الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت أرضى من عائشة (ض) عن حياتها، فنرى أنه في طوال هذه السنين لم تمتزج هذه الحياة قط بكدر أو مساءة، ولم يعكر صفاء علاقتها بالنبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياتها في كنفه سوى واقعة الإيلاء، فكانت الحياة يسودها أسمى معاني الحب، وجو المودة واللطف والمؤانسة والوفاء العالي، ولا سيما إذا تصورنا ما كانت عليه الأسرة النبوية من عسر وشدة وشظف في العيش، والصبر على ضروراته، والقناعة، ومغالبة الهوى، والبعد عن الترف ونعمة العيش، فتزداد قيمة هذا الإخلاص والمودة وتسمو مكانة الحب والوفاء.
الزوجة الحبيبة:
كانت عائشة (ض) من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة (ض) أجمعين قد علموا حبه إياها وأقروا لها بذلك، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحرون يوم عائشة (ض)(1)، وقد أثار ذلك غيرة أمهات المؤمنين، ووقعت الغيرة التي لا محيص منها بين الزوجات، فدعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر، فكلمته، فقال:((يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى، فرجعت إليهن فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه فأبت أن ترجع)) (2). ثم توسلن بأم سلمة (ض) أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دار عليها كلمته، فقال:((لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن إلا في لحاف عائشة)) (3).
أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة هدية فيها قلادة من جزع، فقال: ((لأدفعنها
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الهبة برقم 2581، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة برقم 2441، والترمذي في سننه كتاب المناقب برقم 3879.
(2)
صحيح البخاري كتاب الهبة برقم 2581.
(3)
صحيح البخاري كتاب المناقب برقم 3775، سنن النسائي كتاب عشرة النساء برقم 3950، سنن الترمذي كتاب المناقب 3879.
إلى أحب أهلي إلي))، فقالت النساء: ذهبت بها ابنة أبي قحافة، لكن حب النبي صلى الله عليه وسلم الزكي الطاهر الخالص لم يظهر قط في لمعان الزينة الظاهرية وروعة المجوهرات الغالية، فدعا أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها (1).
وهذا عمرو بن العاص (ض) قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، فلما أتى سأل: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها (2).
دخل مرة عمر (ض) على حفصة فقال: ((يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، يريد عائشة)) (3). ومرة شرد بها الجمل أثناء الطريق، فقلق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:((واعروساه)) (4).
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها فقالت: وارأساه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل أنا وارأساه))، ومنذ ذلك الحين بدأ مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه (5).
وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد في مرض موته - وفي رواية ((ليتعذر)) - أين أنا اليوم، أين أنا غدا، استبطاء ليوم عائشة (ض)(6)، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 101 برقم 24748 و6/ 261 برقم 26292.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب برقم 3662 وكتاب المغازي برقم 4358، ومسلم كتاب فضائل الصحابة برقم 2384، والترمذي في سننه كتاب المناقب رقم 3885.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب النكاح باب حب الرجل بعض نسائه برقم 5218، ومسلم في صحيحه كتاب الطلاق برقم 1479، والترمذي كتاب تفسير القرآن برقم 3318.
(4)
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عائشة (ض) قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كنا بالحرة، انصرفنا وأنا على جمل، وكان آخر العهد منهم، وأنا أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهري ذلك السمر، وهو يقول: واعروساه
…
الحديث، 248/ 6 برقم 26155.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المرضى برقم 5666، وابن حبان في صحيحه باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم 14/ 551 برقم 6586، والدارمي في سننه باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
برقم 80.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز برقم 1389، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة برقم 2443.