الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالطريق، وأراد أن يعترضهم، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين.
فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء النجاء، فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب، فارتحلوا.
هذه رواية الطبري (1) وما شاكله من كتب التاريخ.
وقد أخرج الإمام أحمد هذه القصة بلسان عائشة (ض) نفسها أنها أتت على الحوأب وسمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا:((أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب))؟ فقال لها الزبير: ترجعين؟ عسى الله عز وجل، أن يصلح بك بين الناس (2)، وفي رواية أخرى:((فقال بعض من كان معها بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم)) (3) وهذه الروايات خير دليل على أن مسيرة عائشة (ض) كان الغرض الأساسي منها هو الإصلاح بين الناس لا غير.
أوضاع المسلمين في الكوفة:
كانت الكوفة أكبر بلاد المسلمين بعد مكة والمدينة والبصرة، وكان واليها أبو موسى الأشعري (ض)، وزعماء الفريقين يحاولون إقناع العامة بما يرونهم، ودعوتهم إليهم كل على حدة، فجاء الناس إلى أبي موسى الأشعري (ض) يستشيرونه في الخروج، فقال أبو موسى: ((كان الرأي بالأمس
(1) تاريخ الطبري 3/ 11.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده 97/ 6 برقم 24698، كما أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 129 برقم 4613، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 234 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، وإسحاق بن راهويه في مسنده 3/ 891 برقم 1569 ونعيم بن حماد في الفتن 1/ 83 برقم 188. (وانظر كذلك الهامش السابق).
(3)
مسند الإمام أحمد 92/ 6 برقم 24299، هذا وروايتا أحمد عن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، واختلفت أقوال المحدثين في قيس بين التوثيق
والتجريح، ووصفه البعض بأنه ضعيف منكر الرواية ساقط الحديث، وتكلموا في صحة روايته هذه عن الحوأب، (انظر تهذيب التهذيب 8/ 346 رقم الترجمة 691).
ليس باليوم، إن الذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جر عليكم ما ترون، وما بقي إنما هما أمران: القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا)). وكتبت عائشة (ض) إلى الكوفة مع رسولهم، وأرسل علي (ض) عمارا ومعه الحسن (ض) إلى الكوفة، فخطب عمار في جامع الكوفة حول الأوضاع الراهنة، وبين مناقب أم المؤمنين (ض)، ثم قال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى طلحة والزبير، وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة، فانظروا ثم انظروا في الحق، فقاتلوا معه، ثم قام الحسن بن علي فقال: ياأيها الناس أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم، فأجيبوا دعوتنا على ما ابتلينا به وابتليتم، فسامح الناس وأجابوا ورضوا به، وأثر فيهم هذا الخطاب تأثيرا عجيبا، ونفر معهم تسعة آلاف، فأخذ بعضهم البر وأخذ بعضهم الماء.
إلا أن الناس كانوا مترددين إلى أي جانب يميلون ومع من يروحون، لأنهم وجدوا أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب، وابن عم الرسول وصهره في جانب آخر.
ولما وصلت عائشة (ض) قرب البصرة، أرسلت بعض الناس لكي يخبروا الناس بالواقعة، كما كتبت إلى رؤساء وسادات العرب في البلاد، وذهبت إلى بعض الرؤساء، وقد امتنع رئيس من قبيلة ما، فذهبت إليه عائشة (ض) بنفسها وأقنعته فقال: أنا أستحيي أن أرفض أمي ولا أطيع أمرها (1)، وكان عثمان بن حنيف قد ولاه علي (ض) البصرة، فدعا عثمان عمران بن حصين وألزمه بأبي الأسود الدؤلي فقال: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها، فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس فاستأذنا فأذنت لهما، فسلما وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت (ض): ((والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من
(1) ذكر في الأخبار الطوال ((أن كعب بن سور قعد عنهم في أهل بيته حتى أتته عائشة في منزله فأجابها وقال: أكره ألا أجيب أمي)).
انظر: الأخبار الطوال، لأبي حنيفة أحمد بن دواد الدينوري، تحقيق عبد المنعم عامر ص (144) ط: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة 1960م.
أهل الأمصار ونزاع القبائل، غزوا حرم رسول الله، وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين، غير نافعين ولا متقين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، وما فيه الناس وراءنا، ولا ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره)) (1).
فخرج أبو الأسود وعمران من عندها، فأتيا طلحة، فقالا: ما أقدمك؟
قال: الطلب بدم عثمان، قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى، والعج في عنقي وما أستقيل عليا، إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان، ثم أتيا الزبير وسألاه نفس السؤال، فأجابهما الزبير بما أجاب طلحة، فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت:((يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار، {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8])).
وقد أثر كلام عائشة (ض) في عمران، واعتزل عن المعركة، وقال لعثمان: والله لتعركنكم عركا طويلا، ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء، فقال له عثمان: فأشر علي يا عمران! قال: إني قاعد فاقعد، فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي وانصرف إلى بيته، ثم نادى في الناس، وأمرهم بالتهيؤ، ولبسوا السلاح، واجتمعوا إلى المسجد الجامع.
وأقبل عثمان على الكيد، فكاد الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ، وأمر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: ياأيها الناس أنا
(1) تاريخ الطبري 14/ 3.