الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
وفاة عائشة رضي الله عنها
إن نهاية إمارة معاوية (ض) كانت آخر أيام حياة عائشة (ض). وكانت قد بلغت من العمر سبعا وستين سنة، ومرضت في شهر رمضان المبارك سنة ثمان وخمسين من الهجرة، فإذا سئلت: كيف أصبحت؟ قالت: صالحة الحمد لله (1)، وكل من يعودها يبشرها فترد عليه قائلة: يا ليتني كنت حجرا، يا ليتني كنت مدرة.
واستأذن عليها ابن عباس (ض) في مرضها فأبت أن تأذن له، فقال لها بنو أخيها: ائذني له، فإنه من خير ولدك، قالت: دعوني من تزكيته، فلم يزالوا بها حتى أذنت له، فلما دخل عليها قال: إنما سميت أم المؤمنين لتسعدي، وإنه لاسمك قبل أن تولدي، إنك كنت من أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، وما بينك وبين أن تلقي الأحبة إلا أن تفارق الروح الجسد، ولقد سقطت قلادتك ليلة الأبواء، فجعل الله للمسلمين خيرة في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم، ونزلت فيك آيات من القرآن، فليس مسجد من مساجد المسلمين إلا يتلى فيه عذرك آناء الليل وآناء النهار، فقالت: دعني من تزكيتك لي يا ابن عباس، فوددت أني كنت نسيا منسيا (2).
وقالت عند وفاتها: ((لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع، لا
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 75/ 8.
(2)
أخرج الجزء الأول من الحديث الإمام البخاري في صحيحه كتاب المناقب برقم 3771 وكذلك في كتاب تفسير القرآن سورة النور.
وقد أخرجه كاملا الحاكم في المستدرك 9/ 4 برقم 6726 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والإمام أحمد في مسنده 1/ 220 برقم 1905.
أزكى به أبدا)) (1)، وفي رواية ابن سعد:((إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادفنوني مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم)) (2) كما أمرت أن تدفن من ليلتها.
وأخرج الإمام محمد في (الموطأ) قيل لعائشة (ض): لو دفنت معهم؟ قال: قالت: ((إني إذا لأنا المبتدأة بعملي)) (3).
توفيت (ض) سنة ثمان وخمسين، ليلة سبع عشرة من شهر رمضان بعد الوتر، الموافق يونيو عام 678م، فاجتمع الناس وحضروا فلم تر ليلة أكثر ناسا منها.
عن عثمان بن أبي عتيق عن أبيه قال: ((رأيت ليلة ماتت عائشة ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد)) (4) وسمعت أم سلمة (ض) الصرخة فقالت لجارية: اذهبي فانظري، فقالت: وجبت، فقالت أم سلمة: والذي نفسي بيده لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها (5)، وفي رواية الطيالسي: سمعت أم سلمة الصرخة على عائشة فأرسلت جاريتها: انظري ماذا صنعت؟ فجاءت فقالت: قد قضت، فقالت: يرحمها الله، والذي نفسي بيده لقد كانت أحب الناس كلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها (6). وكان أبو هريرة (ض) والي المدينة بالنيابة فصلى على عائشة (ض)، ونزلها في القبر كل من القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عتيق، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، ودفنت بالبقيع (7)، وقامت القيامة في المدينة المنورة لأفول شمعة من شموع المدينة. يقول
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز برقم 1391 وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم 7327.
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك 7/ 4 برقم 6717، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وابن سعد في الطبقات الكبرى 8/ 74.
(3)
موطأ الإمام محمد برقم 973 باب النوادر ص 311.
(4)
الطبقات الكبرى لابن سعد 77/ 8.
(5)
أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 15 برقم 6746.
(6)
أخرجه الطيالسي في مسنده 224/ 1.
(7)
الطبقات الكبرى لابن سعد 77/ 8.