المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الصلح والجزية - الأحكام الصغرى - جـ ٢

[عبد الحق الإشبيلي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب في "التعوّذ من الجبن، وفي ذمِّه، وفي وجوب الجهاد مع البَرِّ والفاجر، وفضل الجهاد، والرباط، والحراسة في سبيل الله، والنفقة فيه، وفيمن مات في الغزو، وفيمن لم يغْزُ، وفيمن منعه العذر، وعدد الشهداء

- ‌باب في الِإمارة وما يتعلق بها

- ‌باب نيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلَّف غازيًا في أهله بخير أو شر، وفيمن كان له أبوان، وفي غزو النساء، وما جاء أن الغنيمة نقصان من الأجر، وفي الخيل وما يتعلق بذلك، وفي الرمي وفضيلته، وفي العدد

- ‌باب في التحصنوحفر الخنادق، وكتب الناس، ومِنْ كم يُجوِّز الصبي في القتال، وترك الإستعانة بالمشركين، ومشاورة الإِمام أصحابه، وما يحذر من مخالفة أمره، والإسراع في طلب العدو، وتوخي الطرق الخالية، والتورية بالغزو، والإعلام به إذا كان السفر بعيداً أو العدو كثيراً

- ‌باب

- ‌باب في الفأل والطِيَرَةِ والكهانة والخط -وعلم النجوم

- ‌باب النهي عن تمني لقاء العدو والدعوة قبل القتال، والكتاب إلى العدو، وطلب غِرَّتهم، والوقت المستحب للقاء وقطع الثمار وتحريقها. والنهي عن قتل النساء والصبيان

- ‌باب الوقت المستحب للقتال والصفوف والتعبئة عند اللقاء والسيماء والشعار والدعاء والإستنصار بالله عز وجل وبالضعفاء والصالحين وفي المبارزة والإنتماء عند الحرب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب قتل كعب بن الأشرف

- ‌باب في الغنائم وقسمتها

- ‌باب في الصلح والجزية

- ‌كتاب النكاح

- ‌باب في الأمر بالنكاح والترغيب في نكاح ذات الدين

- ‌باب الترغيب في نكاح العذارى والحض على طلب الولد وإباحة النظر إلى المخطوبة

- ‌باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

- ‌باب ما نهي أن يجمع بينهن من النساء

- ‌باب في المتعة وتحريمها وفي نكاح المحرم وإنكاحه وفي الشغار

- ‌ باب

- ‌باب في المرأة تزوج نفسها، والنهي عن عضل النساء، والرجل يزوج ابنته الصغيرة بغير أمرها، واستئمار البكر، وما جاء أن الثيب أحق بنفسها

- ‌باب في الرجل يعقد نكاح الرجل بأمره وفي الصداق والشروط

- ‌باب في الرجل يعتق الأمة فيتزوجها

- ‌باب هل يعطى الصداق قبل الدخول، ومن دخل ولم يقدم من الصداق شيئا ومن تزوج ولم يسم صداقًا

- ‌باب في المحلل

- ‌باب في الوليمة

- ‌باب ما جاء في نكاح الحوامل وذوات الأزواج من الكفار بملك اليمين، وما يقول إذا أتى أهله وكم يقيم عند البكر والثيب، وأجر المباضعة وفي أحد الزوجين ينشر سر الآخر وقول الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وما نهى عنه من ذلك

- ‌باب في العزل

- ‌باب القسمة بين النساء وحسن العشرة وحق كل واحد من الزوجين على صاحبه وأحاديث تتعلق بالنكاح

- ‌باب إخراج المخنثين من البيوت

- ‌باب النفقة على العيال

- ‌باب في الرّضاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب كراهية الطلاق

- ‌باب ذكر طلاق السُّنَّة

- ‌بابٌ في الخلع

- ‌باب الحقي بأهلك

- ‌باب ما يحل المطلقة ثلاثا

- ‌باب المراجعة

- ‌باب التخيير

- ‌باب في الظهار

- ‌باب في الإِيلاء والتحريم

- ‌باب في اللعان

- ‌باب فيمن عرَّض بنفي الولد

- ‌‌‌‌‌بابالولد للفراش

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌باب في عدة المتوفّى عنها والإحداد ونفقة المطلقة

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب كراهية ملازمة الأسواق وما يؤمر به التجار وما يحذرون منه وما يرغبون فيه

- ‌باب في التسعير وبيع المزايدة

- ‌باب النهي عن بيع الملامسة، والمنابذة، وبيع الغرر، وتلقي الركبان، والتصرية، وأن يبيع حاضرٌ لبادٍ

- ‌باب الكيل، والنهي أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه حتى يستوفيه وينقله

- ‌باب ذكر بيوع نُهي عنها، وفيه ذكر الصرف والربا والعرايا

- ‌باب البيع الخيار

- ‌باب

- ‌باب التجارة مع المشركين وأهل الكتاب

- ‌باب في الحكرة ووضع الجوائِح

- ‌باب

- ‌باب في الشركة والمضاربة

- ‌باب في الشروط

- ‌‌‌بابفي السَّلَم

- ‌باب

- ‌باب في الرهن

- ‌باب في الحوالة

- ‌باب

- ‌باب في الديون والإستقراض

- ‌باب

- ‌ بابً

- ‌باب فيمن غَصَبَ أرضًا وفي إحياء الموات والغِراسَة والمزارعة وكراء الأرض وما يتعلق بذلك

- ‌باب في الحبس. والعُمْرَى والهبة والهدية والضيافة والعارية

- ‌باب في الوصايا والفرائض

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في اللقطة والضوال

- ‌باب في العتق وصحبة المماليك

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌كتاب الديات والحدود

- ‌باب حدّ الزاني

- ‌باب في القطع

- ‌باب الحد في الخمر

- ‌باب

- ‌باب في الصيد والذبائح

- ‌باب في العقيقة

- ‌باب في الختان

- ‌باب في الأطعمة

- ‌باب في الأشربة

- ‌باب في اللباس والزينة

- ‌باب في الأسماء والكنى

- ‌باب في السلام والإستئذان

- ‌باب في العطاس والتثاؤب

- ‌باب

- ‌باب في ثواب الأمراض وما يُصيب المسلم

- ‌باب في الطب

- ‌باب

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌‌‌‌‌باب

- ‌‌‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب في السعادة والشقاوة والمقادير

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب

- ‌باب في الرؤيا

- ‌باب

- ‌باب

الفصل: ‌باب في الصلح والجزية

وعن وائِل بن حُجْر (1)، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقطعه أرضًا بحضرموت.

وعن ابن عمر (2)، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقطعَ الزبير حُضْرَ فَرَسِهِ (3) فأجرى فرسه حتى قام، ثم رمى بسوطه، فقال:"أعطوهُ من حيث بلغ السوط".

‌باب في الصلح والجزية

البخاري (4)، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا:"خرج رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ حتى إذا كانوا ببعضِ الطرَّيقِ (5)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَ خالد بن الوليد بالغَميمِ، في خيل لِقُريش طَلِيعةً، فخُذُوا ذاتَ اليَمينِ"، فواللهِ ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بِقَتَرَةِ (6) الجيش، فانطلق يركُضُ نذيرًا لِقُريْشٍ، وسارَ النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثنِيَّةِ التي يُهْبِطُ عليهم (7) منها، بَرَكَتْ به راحِلتُهُ. فقالَ الناسُ: حَلْ حَلْ. فألحَّتْ (8). فقالوا: خَلأتِ القَصْواءُ. خلأت القصواء (9)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خَلأَتِ القَصواءُ وما ذاكَ لها بِخُلُقٍ، ولكن حَبَسَهَا

(1) أبو داود: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (3058).

(2)

أبو داود: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (3072).

(3)

أراد قدر ما تعدو عدوة واحدة.

(4)

البخاري: (5/ 388)(54) كتاب الشروط (15) باب الشروط في الجهاد - رقم (2731).

(5)

في الأصل: الطرق.

(6)

القترة: الغبار الأسود.

(7)

عليهم: ليست في الأصل.

(8)

(حَلْ حَلْ): كلمة تقال للبعير إذا تركت المسير، ومعنى (فألحت) أي تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح.

(9)

(خلأت القصواء): لم تكرر في البخاري.

ص: 588

ْحَابسُ الفيلِ (1)"، ثم قال: "والذي نفسي بيدهِ، لا يسألوني (2) خُطَةً يُعَظِّمُونَ فيها حُرُماتِ الله إلا أعطيتهم إياها". ثم زَجَرَهَا فوَثبَتْ. قال: فَعَدَل عنهم حتى نزل بأقْصى الحُدَيبيَةِ على ثَمَدٍ (3) قليل الماءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرضًا (4) فلم يلبث (5) الناس حتى نَزَحُوهُ، وشُكِيَ إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم العَطشُ، فانتَزَعَ سهمًا من كِنانَتهِ ثم أمَرَهُم أن يجعلوهُ فيها (6)، فواللهِ ما زالَ يَجِيشُ لهم بالرَّيِّ حتى صدروا عنه (7) ، فبينما هم كذلك، إذْ جاءهم (8) بُدَيْلُ ابن وَرْقاءَ الخُزاعِيُّ في نفرٍ من قومِهِ من خُزاعَةَ- وكانوا عَيْبَةَ (9) نُصْح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهَامَةَ - فقال: إنيِّ تركتُ كعب بن لُؤَي وعامر بن لؤي نزلوا أعدادَ (10) ميِاهِ الحديبيةِ معهم العُوذُ المطَافِيلُ (11) وهم مُقاتلِوكَ وصادُّوك عن البيتِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَا لم نجئ لِقِتال أحدٍ، ولكنَّا جِئنا مُعتمرين، وإِنَّ قريشًا قد نهِكَتْهُمُ الحربُ وأضرَّت بهم، فإن شاءُوا مادَدْتهم مُدَّةً ويُخلّوا بيني وبين الناسِ (12)، فإن أظهر إن شاءُوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النَّاسُ فَعَلوا، وإلا فقد جَمُّوا (13). وإن هم

(1) أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة حبس الفيل عن دخولها.

(2)

في البخاري: (لا يسألونني)، والخطة: الخصلة.

(3)

(ثمد) يعني خُفيرة فيها ماء مثمود أي قليل.

(4)

التربض: هو الأخذ قليلًا قليلًا.

(5)

في البخاري: (فلم يلبثهُ).

(6)

في البخاري: (فيه).

(7)

(صدروا عنه) أي رجعوا.

(8)

في البخاري: (جاء).

(9)

(العيبة): ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره.

(10)

(الأعداد): جمع عدٍّ وهو الماء الذي لا انقطاع له.

(11)

(العوذ المطافيل): العوذ: جمع عائذ، وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها، يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا ورجحوا حتى يمنعوه، أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال، والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار.

(12)

د: (البيت).

(13)

(جمُّوا): أي قووا.

ص: 589

أبوا فوالذي نفسي بيدِهِ لأقاتلنهم على أمْري هذا حتى تَنْفَردَ سالِفَتي، وليُنفِذَنَّ اللهُ أمْرَهُ" فقال بُدَيْلْ: سأبلغُهُم ما تقولُ. فانطَلَقَ حتى أتى قُريشًا قال: إِنَّا قد (1) جِئْناكم مِن هذا الرَّجُل، وسمعناهُ يقولُ قولًا فإن شِئْتُم أنْ نَعْرِضَهُ عليكُمْ فعَلْنا. فقال سُفَهاؤهُم: لا حاجَةَ لَنَا أنْ تُخْبِرنا (2) عنه بشيءٍ. وقالَ ذوو الرَّأي منهم: هاتِ ما سَمِعْتَهُ يقولُ. قال: سمِعْتُهُ يقولُ: كذا وكذا. فَحَدَّثَهُم بما قال النبر صلى الله عليه وسلم. فقام عُرْوةُ بن مسعودٍ فقال: أي قَوْمِ، ألسْتُم بالوالِدِ؟ قالوا: بلى. قال: أو لَسْتُ بالوَلَدِ؟ قالوا: بلى. قال: هل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستُم تعلمون أني استنفرت أهلَ عُكاظَ، فلمّا بَلَّحُوا (3) على جئتُكُم بأهلى وولدي ومَن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنَ هذا قد عَرَضَ عليكم خُطَّةَ رُشْدٍ اقبلوها ودعوني آتهِ. قالوا: ائتِهِ. فأتاه فجعل يُكَلِّم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوًا من قولهِ لبُديل. فقالَ عُرْوَةُ عند ذلك: أي مُحمَّدُ، أرايتَ إِنِ استأصَلْتَ أمرَ قومِكَ، هل سَمِعْتَ بأحَدٍ من العَرَبِ اجْتاحَ أهْلَهُ قَبلكَ؟ وإن تَكُن الأخرى، فإنى واللهِ لا أرى وُجوها، وإنيِّ لَأرى أشوابًا (4) من الناسِ خَلِيقًا (5) أن يفروا عنك (6) ويدَعوكُ. فقال له أبو بكرٍ الصديق: امْصُصْ بَظر (7) اللاتِ، أنحنُ نَفِرُّ (8) ونَدعُهُ؟ فقال: من ذا؟ فقالوا: أبو بكر الصديق (9)، فقال: أما والذي نفسي بيد، لولا يَدٌ كانت لك عندي لم أجْزكَ بها لَأجَبْتُكَ. قال: وجعل يُكَلمُ النبي - صلى الله

(1)(قد): ليست في البخاري وليست في (د).

(2)

في البخاري: (تخبرونا).

(3)

بلحوا: أي امتنعوا، والتبلح: التمنع من الإجابة.

(4)

الأشواب: الأخلاط من أنواع شتى.

(5)

خليقًا: أي حقيقًا وزنًا ومعنى.

(6)

(عنك): ليست في البخاري.

(7)

البظر: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة وكانت عادة العرب الشتم بذلك.

(8)

في البخاري: (نفر عنه).

(9)

الصديق: ليست في (د).

ص: 590

عليه وسلم - فكلما تكلم، أخذ (1) بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومَعَهُ السَّيفُ وعليهِ المِغْفَرُ، فكُلَّما أهْوَى عُرْوةُ بِيدِهِ إِلى لِحْيَةِ النبي صلى الله عليه وسلم، ضَرَبَ يَدَهُ بنعْلِ السيفِ وقال (2): أخّر يَدَكَ عن لِحْيَةِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رأسَهُ فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرةُ بن شعبة. فقال: أيْ غُدَر، ألستُ أسعى في غَدْرَتِكَ؟ وكان المُغيرَةُ صَحِبَ قومًا في الجاهِليَّةِ فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسْلَمَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمَّا الإِسلام فَأقبَلُ وأما المال فلسْتُ مِنهُ في شيء"(3).

ثم إِنَّ عُروةَ جعل يَرْمُقُ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينَيْهِ. قال: فواللهِ ما تنخَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نُخامَةً إلا وَقَعَت في كفِّ رَجُل مِنهُم فدَلكَ بها وَجْهَهُ وَجِلْدهُ، وإذا أمرهم ابْتَدَرُوا أمْرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وضوئِهِ، وإذا تكلم خَفَضوا أصْواتَهُما عِنْدَهُ، وما يُحدُّون النظر إليه (4) تعظيمًا لَهُ. فرجعَ عُرْوةُ إلى أصحابِهِ فقال: أي قَوْمِ، واللهِ لقد وَفَدتُ على المُلوك، ووَفَدتُ على كسرى وقيصر (5) والنجاشيِّ، واللهِ إِنْ رأيتُ مَليكًا قطُّ يُعَظِّمُهُ أصحابُهُ ما يعَظِّمُ أصحابُ مُحمد مُحمَّدًا، واللهِ إِنْ تنخَّمْ نخامةً إلا وَقَعَتْ في كفِّ رَجُل منهُم فَدَلَكَ بها وجههُ وجِلْدَهُ، وإذا أمَرَهم ابتَدَروا أمْرَهُ، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وضوئِهِ، وإذا تكلم خفضوا أصواتَهُمُ عِنْدَهُ، وما يُحِدُّونَ النظر إليه تعظيمًا له، وإنّهُ قد عَرَضَ عليكم خُطةَ رُشدٍ، فاقبلوها (6) ،

فقال رجل من بني كنانَةَ: دعوتي آتيِهِ، قالوا: ائتِهِ، فلما أشْرَفَ على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا فلانٌ،

(1) في البخاري: (فكلما تكلم كلمة أحذ).

(2)

في البخاري: (وقال له).

(3)

(د): فلست في شيء منه.

(4)

في البخاري: (إليه النظر).

(5)

في البخاري: (على قيصر وكسرى).

(6)

د: فاقبلوها منه.

ص: 591

وهو من قوم يُعَظِّمونَ البُدْنَ. فابعثوها لَهُ". فبُعِثَتْ لَهُ، واستقبلَهُ الناسُ يُلَبّونَ. فلمَّا رأى ذلِكَ قال: سبحان اللهِ، ما ينبغى لِهؤلاءِ أن يُصَدُّوا عن البيتِ. فلما رَجَعَ إلى أصحابِهِ قال: رأيتُ البُدْنَ قد قُلدَتْ وأشْعِرَتْ، فما أرى أن يُصدُّوا عن البيتِ. فقام رجُلٌ منهم يُقالُ لَهُ مِكْرَزُ بنُ حَفْص فقال: دَعوني آتيهِ. فقالوا: ائتِهِ. فلمَّا أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مِكْرَز ابن حفص (1) وهو رجُلٌ فاجِرٌ". فجعل يُكَلِّمُ النبي صلى الله عليه وسلم. فَبَيْنَمَا هو يُكَلمُهُ إذ جاءَ سُهيل بن عمرو، قال عكرمة (2): لما جاء سُهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَهُل لكم من أمركُم". رجع إلى الحديث (3). قال: فجاء سُهيل بن عمرٍو فقال: اكتب (4) بيننا وبينكُمْ كتابًا. فَدعَا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتِبَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب (5) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فقال: سهيلٌ: أمَّا الرحمنُ فواللهِ ما أدْري ما هو، ولكن اكتُبْ باسمك اللهم، كما كُنتَ تكتُبُ، فقال المسلمون: واللهِ لا نكتُبُها إلا "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمِكَ اللهم"، ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ اللهِ"، فقال سهيلٌ: لو كنا (6) نعلمُ أنَّكَ رسُول اللهِ ما صَدَدْناكَ عن البيتِ ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "واللهِ إني لَرَسُولُ الله وإن كذَّبتُمُوني، اكتب محمَّدُ بنُ عبد اللهِ". قال (7): وذلك لقولِهِ لا يسألوني خُطَّةً يُعَظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أعطيتُهُم

(1)(ابن حفص): ليست في البخاري.

(2)

في البخاري: (فأخبرني أيوب عن عكرمة).

(3)

في البخاري: (قال معمر قال الزهري في حديثه).

(4)

في البخاري: (هات اكتب).

(5)

(اكتب): ليست في البخاري.

(6)

في البخاري: (والله لو كنا نعلم).

(7)

في البخاري: (قال الزهري).

ص: 592

إيَّاها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تُخلّوا بيننا وبين البيتِ فَنَطوفَ بِهِ". قال سُهيلٌ: والله لا تتحدَّثُ العربُ أنَّا أخذنا ضُغْطَةً، ولكن ذلك من العامِ المُقبِلِ (1)، فقال سُهيلٌ: وعلى أنه لا يأتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ -وإن كان على دينك- إلا رددتَهُ إلينا. قال المسلمون: سبحان اللهِ، كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاءَ مُسلمًا؟ فبينما هم كذلك، إذ دخل أبو جندل بن سُهيل بن عمرو يَرْسُفُ في قُيود، قد خرج من أسفل مكةَ حتى رمى بنفسه بين أظهُر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أوَّلُ ما أقاضيك عليه أن ترُدَّهُ إليَّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقضِ الكتاب بعد". قال: فوالله إذًا لم أصالحك على شيء أبدًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجِزْهُ لي"، قال: ما أنا بمُجِيز ذلك (2) لك. قال: "بلى فافعَلْ"، قال: ما أنا بِفاعِل. قال مِكْرَزٌ: بلى قد أجزنَاهُ لك. قال أبو جندلٍ: أيْ معشر المُسلمينَ، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جِئتُ مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيتُ؟ وكان قد عُذِّبَ عذابًا شديدًا في اللهِ. قال عمر بن الخطاب: فأتيتُ نَبي الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ألَسْتَ نَبىَّ الله حقًا؟ قال: "بلى". قلت: ألسنا على الحقِّ وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى" قُلتُ: فَلِمَ نُعطي الدَّنيَّةَ في ديننا إذًا؟ قال: "إني رسول الله ولستُ أعْصِيهِ، وهو ناصِرِي"، قلت: أو ليس كُنتَ تُحدِّثُنا أنَّا سنأتي البيتَ فنطوفُ بِهِ؟ قالَ: "بلى"، قال:"فأخْبَرتُكَ أنَّا نأتيه العامَ؟ " قلتُ: لا. قالَ: " فإتكَ آتِيهِ ومُطَوِّفٌ بهِ ". قال: فأتيتُ أبا بكرٍ فقلتُ: يا أبا بكرٍ، أليس هذا نبي الله حقًا؟ قال: بلى. قلتُ: ألسنا على الحقِّ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلتُ: فلم نعطي الدَّنيَّة في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجُلُ، إنَهُ رسُولُ الله وليس يَعْصِي رَبَّه، وهو ناصِرُه فاستمسِكْ بغرزِهِ فوالله إِنَهُ على الحَقِّ. قلتُ: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به، قال: بلى.

(1) في البخاري: (فكتب).

(2)

(ذلك): ليست في البخاري.

ص: 593

قال: فأخبرَكَ أنك تأتيهِ العام؟ قلتُ: لا. قال: فإنَّكَ آتيهِ ومُطوِّف بِهِ. قال عمر (1): فعملتُ لذلك أعْمالًا. قال: فلما فرغَ من قضيَّةِ الكتابِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا فانحَرُوا ثُمَّ احْلِقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجُلٌ حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلمَّا لم يقم منهم أحد دخل على أمِّ سَلَمَةَ فذكر لها ما لقى من النَّاس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرُج، ثم لا تُكَلِّم منهم أحدًا حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالِقَك فيحلقك. فخرج فلم يُكَلِّم أحدًا منهم (2) حتى فعل ذلك: نحر بُدْنَهُ ودعا حالِقَهُ (3). فلما رأوا ذلك قاموا فَنَحروا، وجَعَلَ بعضهُم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا. ثم جاءَهُ نِسوة مؤمناتٌ، فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءَكم المؤمنات مُهاجِراتٍ} حتى بلغ {بعصم الكوافِرِ} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشِّرك، فتزوَّجَ إحداهما مُعاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أُميَّة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، فجاءه أبو بَصيرٍ رجُلٌ من قريشِ وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجُلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفَعَهُ إلى الرجلينِ، فَخَرجَا بِهِ حتى بلغا ذا الحُليفة، فنزلوا يأكلون من تَمْرٍ لَهُم، فقال أبو بصيرٍ لأحد الرجلين: إني لأرى سيفك هذا جيدًا (4)، فاستلَّهُ الآخر فقال: أجل والله إنهُ لجيِّدٌ، لقد جرَّبت بِهِ ثم جربتُ (5) فقال أبو بصير: أرني أنظر إليهِ، فأمْكَنَهُ منه فَضَربَهُ به حتى بَرَدَ، وفرَّ الآخر حتى أتى المدينةَ، فدخَلَ المسجدَ يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه:"لقد رأى هذا ذُعْرًا"، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم

(1) في البخاري: (قال الزهري: قال عمر).

(2)

د: منهم أحدًا.

(3)

في البخاري: (ودعا حالقه فحلقه).

(4)

في البخاري: (والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا).

(5)

في البخاري: (لقد جربت به ثم جربت به ثم جربت).

ص: 594

قال: قُتِلَ والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قَدْ والله. أوْفى الله ذِمَّتك قد رددتنى إليهم، ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ويلُ أمِّه مسعَرَ حَرْبٍ لو كان لَه أحَدٌ"، فلما سَمِعَ ذلك عرف أنه سيردُّهُ. إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال وينفلت منهم أبو جندل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرُج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصيرٍ حتى اجتمعت معه منهم عِصابَة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لِقُريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالههم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُناشِدُهُ الله والرَّحِم لما أرسل فمن أتاهُ فهو آمِنٌ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل الله عز وجل:{وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} حتى بلغ {حَمِيَّةَ الجاهلية} وكانت حَمِيتهُم أنهم لم يُقرُّوا أنه نبي الله، ولم يقروا ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وحالوا بينه وبين البيت".

ذكر أبو داود (1) في هذا الحديث، ولم يذكره بكماله "أنهم أصطلحوا على وضع الحرب عشرة سنين يأمَنُ فيهن الناس وعلى أن بيننا عَيْبَة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال (2) ".

مسلم (3)، عن أنس، في هذا الحديث قال: اشترطوا على النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ من جاء مِنْكُمْ لم نرُدهُ عليكم، ومن جاءَكُمْ منَّا رَدَدْتُمُوهُ علينا. فقالوا: يا رسول الله! أنكتُبُ هذا؟ قال: "نَعَمْ. إنَّهُ من ذهب منَّا إليهم،

فأبْعَدَهْ الله. ومن جاءنا منهم سيجعل اللهُ له فرجًا ومَخْرَجًا".

(1) أبو داود: (3/ 210)(9) كتاب الجهاد (168) باب في صلح العدو - رقم (2766). من رواية المسور بن مخرمة.

(2)

الإسلال: السرقة، الإغلال: الخيانة.

(3)

مسلم: (3/ 1411)(32) كتاب الجهاد والسير (34) باب صلح الحديبية في الحديبية - رقم (93).

ص: 595

وعن البراء بن عازب (1) قال: لما حسر (2) النبي صلى الله عليه وسلم عند البيتِ، صَالَحَهُ أهلُ مكَة على أن يدخُلَهَا فيُقِيمَ بها ثَلَاثًا ولا يدخُلَهَا إلا بجُلُبَّانِ (3) السِّلَاحِ، السَّيْف وقِرَابهِ، ولا يخرُج بأحدٍ معهُ من أهلها. ولا يمَنَع أحدًا يمكثُ بها ممن كان مَعَهُ. قال لعلي:"اكتب الشرطَ بيننا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما قاضى عليهِ مُحمَّدٌ رسُولُ الله"، فقال المشركون: لو نَعْلَمُا أنَّك رسول الله تابعناك. لكن اكتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ فَأمَرَ عليًا أن يَمْحَاهَا. فقال علي: لا والله! ما أمحَاهَا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرِنِىِ مكانها" فأراه مكانها فمحَاهَا. فكتب "ابن عبد الله" فأقام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام: فلمَّا كان اليومُ الثالث، قالوا لعلي: هذا آخر يوم من شرطِ صاحِبِكَ فأمُرهُ فليخرج، فأخبره بذلك فقال:"نعم" فخرج.

أبو داود (4)، عن نعيم بن مسعود قال: سمعتُ (5) رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما يعني- لرسُوليَ مُسَيْلمة- حين قرأ كتاب مُسَيْلمة: "ما تقُولَانِ أنتما؟ " قالا: نقول كما قال، قال:"أمَا واللهِ لولا أنَّ الرُّسل لا تُقتل لضربتُ أعناقكما".

البخاري (6)، عن بَجَالة بن عبدة قال: أتَانَا كِتَابُ عمر بن الخطاب قبل موتِهِ بِسَنَةٍ، فَرِّقُوا بين كُل ذِي مَحْرَم من المجُوسِ، ولم يكن عمر أخذ الجِزْيَةَ من المجُوسِ حتى شهد عبد الرحمن بن عوف "أنَ رسُولَ الله - صلى الله عليه

(1) مسلم: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (92).

(2)

في مسلم: (لما أُحْصِرَ) وقال النووي في شرحه: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: أحصر عند البيت.

(3)

(جلبان السلاح): هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدًا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه في الرحل.

(4)

أبو داود: (3/ 192)(9) كتاب الجهاد (166) باب في الرسل - رقم (2761).

(5)

د: قال.

(6)

البخاري: (6/ 297)(58) كتاب الجزية والموادعة (1) باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب - رقم (3156).

ص: 596

وسلم - أخَذَهَا من مَجُوس هَجَر".

وعن عمرو بن عوف (1)، أنَّ سول الله صلى الله عليه وسلم بَعثَ أبا عُبيدَةَ إلى البحرين يأتي بجزْيتِهَا، وكان رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ صَاَلح أهْلَ البحرين وأمَّر عليهم العَلاءَ بن الحَضْرَميِّ، فَقَدِمَ أبو عُبَيْدَةَ بمَال من البحرين، فسمعت الأنصارُ بقُدُوم أبي عبيدة فوافوا (2) صَلاةَ الصّبحِ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا صلَّى بِهمُ الفجر انصَرَفَ، فتعرَّضُوا لَهُ، فتبسَّم رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين رآهُمْا وقال:"أظنُّكُمْا قدَ سَمعتُم أنَّ أبَا عبيدَةَ قَدْ جَاءَ بشيءٍ" قالوا: أجَلْ يا رسُول الله، قال:"فأبشِرُوا وأمِّلُوا ما يسُرُّكُمْ، فَواللهِ لا الفقر أخشى عليكُمْ، ولَكِنْ أخشى عليكُما أنَ تُبْسَطَ الدنيا عليكم (3) كما بُسِطَتْ على من كان قَبلَكُمْ-، فتنافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكم كَمَا أهْلَكَتْهُمْا".

النسائي (4)، عن قيس بن عُبادٍ قال: انطلقتُ أنا والأشتر إلى عليّ، فقُلْنَا: هل عهد إليك نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده إلى الناس عامَّةً؟ قال: إلا ما في كتابي هذا (5)، فأخرج كتابًا من قِرَابِ سَيْفِهِ، فإذا فيه "المؤمنُونَ تتكافؤ (6) دماؤُهُم، وهما يَدٌ على من سِوَاهُمْ. ويسعى بذمتهم أدْنَاهُمْ، ألا لا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده، من أحْدَثَ حَدَثًا فعلى نفسه، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

(1) البخاري: (6/ 297 - 298)(58) كتاب الجزية والموادعة (1) باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب - رقم (3158).

(2)

في البخاري: (فوافقت).

(3)

في البخاري: (عليكم الدنيا).

(4)

النسائي: (8/ 19)(45) كتاب القسامة (9) باب القود بين الأحرار والماليك في النفس - رقم (4734).

(5)

في النسائي: (قال: لا، إلا ما في كتابي هذا).

(6)

في النسائي: (تكافؤ).

ص: 597

وقال البخاري (1) في هذأ الحديث: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدنا فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل".

البخاري (2)، عن أم هانيءٍ بنت أبي طالب، قالت: قلتُ يا رَسُول الله زعم ابنُ أُمِّي عليٌ أنَّهُ قاتلٌ رجلًا قد أجَرْتُهُ، فلان هُبيرةَ. فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"قد أجَرنَا من أجَرتِ يا أُمَّ هانئٍ".

مسلم (3) ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من كُن فِيهِ كان مُنَافِقًا خالصًا، ومن كانت فِيهِ خلَّةٌ منهُنَّ كانت فيه خَلَّةٌ من نِفاق حتى يَدَعَهَا: إذا حَدَّثَ كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا خَاصَمَ فَجَرَ".

وعن أبي سعيد الخدري (4)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل غادر لِواءٌ يومَ القيامةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدرِ غَدرَته (5)، ألا وَلا غادِرَ أعظَمُ غدرًا من أمير عامَّةٍ".

وفي حديث ابن عمر (6)، "فيقال هذه غدرةُ فلان".

الترمذي (7)، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألَا

(1) البخاري: (6/ 322 - 323)(58) كتاب الجزية والموادعة (17) باب إثم من عاهد ثم غدر - رقم (3179).

(2)

البخاري: (6/ 315)(58) كتاب الجزية والموادعة (9) باب أمان النساء وجوارهن - رقم (3171).

(3)

مسلم: (1/ 78)(1) كتاب الإيمان (25) باب بيان خصال المنافق - رقم (106).

(4)

مسلم: (3/ 1361)(32) كتاب الجهاد والسير (4) باب تحريم الغدر - رقم (16).

(5)

في مسلم: (بقدر غدره).

(6)

مسلم: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (13).

(7)

الترمذي: (4/ 13)(14) كتاب الديات (11) باب ما جاء فيمن يقتل نفسًا معاهدةً - رقم (1403).

ص: 598

من قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهدةً (1) لَهُ ذمَّةُ الله وذِمَّة رسُولهِ فقدْ أخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فلا يُرَيح ريح (2) الجَنَّةِ وإِنَّ ريحها ليوجد من مسيرةِ سبعين خريفًا".

قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

مسلم (3)، عن حُذيفةَ بن اليمان، قال: ما منعني أن أشْهدَ بدرًا إلا أنّي خرجتُ وأبي حُسَيْلٌ (4)، فَأخَذَنا كُفَّارُ قُريشٍ. فقالوا: إنَّكُمْ تريدون محمّدًا؟ فقُلنا: ما نريدُهُ، ما نريدُ إلا المدينَةَ، فأخذوا مِنَّا عهد الله وميثَاقَهُ لننصرِفَنَّ إلى المدينةِ، ولا نقاتِلُ مَعَهُ فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرْنَاهُ الخبر فقال:"انصرفا نَفِي لهم بعهدِهِمْ ونستعِينُ الله عليهِم".

أبو داود (5)، عن أبي رافع قال: بَعَثتْنِي قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُلْقي في قلبي الإِسلام، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لا أخِيسُ بالعهْدِ (6)، ولا أحبس البُرُدَ ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع" قال: فذهبت، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلمتُ.

قال أبو داود: كان هذا في الزمان الأول، وأما اليومَ فلا يصلح.

وعن سليم بن عامر (7)، قال: كان بين معاوية والروم عهدٌ، وكان يسير

(1) الترمذي: معاهدًا.

(2)

الترمذي: (فَلا يُرَحْ رائحة)، (د): رائحة.

(3)

مسلم: (3/ 1414)(32) كتاب الجهاد والسير (35) باب الوفاء بالعهد - رقم (98).

(4)

في مسلم: (أنا وأبي حسيل).

(5)

أبو داود: (3/ 189 - 190)(9) كتاب الجهاد (163) باب في الإِمام يستجن به في العهود - رقم (2758).

(6)

أخيس بالعهد: أنقض العهد وأفسدهُ.

(7)

أبو داود: (3/ 190)(9) كتاب الجهاد (164) باب في الإِمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه - رقم (2759).

ص: 599

نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجلٌ على فرس أو برْذَوْنٍ (1) وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاءٌ لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عَبَسَةَ، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينَهُ وبين قومٍ عهد فلا يَشُدُّ عُقدةً ولا يحلها حتى يَنْقضِى أمدُها أو يَنْبِذَ إليهم على سَوَاء" فرجع معاوية رحمه الله.

وعن سفيان الثوري، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غُنْمٍ، قال: كتبت لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم ولا حولها (2) ديرًا ولا كنيسة ولا قلية (3) ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم، ولا يأووا جاسوسًا، ولا يكتموا غشًا للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شِركًا، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإِسلام إن أرادوه، وأن يوقِّروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيءٍ من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين، ولا فرق شعر ولا يتسمّوا بأسماء المسلمين، ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا سرجًا، ولا يتقلدوا سيفًا، ولا يتخذوا شيئًا من سلاح ولا ينقشوا خواتمهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزّوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيّهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليبًا، ولا شيئًا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربًا خفيفًا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة

(1) برذون: ضرب من الدواب، يخالف الخيل العراب عظيم الخلقة، غليظ الأعضاء، جمع براذين.

(2)

(د، ف) ولا ما حولها.

(3)

القَلِيَّة: كالصومعة، من بيوت عباداتهم، واسمها عندهم القلَّاية.

ص: 600

المسلمين، ولا يخرجوا شعانين (1)، ولا يرفعوا مواتهم أصواتهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، فإن خالفوا شيئًا مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاف.

البخاري (2)، عن عمر بن الخطاب، قال: وأوصِيهِ بذِمَّةِ الله وذمة رسُولِه صلى الله عليه وسلم أن يُوَفَّى لَهُمْا بِعَهْدِهم، وأن يُقَاتلَ مِنْ ورائهم، ولا يُكلَّفُوا إلا طاقتهم.

أبو داود (3)، عن عقبة بن عامر، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة صاحبُ مَكْسٍ" يعني الذي يَعْشُرُ الناس.

مسلم (4)، عن عمر بن الخطاب، أنَّهُ سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لأُخرجَنَّ اليَهُودَ والنَّصارى من جزيرةِ العربِ، حتَّي لا أدَعَ إلا مُسْلِمًا".

وعن أبي هريرة (5)، رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجِدِ، إذ خرج إلينا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انطلِقُوا إلى يهُودَ" فخرجنا مَعَهُ حتى جِئْنَاهُم، فقامَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فنادَاهُم: "يا معشر يهود!

(1) شعانين: عيد من أعياد النصارى يقع يوء الأحد السابق لعيد الفصح، بيت المَقدس- المعجم الوسيط ص 485.

(2)

البخاري: (6/ 196)(56) كتاب الجهاد والسير (174) باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يُسترقون - رقم (3052).

(3)

أبو داود: (3/ 349)(14) كتاب الخراج والإمارة والفيء (7) باب في السعاية على الصدقة - رقم (2937).

(4)

مسلم: (3/ 1388)(32) كتاب الجهاد والسير (21) باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب - رقم (63).

(5)

مسلم: (3/ 1387)(23) كتاب الجهاد والسير (20) باب إجلاء اليهود من الحجاز - رقم (61).

ص: 601

أسلمُوا تَسلمُوا" فقالوا: قد بلَّغْتَ يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك (1) أريد أسلموا تسلموا" فقالوا: قد بلَّغْتَ يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك (1) أريد فقال لهم الثالثة، فقال:"اعلَمُوا أنَّما الأرضُ لله ورسُولِهِ وأنيِّ أريد أن أُجْلِيكُمْ من هذه الأرض فمن وَجَدَ منكم بمالِهِ شيئًا (2)، وإلا فاعلمُوا أن الأرض لله ورسُولِهِ".

البخاري (3)، عن ابن عمر، قال: لمَّا فَدَعَ أهْلُ خيبر عبد الله بن عُمَرَ قامَ عمرُ خطيبًا فقال إنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان (4)، عَامَلَ يَهودَ (5) على أموالِهِم وقال:"نُقِرُّكُم ما (6) أقرَّكُم اللهُ" وإنَّ عبدَ الله بن عمر خرجَ إلى مالِهِ هناكَ فَعُدِيَ عَلَيهِ من الفَيلِ فَفُدِعَتْ يدَاهُ ورِجْلاهُ، وليس له هناك عدُوٌّ غيرهم، هم عَدُؤُنا وتُهمَتُنا، وقد رأيتُ إِجْلاءَهُم. فلمَّا أجْمَعَ عمر على ذلك أتاهُ أحدُ بَني أبي الحُقَيْقِ فقال: يا أمير المؤمنين، أتُخرِجُنا وقد أقَرنا مُحمدٌ وعاملنا على الأموالِ وشرط ذلك لنا؟ فقال له عُمرُ: أظننتَ أنيِّ نسِيتُ قَوْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا أُخرِجْتَ من خيبر تعدو بِكَ قَلوصُكَ ليلةً بعد ليلةٍ فقال: كان ذلك هُزَيْلةً من أبي القاسِمِ. فقال: كَذَبْتَ يا عَدُوَّ الله، فأجلاهم عُمَرُ وأعطاهم قيمة ما لهم من الثمرِ مالًا وإبلًا وعُروضًا من أقتابٍ وحبالٍ وغَيْر ذلِكَ.

(1) في مسلم: (ذلك)، وكذا (د).

(2)

في مسلم: (فمن وجد بماله شيئًا فليبعه).

(3)

البخاري: (5/ 385)(54) كتاب الشروط (14) باب إذا اشترط في المزارعة (إذا شئتُ أخرجتك) - رقم (2730).

(4)

كان: ليست في البخاري.

(5)

في البخاري: (عامل يهود خيبر) وكذا: (د).

(6)

(د): على ما.

ص: 602

وعن سُليمَانَ (1) بن أبي مسلم، عن سَعيد بن جُبَيْر، سَمِعَ ابن عبَّاس يقولُ: يومُ الخميسِ وما يومُ الخميسِ، ثمَّ بكى حتى فَي دمْعهُ الحصى. قلت: يا أبا عباس (2) وما يوم الخميس؟ قال: اشتدَّ برَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسلم - وجَعُهُ فقال: "ائْتُوني بكَتفٍ أكتُبُ لكُمْ كتابًا لا تضلوا بعدَهُ فتنازَعُوا، ولا ينْبغي عند نبيٍّ تنازع". فقالوا: مالَه؟ أهَجَرَ؟ استفهموه. فقال: "ذروني، الذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني إليْه" فأمرهم بثلاث قال: "أخْرجُوا المشركينَ من جزيرةِ العَرَبِ، وأجيزُوا الوفدَ بنحو ما كنتُ أجيزهم" والثالثة إمَّا سَكَتَ عَنْهَا، وإما قالها فنسيتُهَا. النسيان هو من سليمان بن أبي مسلم، كذا قال البخاري: عن سفيان بن عُيينة.

الترمذي (3) عن قيس بن ألى حازم، عن جرير بن عبد الله (4)، قال: بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خَثْعَمٍ، فاعتصم ناسٌ بالسجود، فأسرع فيهم القتلُ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العَقلِ، وقال:"أنا بريءٌ من كل مسلم يُقيمُ بين أظهُرِ المشركِينَ" قالوا: يا رسول الله! ولِمَ؟ قال: "لا ترايا (5) ناراهُمَا".

هذا يروى مرسلًا عن قيس بن أبي حازم.

تم كتاب الجهاد (6).

(1) البخاري: (6/ 312)(58) كتاب الجزية والموادعة (6) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب - رقم (3168).

(2)

البخاري: يا ابن عباس.

(3)

الترمذي: (4/ 132 - 133)(22) كتاب السِّير (42) باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين - رقم (1604).

وأخرجه أبو داود: (3/ 104)(9) كتاب الجهاد (105) باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود - رقم (2645).

(4)

الأصل: أبي عبد الله.

(5)

كذا في الترمذي (وفي الأصل، ف) ترآأى أما في (د): ترآءى.

(6)

ليس في (د، ف).

ص: 603