الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيئا، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا عائشة من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك)) (1).
تجنب المدح والإطراء:
كانت (ض) تكره الثناء عليها بنفسها، كما لا تحب أن يثني عليها أحد عند حضورها، وقد استأذن عليها ابن عباس (ض) في مرضها الذي ماتت فيه، لكنها عرفت أنه يأتي يمدحها ويثني عليها فرفضت أن تأذن له، ثم أذنت له بعدما شفع فيه بعض الناس، فلما دخل عليها ابن عباس بدأ يثني عليها فقالت:((وددت أني كنت نسيا منسيا)) (2).
الإباء والأنفة:
ومع هذا التواضع وانكسار النفس فإنها كانت أبية النفس، وقد تشتد فيها هذه الصفة بإزاء الآخرين، وتتحول إلى تدلل الحبيب إلى حبيبه عند النبي صلى الله عليه وسلم ولنذكر هنا موقفها (ض) في حادث الإفك لما نزلت براءتها من فوق سبع سماوات كان أول كلمة تكلم بها النبي يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك، وتلا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
قالت لها أمها: قومي إليه، فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل الذي أكرمني بإنزال براءتي (3).
وكذلك نذكر موقفها الأبي من النبي صلى الله عليه وسلم حينما تغضب عليه فلا تحلف بـ
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 77/ 6 برقم 24524 و6/ 259 برقم 26276، كما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 100 وقال: رجاله ثقات، إلا أن المطلب بن عبد الله مدلس، واختلف في سماعه من عائشة، كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 184/ 6 برقم 11823 وفي شعب الإيمان 282/ 3 برقم 3555، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب 339/ 1 رقم 1250.
(2)
تقدم تخريجه قريبا.
(3)
يراجع حديث الإفك، ص 126.
((ورب محمد)) وإنما كانت تحلف فتقول: ((لا ورب إبراهيم)) (1) كل ذلك من أنواع وطرق التدلل للحبيب، ينبغي أن ينظر إليه بنظرة العلاقة الزوجية.
كان عبد لله بن الزبير يخدم عائشة (ض) ومن أحب البشر إليها وأبر الناس بها، وكان من عادتها (ض) أنها لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت به، فقال لها ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذ على يدي؟ علي نذر إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة فامتنعت (2).
قلما يوجد شخص يكون أبيا صاحب غيرة وأنفة، ويكون عادلا منصفا في الوقت نفسه، فاجتماع صفة الإباء والعدل في وقت واحد في شخص يعد من النوادر، ولا ينالها إلا من حاز أعلى درجات الأخلاق النبيلة وقمة السلوك الطيب، إلا أن عائشة (ض) التي ربتها اليد النبوية الكريمة، كان من أهم خصائصها ومميزاتها الجمع بين تلك الصفات وأنواع الأخلاق التي ظاهرها التضاد ويصعب على كل من هب ودب أن يجمعها، وبالتالي فكانت (ض) تتصف بصفة العدل والإنصاف مع كونها أبية النفس، فقد أخرج الإمام مسلم (ح) في صحيحه عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: اما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)) (3).
(1) أخرج البخاري في صحيحه كتاب النكاح برقم 5228 وكتاب الأدب برقم 6078، صحيح الإمام مسلم كتاب فضائل الصحابة برقم 2439.
(2)
صحيح البخاري باب مناقب قريش برقم 3505.
(3)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر برقم 1828، وابن حبان في صحيحه 313/ 2 برقم 553.