الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المعرب
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبمنه وكرمه تكمل الأهداف والغايات، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق من فوق سبع سماوات، وعلى الأنبياء والمرسلين كافة، وعلى الأصحاب الغر المحجلين، وآل نبينا وأزواجه المطهرات.
وبعد: فإن أخص ما يبهر طالب العلم في سيرة أم المؤمنين عائشة (ض) هو علم زاخر كالبحر بعد غور، وتلاطم أمواج، وسعة آفاق، واختلاف ألوان، فما شاء امرؤ من تمكن في فقه أو حديث أو تفسير، أو علم بشريعة، أو آداب، أو شعر، أو أخبار، أو أنساب، أو مفاخر، أو طب، أو تاريخ، إلا هو واجد منه ما يدهشه عند هذه العبقرية الفذة، ولن يقضي عجبا من اضطلاعها بكل ذلك وهي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها.
ومن هنا نوقن أن حياة أم المؤمنين بنت مجدا باذخا لتاريخ المرأة العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتها وحدها كفيلة بملء تاريخ كامل، فلا نجد في عبقريات الرجال والنساء في تواريخ الأمم ما يداني مكانة أم المؤمنين (ض).
فمن هذا شأنها وهذه مكانتها وتلك درجتها وعظمتها كانت أحق وأجدر بأن تدرس حياتها، ويهتم بإبراز أهم خصائص شخصيتها، وذكر مناقبها وفضلها على الأمة الإسلامية جمعاء، بل هو دين في عنق الأمة يجب أن تقوم بأدائه.
وفي اعتقادي إن كتاب كبير علماء الهند في عصره وشيخ الندويين العلامة السيد سليمان الندوي (ح) أولى المحاولات من نوعها لأداء هذا الدين، وكشف الستار عن مكانة هذه العبقرية الفذة والشخصية العظيمة التي صنعت العظائم، كيف لا! وقد ظفرت بالرعاية التي هي خلاصة الكرامة التي هيأتها لبناتها حمية البداوة، وصقلتها مع الزمن شمائل الحضر ومآثر الشرف والسيادة.
وقد تبع الشيخ الندوي (ح) علماء (1) كتبوا عن سيرة وشخصية أم المؤمنين (ض) إلا أن كتاباتهم تأتي في إطار خاص، وتتناول جوانب معينة، ومعظمها لا يتجاوز سرد الوقائع والأحداث الواقعة في حياتها.
أما كتاب الشيخ الندوي فهو في رأيي بمثابة موسوعة علمية وحضارية وثقافية لعصر أم المؤمنين وحياتها، يبرز كل جانب من جوانب حياتها من العلم والفقه والاجتهاد والتوجيه والإرشاد، والاجتماع والسياسة، بالإضافة إلى تقديم نموذج مثالي للعشرة الزوجية المتكاملة، التي من حقها أن توصف بأنها حياة زوجية سعيدة، لأننا لا نعرف بين أزواج الهداة والعظماء من ظفرت بأسعد منها، أو كانت أرضى من أم المؤمنين عن حياتها.
ولما طلع هذا السفر العظيم (كتاب سيرة عائشة) على منصة العلم والأدب، الذي فاض به القلم السيال من صاحب القدم الراسخ والعقل الثاقب والفكر الناقد نسيج وحده الشيخ الندوي، كان ذلك منا منه على سائر الأوساط العلمية، وإضافة جديدة لذخائر المكتبة الأردية، وفضلا عظيما على
(1) ومن هؤلاء العلماء: الكاتب المشهور والأديب النقاد عباس محمود العقاد الذي ألف كتابه ((الصديقة بنت الصديق)) وقد طبع في دار المعارف بمصر عام 1958 م، والأستاذ سعيد الأفغاني الذي ألف كتابه ((عائشة والسياسة))، ثم جاء بعده الأستاذ عبد الحميد طهماز وألف كتابه ((السيدة عائشة أم المؤمنين وعالمة نساء الإسلام)) وطبع ضمن سلسلة ((أعلام المسلمين)) تحت إشراف ورعاية صاحب السعادة الأستاذ محمد علي دولة الموقر حفظه الله تعالى، وذلك في دار القلم دمشق، الطبعة الخامسة عام 1415 هـ 1994 م.
كل النساء المؤمنات اللاتي كن يتطلعن إلى سيرة عظيمة ترشدهن إلى الأسوة الفاضلة والقدوة المثالية.
وهل تجد المرأة المسلمة قدوة أعلى وأمثل وأفضل من قدوة أم المؤمنين عائشة الصديقة (ض) عبر التاريخ الإسلامي بأسره؟؟.
ظهر هذا الكتاب لكي ينفخ روحا جديدة في النساء المسلمات، فيجدن بغيتهن في سائر مجالات الحياة، ويقوم بإحياء تلك السنن الشريفة التي تناساها الناس على مر الأيام والعصور، ويذكر شقائق الرجال بتلك الدروس والعبر والسير التي ينبغي للمرأة المسلمة الاحتفاظ بها والعض عليها بالنواجذ. وفعلا كان هذا محاولة ناجحة، وخير اختيار من مؤلف قدير، كتب فأدى حق الكتابة، وأجاد وأفاد.
إلا أن هذه الدرة النادرة الثمينة والخدمة العلمية القيمة ظلت حبيسة اللغة الأردية، واقتصر نفعها على الناطقين بالأردية فحسب، وكانت الحاجة ماسة إلى نقل هذا التراث العلمي والكنز الثمين إلى لغات العالم كلها، وعلى رأسها اللغة العربية، لغة الكتاب والسنة، وذلك لكي يعم نفعه، ويشيع خيره في الجميع.
وبحمد الله وعونه وفضله علينا أننا اليوم نتشرف بنقل هذا السفر المبارك إلى اللغة العربية وخدمته الخدمة العلمية اللائقة، وبالتالي تقديمه إلى إخواننا العرب، علما أن فن الترجمة والتعريب من الفنون الصعبة التي قلما يتكلل فيه المترجم بالنجاح، إلا إذا كان عنده إلمام بروح الكتاب الذي يترجمه وبمقاصده، وإدراك بما له وما عليه، ودراية كاملة بالموضوع الذي يعالجه الكتاب.
وعلى هذا فهذه محاولة متواضعة وجهد علمي من طالب علم لا يملك الشيء الكثير من المران والممارسة في هذا الفن، إلا أنه قام به وشمر عن ساعد الجد متوكلا على الله الموفق والمعين، ومستجيبا لدعوة من لا ترد دعوته.
هذا وقد كان منهجي في ترجمة الكتاب وتحقيقه وتخريج أحاديثه حسب الخطة الآتية:
1 -
الترجمة الحرفية لكل ما تناوله المؤلف (ح) دون زيادة أو نقصان، إلا إذا مست الحاجة إلى شيء من ذلك.
2 -
عزو الآيات القرآنية إلى السور وأرقام الآيات.
3 -
نقل نصوص الحديث الشريف حرفيا من المصادر الأصلية.
4 -
تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب تخريجا علميا دقيقا بمراجعة الكتب الأصول في الحديث، والتزمت بذكر المصدر والكتاب الذي ورد فيه الحديث ورقم الحديث، وذلك إذا كان الحديث في الكتب التسعة أو أحدها، أما إذا كان الحديث في كتب السنن الأخرى والمسانيد والمعاجم والمجامع والمستدركات وغيرها فأعزوه إلى جزء الكتاب وصفحته وكذلك رقم الحديث، والباب الذي ورد فيه الحديث.
5 -
الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف في بعض الأماكن حيث تبين لي ذلك من خلال أقوال المحدثين وفي ضوء آراء علماء الفن.
6 -
عدم الاقتصار على المصدر الذي أحال إليه المؤلف في الهامش أو استفاد منه، وإنما حاولت أن أراجع أغلب مظان الحديث، والمراجع المتوفرة.
7 -
هناك مراجع أحال إليها المؤلف بصدد رواية أو حديث، لكن تلك الرواية ضعيفة بسند ذلك المرجع، فأشرت إلى من رواه بسند صحيح وذكرته إن اقتضت الحاجة، ثم أتبعته بما ذكره المؤلف.
8 -
نقل الروايات التاريخية بنصوصها من مصادرها الأصلية، دون الاقتصار على مرجع واحد، إن وجد غيره.
9 -
ذكر نصوص الأحاديث التي لم يتناولها المؤلف في صلب الكتاب وإنما أشار إليها فقط للاستدلال على شيء معين أو إثبات حكم خاص.
10 -
التعليق على بعض المواضع من الكتاب مما دعت الحاجة إليه لتوضيح رأي أو إبداء وجهة خاصة.
11 -
ذكر لمحة موجزة عن حياة المؤلف وآثاره العلمية ومآثره الخالدة، وكلمة عن كتاب ((سيرة عائشة)).
12 -
عمل فهرس لموضرعات الكتاب.
13 -
عمل فهرس للمصادر والمراجع التي استقيت منها في ترجمة وتحقيق هذا الكتاب.
وأخيرا أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل مني هذا الجهد العلمي المتواضع، ويجعله خالصا لوجهه الكريم وينفع به، وأصلي وأسلم على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدوحة 26/ 1 /1423 هـ
كتبه
العبد الفقير إلى الله
محمد رحمة الله الندوي