الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الإفتاء:
ما سبق من الأدلة على فضل عائشة (ض) وكمالها في مختلف المباحث وتحت عديد من العناوين يصور لنا بكل وضوح حياة عائشة (ض) بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبإمكاننا أن ندرك كيف أنها قضت بقية عمرها كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين ومثابة للزوار والطالبين، وقدوة يقتدى بها في سائر المجالات والشؤون، لكن من حسن حظنا أن خزانة تراثنا الإسلامي غنية بتلك الشهادات المسجلة القاطعة والحاسمة التي تؤكد لنا وتجعلنا نقطع بالقول إن عائشة (ض) كانت مرجع الصحابة في كل شيء، وما أشكل عليهم شيء من الحديث أو الفقه إلا وجدوا عندها منه علما، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.
تقسيم ابن قيم علماء الصحابة المفتين:
هذا وقد صنف المحدثون علماء الصحابة إلى ثلاث طبقات، وذلك نظرا إلى قلة أو كثرة فتاواهم: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط)):
المكثرون من الفتيا: والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس (ض). قال أبو محمد ابن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم، قال: وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن عباس (ض) في عشرين كتابا، وأبو بكر محمد المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
المتوسطون في الفتيا: قال أبو محمد: والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير (ض)
…
الخ.
المقلون في الفتيا: والباقون منهم مقلون في الفتيا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك .... وهم أبو الدرداء، وأبو اليسر، وأبو سلمة المخزومي، وأبو عبيدة بن الجراح، والحسن، والحسين ابنا علي، والنعمان بن بشير، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو طلحة، وأبو ذر، وأم عطية، وصفية أم المؤمنين، وحفصة، وأم حبيبة رضي الله عنهم أجمعين ....)) (1). عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين:
كانت أم المؤمنين عائشة (ض) قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.
يقول القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة:
((كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت يرحمها الله)).
وحتى عمر الفاروق رضي الله عنه الذي كان مجتهد الإسلام والدين لم يستغن عن هذه المشكاة التبوية: ((كانت عائشة تفتي في عهد عمر، وعثمان إلى أن ماتت يرحمها الله، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر، وعثمان بعده، يرسلان إليها فيسألانها عن السنن)) (2).
وكما هو معروف أن كل صحابي لم يكن مسموحا له بالإفتاء في عهد عمر رضي الله عنه، بل كان ذلك الأمر إلى البعض من خاصة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين كانوا يفتون، وهذا يدلنا على مدى اعتماد عمر (ض)
(1) إعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله 12/ 1، 13، ط: دار الجيل بيروت
1973م.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد 375/ 2.
على عائشة أم المؤمنين والاعتراف بفضلها ومكانتها العلمية وسعة اطلاعها ومعرفتها.
وهذا الأمير معاوية (ض) كان والي دمشق، وكان إذا أشكل عليه شيء يرسل إلى أم المؤمنين يستفسرها عنه (1)، وفي بعض الأحيان يكتب إليها يستنصحها، أخرج الإمام الترمذي في سننه:((كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين (ض) أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت عائشة (ض) إلى معاوية: سلام الله عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام عليك)) (2).
كانت المدينة المنورة مقر كبار الصحابة ومركزهم، وقد بقي في المدينة حتى خلافة الشيخين كل من عثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وأمثالهم من كبار الصحابة وعلماء الإفتاء (ض) أجمعين، فلما تولى عثمان (ض) الخلافة، توفي معظم هؤلاء الكبار من الصحابة.
وبدأ عصر الشباب منهم، وكان على رأس قائمتهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير، وأبو هريرة (ض) أجمعين وكما مر معنا فإن عائشة (ض) قد حازت على منصب الافتاء منذ صغرها في زمن كبار الصحابة (ض)، وكان جلة الصحابة يراجعونها في معضلات الأمور، أخرج الإمام الترمذي عن أبي موسى الأشعري (ض): ((ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة
(1)(فأخبرته معاوية بن أبي سقيان (يقصد حديث استشهاد عثمان (ض)) فلم يرض بالذي أخبرته، فكتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا)) (مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/ 86).
(2)
سنن الترمذي باب ما جاء في حفظ اللسان برقم 2414.
إلا وجدنا عندها علما)) (1)، وأخرج الإمام ابن سعد:((يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، ويقول التابعي الجليل مسروق:((أي والذي نفسي بيده لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض)) (3).
حتى أمثال ابن عباس، وابن عمر (ض) الذين كانوا يدانونها في الاجتهاد والفقه كذلك يسألونها في بعض القضايا ويتأكدون منها فيها (4)، وكذلك أبو موسى الأشعري (ض) الذي يعد من علماء الصحابة لم يكن في غنى عنها (5).
كانت المدينة المنورة قلب بلاد الإسلام، فكان الناس يقصدونها من مشارق الأرض ومغاربها ليتشرفوا بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم فيأنسوا بجواره ويتبركوا بآثاره، وينالوا شرف زيارة أم المؤمنين عائشة (ض)، وكانوا يأتون من بلدان بعيدة وأجنبية، لا يكون عندهم اطلاع على الآداب والتقاليد التي لا بد من مراعاتها عند الدخول على أم المؤمنين عائشة (ض)، فكانوا يتعلمون الآداب أول ما يصلون ويبدأون بالسلام.
يقول عبد الله بن أبي موسى: ((أرسلني مدرك أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء، فأتيتها فإذا هي تصلي الضحى، فقلت أقعد حتى تفرغ، فقالوا: هيهات، فقلت لآذنتها: كيف أستأذن عليها؟ فقال: قل: السلام عليك ورحمة الله وبركاته)) (6).
وكانت توقر من كان يأتيها وتعاملهم معاملة الإكرام والاحترام، ويحول بينها وبينهم الحجاب (7)، عن يزيد بن بابنوس قال: ((ذهبت أنا وصاحب لي
(1) سنن الترمذي باب فضل عائشة برقم 3883.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد 375/ 2.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 12 برقم 6736، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 375.
(4)
صحيح البخاري كتاب الجنائز، وأبواب الوتر، وكذلك النسائي كتاب الزينة برقم 5306.
(5)
موطأ الإمام مالك باب الغسل.
(6)
مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/ 125 برقم 24989.
(7)
انظر: صحيح البخاري باب طواف النساء مع الرجال برقم 1618، ومسند الإمام أحمد 219/ 6 برقم 25883.
إلى عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب)) (1).
ولم تكن (ض) تتحرج في إجابة المستفتين عن أي مسألة من مسائل الدين، ولو كانت متعلقة بالشؤون الخاصة، بل إنها كانت تشجع المستفتين الذين كانوا يستحيون من السؤال الخاص بهم، وذلك عملا بقوله تعالى:{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} تطمئنهم وتقول لهم: ((أنا أمك فلا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك)) (2). ولم يكن يفوتها الحج أي سنة، فلما حجت أقامت عند جبل ثبير (3)، فيقصدها هناك عدد كبير من السائلين والمستفتين، وقد تجلس في سقيفة زمزم (4)، ويأتيها طلاب العلم وشداة المعرفة يروون غليلهم العلمي وينهلون من المنهل الصافي، فيسألونها في كل صنف من المسائل وهي تجيبهم في ضوء الكتاب والسنة. ولو اختلف أحد منهم في قضية أو أشكل عليهم أمر يراجعونها لحسم القضية، عن سعيد بن المسيب قال:((إن أبا موسى الأشعري (ض) أتى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به، فقالت: ما هو؟ ما كنت سائلا عنه أمك فسلني عنه، فقال:((الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحدا بعدك أبدا)) (5).
وكان أبو الدرداء (ض) يفتي فيقول: لا وتر لمن أدرك الصبح، فانطلق رجال من المؤمنين إلى عائشة (ض) فقالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر)) (6).
(1) مسند الإمام أحمد 219/ 6 برقم 25883.
(2)
مسند الإمام أحمد 6/ 265 برقم 26332 و 97/ 6 برقم 24699.
(3)
صحيح البخاري باب طواف النساء مع الرجال برقم 1618.
(4)
مسند الإمام أحمد 95/ 6 رقم 24685 و 219/ 6 رقم 25883.
(5)
أخرجه مالك في الموطأ باب الغسل برقم 104، والشافعي في مسنده 1/ 158، وعبد الرزاق في المصنف 248/ 1 رقم 954، وابن عبد البر في التمهيد 23/ 100
برقم 507.
(6)
مسند الإمام أحمد 48/ 6 برقم 24258، وأخرجه الترمذي باب ما جاء في تعجيل =
وكان عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري (ض) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار والآخر يؤجله فسئلت عائشة (ض) عن ذلك فقالت: أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قالوا: عبد الله بن مسعود، قالت:((كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم)(1).
وكان ابن عباس (ض) يفتي أن من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، فكتب زياد بن أبي سفيان إلى عائشة (ض) أن عبد الله بن عباس (ض) قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه، فقالت عائشة (ض): ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله حتى نحر الهدي (2).
وفي سنن البيهقي قال الزهري: أول من كشف الغمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة (ض)، فلما بلغ الناس قول عائشة هذا أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس (3).
وكان أبو هريرة (ض) يفتي أن من أدركه الفجر جنبا فلا يصم، فانطلق عبد الرحمن إلى عائشة وأم سلمة (ض) وسألهما فقالت: كان النبي يصبح جنبا من غير طهر ثم يصوم، يقول عبد الرحمن: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فقال مروان: عزمت عليك إلا ذهجت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول،
= الإفطار برقم 702، وأبو داود في سننه باب ما يستحب من تعجيل الفطر برقم 2354، والنسائي في سننه باب قدر ما بين السحور وبين صلاة الصبح برقم 2161، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 153.
(1)
مسند الإمام أحمد 6/ 242 برقم 26100، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 246، باب فيمن فاته الوتر، وذكره الزركشي في ((الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)) ص 160.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الحج برقم 1696، 1699، 1700، ومسلم في صحيحه برقم 1321.
(3)
سنن البيهقي الكبرى 5/ 234 برقم 9971، وانظر لمزيد من التفصيل ((الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزركشي)) ص 96، 95.
قال: فجئنا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم (1).
يحرم على المحرم لبس الخفين، فلو لم يجد المحرم النعال فيقطع أعلى الخفين حتى تصير نعالا، فكان ابن عمر (ض) يفتي بقطع رأس الخفين للمرأة المحرمة، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة (ض) حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين، فترك ذلك (2).
وذات مرة تذاكر أبو هريرة وابن عباس (ض) عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تضع بعد وفاة زوجها بأيام، فقال ابن عباس: عدتها آخر الأجلين، وقال أبو هريرة: عدتها وضع الحمل، فبعثوا إلى عائشة وأم سلمة (ض) فقالتا:((وضعت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بثلاثة أيام فذكر أمرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها فنكحت)) (3).
اختلف أبو هريرة، وابن عمر (ض) في ثواب اتباع الجنائز، فقال أبو هريرة: من تبع جنازة فله قيراط، فقال ابن عمر: أكثر أبو هريرة علينا، فصدقت عائشة (ض) أبا هريرة وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله (4).
إن فتاوى أم المؤمنين عائشة (ض) رغم إحاطتها بسائر القضايا التي لها اتصال بقواعد الدين وأصول الطهارة وشروط العبادات ونواقض الصلاة
(1) صحيح الإمام مسلم باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب برقم 1109، وانظر: الإجابة للزركشي ص 124.
(2)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 201/ 4 برقم 2686، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 52 رقم 8858، وأبو داود في سننه 166/ 2 برقم 1831، ومسند أحمد29/ 2 برقم 4836 و 6/ 35 برقم 24113، والإجابة ص 118.
(3)
صحيح مسلم باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل رقم 1480، وصحيح ابن حبان 132/ 10 برقم 4292، وسنن الترمذي برقم 1195، الدارمي برقم 2279، ومسند إسحاق بن راهويه 493/ 2 برقم 1078.
(4)
صحيح البخاري باب فضل اتباع الجنائز رقم 1324، وصحيح الإمام مسلم كتاب الجنائز برقم 945.
والصيام إلا أن معظمها يتعلق بأحكام النساء والعلاقات الزوجية، وأسلوبها في تبليغ هذه الأحكام وفي خطاب بناتها وبنيها من المسترشدات والمسترشدين هو أسلوب التعليم، ولم يكن في مقدورها أن تتوخى أسلوبا غير هذا الأسلوب، ولو عرضت لأخص الأمور التي تسكت عنها النساء، لأنها المرجع الذي لا يغني عنه مرجع في سنن النبي صلى الله عليه وسلم ومأثوراته وأعماله. فهي التي أفصحت عن كل فتوى نسوية سئلت عنها.
وكما قال الإمام ابن حزم، والإمام ابن القيم رحمهما الله: إن فتاواها إذا جمعت كانت مجلدا ضخما كبيرا. وكيف لا وقد كان هناك حشد من الناس رجالا ونساء يقدمون إليها من العراق (1)، والشام (2)، ومصر (3) يستفتونها في أمور دينهم ويقتنعون بأجوبتها.
بل كان الناس يتقربون إلى أولئك الذين يخدمونها ويلازمونها، فقد كانت عائشة بنت طلحة (ض) واحدة من الملازمين لها والمتشرفين بخدمتها، تقول: كان الناس يأتونها من كل مصر، فكان الشيوخ ينتأبوني لمكاني منها، وكان الشباب يتأخوني، فيهدون إلي ويكتبون إلي من الأمصار، فأقول لعائشة: يا خالة هذا كتاب فلان وهديته، فتقول لي عائشة:((أي بنية فأجيبيه وأثيبيه)) (4).
ورغم كل هذا الفضل والاطلاع الواسع والمعرفة الجليلة لو عرض عليها مسألة لم يكن عندها علم بها، أو وجدت أحدا غيرها هو أحسن إجابة عنها، فإنها تأمر المستفتي أن يذهب إليه، عن شريح بن هانيء قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: ((عليك بابن أبي طالب، فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ..)) (5).
(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 93/ 6 برقم 24667.
(2)
مسند الإمام أحمد بن حنبل 173/ 6 برقم 25446 و 95/ 6 برقم 24685.
(3)
مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/ 258 برقم 26255.
(4)
الأدب المفرد للإمام البخاري 1/ 382 برقم 1118.
(5)
صحيح الإمام مسلم باب التوقيت في المسح على الخفين برقم 276، وسنن البيهقي =