10)

تفسير النسائي: (1/ 668) - رقم (318).

ص: 558

بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام ويطعنها بسية القوس (1) ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا" حتى إذا فرغ وصلى جاء فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال:"يا معشَر قريش ما تقولون؟ " قالوا: نقول: ابن أخ وابن عم رحيم كريم.

ثم أعاد عليهم القول: "ما تقولون؟ " قالوا مثل ذلك قال: "فإني أقول كما قال أخى يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} "، فخرجوا فبايعوه على الإسلام. ذكر النسائي هذا الحديث في التفسير.

أبو داود (2)، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ الفتح جاءَه العباسُ بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب، فأسلم بِمَرّ الظهران، فقال له العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يُحِبُّ هذا الفخر فلو جعلتَ لَهُ شيئا، فقال:"نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلقَ بابَهُ فهو آمن".

وعن وهب بن مُنبه (3)، قال: سألتُ جابرًا: هل غنموا يوم الفتح شيئًا؟ قال: لا.

مسلم (4)، عن ابن عمر أن يَهُودَ بني النضير وقُريظةَ حاربُوا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأجْلَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بني النَّضِيرِ وأقر قُرَيْظةَ ومنَّ عليهم حتى حَارَبَتْ قُريظَةُ بعد ذلك، فَقَتَلَ رجالهم وقَسمَ نساءَهُمْ وأولادَهُمْ وأموالَهُمْ بين المسلمين إلا أنَّ بعضهُمْ لَحِقُوا برَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فآمَنَهُمْ وأسلموا، وأجْلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهُودَ المدينةِ

(1)"بسية القوس": ما عطف من طرفيها، وللقوس سيتان.

(2)

أبو داود: (3/ 416)(14) كتاب الخراج والإمارة (25) باب ما جاء في خبر مكة - رقم (3021).

(3)

أبو داود: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (3023).

(4)

مسلم: (3/ 1387 - 1388)(32) كتاب الجهاد والسير (20) باب إجلاء اليهود من الحجاز - رقم (62).

ص: 559

كُلهم: بني قَيْنُقَاعَ (وهم قوم عبد الله بن سلامٍ) ويهُودَ بني حَارِثَةَ، وكُلَّ يهوديٍّ كان بالمدينةِ.

وعن أبي سعيد الخدري (1)، قال: نَزَلَ أهلُ قُرَيظَةَ على حُكْمِ سعد بن معاذٍ، فأرْسَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعدٍ فأتَاه على حمارٍ، فلما دنا قريبًا من المسجِدِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2):"قوموا إلى سيِّدِكُمْ"(أو خيركم) ثم قال: "إنَ هؤلاءِ نزلُوا على حُكْمِكَ" قال: تَقْتُلُ مُقاتِلَتَهُمْ وتَسْبِى ذُريتهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قضيتَ بحكمِ الله" وربما قال: "قضيت بحكم الملك"

وفي حديث عائشة (3)، فنزلُوا على حُكْمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ إلى سعد بن معاذ (4).

وزاد، وتُقْسَم أموالهم.

أبو داود (5)، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كُفارَ قريش كتبوا إلى ابن أُبيٍّ ومن كان معه يعبد (6) الأوثان من الأوس والخزرج، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: إِنكم آوَيْتُمْ صاحبنا، وإِنا نقسم بالله لتُقاتلنهُ أو لتخرجُنَّه أو لنسيرَنَّ إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم فلما بلغ ذلك عبد الله بن أُبي ومن كان معه من عبدة الأوثان، أجمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم فقال: "لقد بلغ وعيدُ قُريشٍ منكم المبالغ، ما كانت تكيدُكم بأكثر مما تريدُون أن تكيدُوا

(1) مسلم: (3/ 1388 - 1389)(32) كتاب الجهاد والسير (22) باب جواز قتال من نقض العهد - رقم (64).

(2)

مسلم: (للأنصار).

(3)

مسلم: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (65).

(4)

(ابن معاذ): ليست في مسلم.

(5)

أبو داود: (3/ 404)(14) كتاب الخراج والفيء (23) باب في خبر النضير - رقم (3004).

(6)

أبو داود: (ومن كان يعبد معه).

ص: 560

بِهِ أنْفُسَكم، تريدُون أن تُقَاتلوا أبنَاءَكم وإِخوَانكُم" فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إِنكم أهل الحَلْقَةِ والحُصُونِ وإنكم لتُقاتلُنَّ صاحبنا أو لنفعلنَّ كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خَدَمِ نسائكم شيء - وهي (1) الخلاخيل-، فلما بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وسلم أجمعت بنو النضير بالغَدرِ: فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرًا، حتى نلتقي في مكان المَنْصَف فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك، آمنا بك فقصَّ خبرهم فلما كان الغدُ غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم (2)، فقال: "إنكم لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه"، فأبوا أن يعطوه عهدًا فقاتلهم يومَهم ذلك، ثم غدا الغد علي بني قريظة بالكتائب (3)، وترك بني النضير ودعاهم أن يعاهدوه، فعاهدوه فانصرف عنهم وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجَلَاءِ، فَجلَتْ بنو النضير واحتملوا ما أقلَّتِ الِإبلُ من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النضرِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاه الله إياها وخصَّه بها، فقال:{ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} ، يقول بِغَيْرِ قتال، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين وقسَمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بيد (4) بني فاطمة.

مسلم (5)، عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبيةَ مع رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ أربعَ عشرةَ مائةً وعليها خمسُونَ شاةً، لا ترويها،

(1)(ف): (وهو).

(2)

أبو داود: (فحصرهم).

(3)

(بالكتائب): ليست في (ف).

(4)

أبو داود: (التي في أيدي).

(5)

مسلم: (3/ 1433)(32) كتاب الجهاد والسير (45) باب غزوة ذي قرد وغيرها - رقم (132).

ص: 561

قال: فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الرَّكيَّةِ (1)، فإما دعا، وإمَّا بصق (2) فيها فجاشَتْ فسقينا واستقينا، ثم إنَّ رسول الله دعا (3) للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعتُهُ أوَّلَ الناسِ، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسطٍ من النَّاسِ قال:"بايع. يا سلمةُ" قال: قلتُ: قد بايعتُكَ يا رسُولَ اللهِ في أولِ النَّاس، قال:"وأيضًا" ورآني رسُولُ الله عَزِلًا (يعني ليس مَعَه سلاح) قال: فأعطاني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أو دَرَقَةً (4) ثم بايع حتى إذا كان في آخِر الناس، قال:"ألا تبايعُني يا سلمة؟ " قال: قلت: قد بايعتُكَ يا رسُولَ الله في أوَّلِ النَّاس، وأوسَطِ الناس، قال:"وأيضًا" فبايعتهُ الثالثة، ثم قال لي:"يا سلمةُ أين حجفتُك أو دَرَقَتُك التي أعطيتُك؟ " قال: قلتُ: يا رسُولَ الله! لقيني عَمِّي عامِرٌ عَزِلًا، فأعطيتُهُ إيَّاهَا، قال فضحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"إنك كالذي قال الأوَّلُ: اللهم أبغنِي حبيبًا هو أحبُّ إليّ من نفسي"، ثم إنَّ المشركين راسَلُونا الصُّلْحَ حتى مشى بعضُنا في بعض، واصطلحنا، قال: وكنت تَبِيعًا لِطَلْحةَ بن عبيد الله أسْقي فَرَسَهُ وأحُسُّهُ وأخدُمُهُ وآكل طعامه، وتركتُ أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسولهِ قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعضٍ أتيت شجرة فكسحتُ شوكها، فاضجعتُ في أصلها قال: فأتاني أربعةٌ من المشركين من أهلِ مكة، فجعلوا يقعون في رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتُهُم، وتحولتُ إلى شجرةٍ أخرى وعلَّقوا سلاحَهُم واضطجعوا.

فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمُهاجرين قُتِلَ ابن زُنَيْمٍ، فاخترطتُ سيفىٍ ثمَّ شددتُ على أولئك الأربعةِ وهم رُقودٌ وأخذتُ سلاحهم وجعلتها (5) ضغثًا في يَدِي، ثم قلتُ: والذيِ كرَّم وجْهَ محمدٍ - صلى الله

(1) جبا الركية: الجبا ما حول البئر، والركى: البئر.

(2)

مسلم: (بسق).

(3)

مسلم: (دعانا). وكذا ف.

(4)

حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.

(5)

مسلم: (فجعلته).

ص: 562

عليه وسلم - لَا يرفَعُ أحدٌ منكم رأسَهُ إلا ضربْتُ الذي فيهِ عَيْنَاهُ قال: ثم جئْتُ بهم أسوقُهُم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وجاء عمِّي عامر برجل من العَبَلَاتِ يُقال له مِكْرَزٌ يقودُهُ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجقف (1) في تسعين (2) من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "دعوهُمْ ليكون (3) لهم بدءُ الفجور وثنَاهُ" فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل {وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديَكُم عنهم ببطنِ مكة من بعد أن أظفركُمْ عليهم} . الآية كلها.

قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينةِ، فنزلنا منزلا بيننا وبين بني لَحْيانَ جَبَلٌ، وهم المشركون فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى هذا الجبَلَ الليلةَ، كأنَّهُ طليعةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ قال سلمةُ: فرقيتُ تلك الليلةَ مرتين أو ثلاثًا، ثم قدمنا المدينة فبعَثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بظهرِهِ مع رباحٍ غُلامِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنا معهُ وخرجتُ بفرسِ طلحة (4) أندِّيهِ مع الظهر فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على سرح (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستَاقَهُ أجْمَعَ وقتلَ راعِيهُ قال: فقلت: يا ربَاحُ خُذْ هذا الفرس فأبلِغْهُ طلحةَ بن عَبيدِ الله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سَرْحِهِ، قال: ثم قمتْ على أكمةٍ فاستقبلتُ المدينةَ فناديتُ ثلاثًا: يا صَبَاحاهْ، ثم خرجت في أثر (6) القوم أرْميهِمْ بالنَّبْلِ وأرتجز أقولُ:

أنا ابن الأكوع

واليوم يومُ الرُّضَّعِ

(1) مجفف: أي عليه تجفاف وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح.

(2)

مسلم: سبعين.

(3)

مسلم: (يكن).

(4)

د: أبي طلحة.

(5)

مسلم: (على ظهر).

(6)

مسلم: (آثار).

ص: 563

فألحقُ رجُلًا منهم فَأصُكه (1) سهمًا في رَحْلِهِ حتى خَلَصَ نصْلُ السهْم إِلى كَتِفِهِ، قال: قلتُ: خذها و:

أنا ابن الأكوع

واليوم يومُ الرُّضَّعِ

قال: فواللهِ مازلت أرميهم وأعْقِرُ بهم فإذا رجع إليَّ فَارِسٌ أتيتُ شجرةً فجلست في أصلها ثم رميتُهُ فعقرتُ بِهِ حتى إذا تضايق الجبَلُ فدخلوا في تضايُقِهِ علوتُ الجبل فجعلتُ أرميهم (2) بالحجارةِ قال: فما زلتُ كذلك أتبعُهُمْ حتى ما خلق الله عز وجل من بعير من ظَهرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بينى وبينَهُ ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بُرْدَةً وثلاثين رُمحًا يستخِفُّونَ ولا يطرَحُونَ شيئًا إلا جعلتُ عليه آرامًا (3) من حجارة يعرِفُها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقًا من ثنيةٍ فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدرٍ الفزاري فجعلوا (4) يَتضحَّونَ (يعني يتغَدَّوْنَ) وحبست (5) على رأس قرنٍ، قال الفزاريُّ: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح واللهِ! ما فارقنا منذ غَلَسٍ، يرمينا حتى انتزع كلَّ شيءٍ من أيدينا، قال: فليَقُمْ إليه نفرٌ منكم أربعةٌ، قال: فَصَعِدَ إليَّ منهم أربعة في الجَبلِ، قال. فلما أمكنُوني من الكَلامِ، قال: قلت: هل تعرِفُونني (6) قالوا: لا، ومن أنت؟، قلتُ: أنا سلمة بن الأكوعِ والذي كرَّم وجْهَ محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلُبُ رجلًا منكم إلا أدركتُهُ يطلبُنى (7) فيدركني، قال أحدهم: أنا أظنُّ، قال: فرجعوا قال: فما برحتُ مكاني حتى رأيتُ فوارِسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّلُون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخْرمُ الأسديُّ على إثْرِهِ

(1) مسلم: (فأصكُّ).

(2)

مسلم: (أُرديهم).

(3)

آرامًا: أي أعلامًا.

(4)

مسلم: (فجلسوا).

(5)

مسلم: (وجلست).

(6)

مسلم: (تعرفونِي).

(7)

مسلم: (ولا يطلبني رجل منكم).

ص: 564

أبو قَتَادةَ الأنصاريُّ وعلى إثرهِ المقدَادُ بن الأسودِ الكِنديُّ، قال: فأخذتُ بِعِنَانِ الأخْرَمِ قال: فولَّوا مُدبرين، قلت: يا أخرمُ احذَرْهُم لا يقتطِعُونك (1) حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ.

قال: يا سلمةُ إن كنت تؤمِنُ بالله واليوم الآخر وتعلَمُ أن الجنَّةَ حقٌّ والنَّارَ حقٌّ فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة، قال: فخلَّيْتهُ فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فَعَقَر بعبد الرحمن فَرَسَهُ وطعنَهُ عبد الرحمن فَقَتَلهُ وتحَوّلَ على فرسِهِ ولَحِقَ أبو قتادة فارِسُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بعبدِ الرحمن فطعنه فقتَلَهُ فوالذي كَرّمَ وجْهَ محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتُهُمْ أعْدو على رجِلَيَّ حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غُبَارِهم شيئًا حتى يعدِلُوا قبل غُرُوب الشمس إلى شِعبِ فيهِ ماءٌ يقالُ لَهُ ذُو قَرَدٍ (2) ليشرَبُوا منه وهم عِطَاشٌ، قال: فنظرُوا إليَّ أَعدُو وراءَهم فحلأتهم عنهُ (يعني أجليتهم)(3) فما ذاقوا منه قطرةً، قال: ويخرجون فيشتدُّون في ثنيةٍ قال: فَأعْدُو فألَحقُ رجلًا منهم، فأصكُّهُ بسهمٍ في نُغُضِ كَتِفِهِ، قلتُ: خُذْهَا وأنا ابن أكوع، واليوم يوم الرضع قال: يا ثكِلَتْهُ أُمُّهُ! أكوَعُهُ بُكْرَةَ (4)، قال: قلت: نعم يا عدوَّ نفسِهِ! أكوعُكَ بُكْرةَ، وأردوا فرسين على ثنيةٍ، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: ولَحِقَنِي عامر بسطِيحةٍ فيها مَذْقة من لبن وسطيحةٍ فيها ماءٌ، فتوضأتُ وشربتُ، ثم أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حَلأتُهُمْ عنه (5)، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الِإبل وكل شيء استنقذْتُهُ من المشركين وكلَّ رُمْحٍ وبُرْدَة، وإذا بلال

(1) مسلم: (لا يقتطعوك).

(2)

مسلم: (ذا قرد) -، في بعض نسخه (ذو قرد) وهو الوجه.

(3)

مسلم: فحليتهم عه (يعني أجليتهم عنه).

(4)

قوله (أكوعه) برفع العين: أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا. قال: نعم، وبكرة: منصوب غير منون.

(5)

(د): (عنده).

ص: 565

قد نَحَرَ ناقةً من تلك (1) الإبل التي (2) استنَقذْتُ من القوم، وإذا هو يشوي لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم من كَبِدِها وسَنَامها، قلتُ: يا رسول الله! خَلِّنِى فأنتخِبُ من القوم مِائَةَ رجُلٍ فأتبعُ القومَ، فلا يبقى منهم مُخبِرٌ إلا قتلتُهُ، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نواجِذُهُ في ضوءِ النار ققال: "يا سلمةُ! أتراكَ كنت فاعِلًا؟ " قلتُ: نعم والذي أكرمَكَ. قال: "إنَهُمُ الآن ليُقْرَوْنَ في أرض غَطَفَانَ" فجاء رجلٌ من غطفان فقال: نَحَرَ لهمُ فلانٌ جَزُورا، فلمَّا كشفُوا جِلْدَهَا رأوا غُبارًا، فقالوا: أتاكُمُ القومُ، فخرجُوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان خير فُرسَانِنَا (3) أبو قتادة، وخيرَ رَجَّالَتِنَا سلمةُ" ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمينِ: سهمُ الفارس وسهمُ الرَّاجِلِ، فجمعهُما لِى جميعًا، ثُمَّ أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءَهُ على العَضْبَاءِ راجِعينَ إلى المدينةِ.

قال: فبينما نحنُ نسِيرُ، قال: وكان رجُل من الأنصارِ لا يُسْبَقُ شَدًّا (4)، قال: فجعل يقولُ: ألا مُسَابِقٌ إلى المدينةِ؟ هل من مسابقٍ؟ فجعل يُعِيدُ ذلك، فلمَّا سمعتُ كَلَامَهُ قلتُ: أما تُكْرِمُ كريمًا، ولا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قال: لَا. إلَّا أنْ يكُونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: يا رسول اللهِ بأبي أنت (5) وأميِّ، ذرني فَلأسْبِقَ (6) الرجل، قال:"إِنْ شِئْتَ" قلتُ: اذْهَبْ إلَيْكَ، وِثنيتُ رِجليَّ فظفرتُ فَعَدَوتُ قال: فربطتُ عليهِ شَرَفًا أو شرفينِ أسْتَبْقِي نَفسِي (7) ثمَّ إني (8) عدوت في إِثْرِهِ فَرَبَطتُ عليهِ شَرَفًا أو شرفين، ثمَّ إنِّي دفعتُ

(1)(تلك): ليست في مسلم.

(2)

مسلم: (الذي).

(3)

مسلم: (كان خير فرساننا اليوم) وكذا (ف).

(4)

أي عدوا على الرجلين.

(5)

(أنت): ليست في مسلم.

(6)

مسلم: (فلأسابق).

(7)

معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد، والشرف ما ارتفع من الأرض، وقوله: أستبقي نَفَسي، أي لئلا يقطعني البهر.

(8)

(إني): ليست في مسلم. وكذا (ف).

ص: 566

حتى ألْحَقَهُ، قال: فَأصكُّهُ بين كَتِفَيْهِ قال: قلتُ: قد سُبِقْتَ واللهِ، قال: أنا أظُنُ.

قال: فسبقتُهُ إلى المدينهِ، قال: فواللهِ ما لبثنا ثلاثَ ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبرَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعل عمِّي يرتجز بالقوم:

تاللهِ لولا اللهُ ما اهتدينا

ولا تصدَّقنا ولا صلينا

ونحنُ عن فضلكِ ما استغنينَا

فثبِّت الأقدامَ إن لاقينا

وأنزلَنْ سكينةً علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ " قال: أنا عامِرٌ، قال:"غَفَرَ لَكَ ربُّك" قال: وما استغفر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِإنْسَانٍ يخصُّه إلا استُشْهِدَ. قال: فنادَى عمَرُ بن الخطاب وهو على جملٍ لَهُ: يا نَبِيَّ اللهِ! لولا (1) متعتنا بعامرٍ، قال: فلمَّا قَدِمنا خيبر خرج مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يخطِرُ بسيفِهِ يقولُ:

قد عَلِمَتْ خيبرُ أنِّي مَرْحَبُ

شاكي السِّلَاحِ بطل مُجَرَّبُ

إذا الحرُوبُ أقبَلَتْ تَلَهّبُ

قال: وبَرَزَ لَهُ عمِّي عامرٌ فقال:

قد علمت خيبرُ أنِّي عَامِرٌ

شاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ

قال: فاختلفا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سيفُ مَرْحَب في تُرْسِ عَامِرٍ وذهب عامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ فرجع سيفُهُ على نفسِهِ فَقَطَعَ أكْحَلَهُ وكانت فيها نفسُهُ.

قال سلمةُ: فخرجتُ فإذا نفرٌ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم يقولُون: بطَلَ عَمَلُ عامرٍ فقتل نَفْسَهُ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكِي فقلتُ: يا رسُول الله! بَطَلَ عمَلُ عامِرٍ؟، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال ذاك (2)؟ " قلتُ: ناسٌ من أصحابِكَ قال:

(1) مسلم: (لولا ما متعتنا).

(2)

مسلم: (ذلك)، وكذا (ف).

ص: 567

"كَذَبَ من قال ذلِكَ، بل لَهُ أجرُهُ مرتينِ" ثم أرسلَنى إلى عَلي وهو أرْمَدُ، فقال:"لأعطينَّ الرايةَ رجُلًا يحبُّ اللهَ ورسولَهُ، ويحبهُ (1) اللهُ ورسولُهُ" قال: فأتيتُ عليًّا فجئتُ به أقودُهُ وهو أرْمَدُ حتى أتيتُ بِهِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فبصق (2) في عينيه فَبَرَأ وأعطاه الرَّايةَ وخرج مَرْحَبٌ فقال:

قد علمت خيبرُ أنِّي مَرْحَبُ

شاكِي السِّلَاحِ بطلٌ مُجرَّبُ

إذا الحروبُ أقبلتْ تلهَّبُ

قال عليٌّ رضى الله عنه:

أنا الذي سمتني أمى حَيدَرَهْ

كليثِ غابات كريه المنظره

أوفِيهِمُ بالصَّاعِ كيل السَّنْدَرَهْ

قال: فَضَرَبَ رأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ وكان الفتح على يديهِ.

وعند البخاري (3) في هذا الحديث - ولم يذكره بكماله - قلت: يا نبي الله! قد حميتُ القومَ الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، قال: فقال: "يا ابن الأكوع ملكت فأسْجح (4) ".

مسلم (5)، عن عَبد الله بن عمرو قال: حَاصَرَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ ينل منهم شيئًا، فقال:"إنَّا قَافِلُونَ إن شاء الله" قال أصحابُهُ: نَرْجِعُ ولم نفتَتِحْهُ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغْدُوا على القِتَالِ" فغَدَوْا عليهِ فأصابتهم (6) جِرَاحٌ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّا قَافِلُون غدًا" فأعجَبَهُم ذلك، فضحك رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.

(1) مسلم: (أو يحبه).

(2)

مسلم: (فبسق).

(3)

البحاري: (7/ 526)(64) كتاب المغازى (37) باب غزوة ذات القَرَد - رقم (4194).

(4)

فأسجح: أي فَسهّل وهو مثل سائر.

(5)

مسلم: (3/ 1402 - 1403)(32) كتاب الجهاد والسير (29) باب غزوة الطائف - رقم (82).

(6)

مسلم: (فأصابهم). وكذا (ف).

ص: 568