الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ت سنة 911 هـ)، وقد سماها ((عين الإصابة فيما استدركته السيدة عائشة على الصحابة)) (1) ورتبها المؤلف حسب الأبواب الفقهية، وبالرغم من أن أصول الحديث وقواعده لم يتم تدوينها في عصر الصحابة، إلا أن المراحل الابتدائية لهذا الفن تكون قد بدئت.
الأصول التي تنبني عليها استدراكات عائشة:
وإذا أمعنا النظر فيما استدركته عائشة (ض) على الصحابة يتبين لنا أن استدراكاتها تنبني على الأسس التالية:
أ - لا يحتج بالسنة إذا خالفت الكتاب:
ولعل أول أصل أصلته عائشة (ض) في فن الحديث هو أن لا تكون الرواية مخالفة لكتاب الله، ونظرا إلى هذه القاعدة فإنها أنكرت صحة عدة أحاديث، وأولتها حسب وجهة نظرها، واستنادا إلى علمها.
ولتوضيح أكثر نضرب الأمثلة الآتية:
1 -
مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه:
روى ابن عمر وابن عباس وآخرون عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن الميت ليعذب
= ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما وكتب وحصل الأصول، وجملة ما استدرك في مصنفه خمسة وعشرين حديثا ينظر: شذرات الذهب 3/ 392 ثم جاء الإمام محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي أبو عبد الله بدر الدين مصري المولد والوفاة تركي الأصل شافعي المذهب، ولد سنة (745هـ) وتوفي (794هـ) كان إماما علامة مصنفا محررا أخد عن جمال الدين الأسنوي، وسراج الدين البلقيني، كان فقيها أصوليا، أديبا، فاضلا، مؤلفاته كثيرة كلها نافعة ومفيدة من أهمها كتاب ((البحر المحيط في أصول الفقه)) و ((البرهان في علوم القرآن)) و ((تخريج أحاديث الرافعي)) ومنها رسالة ((الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)) وهي مطبوعة بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني، بالمطبعة الهاشمية بدمشق عام 1358هـ، (لترجمة الزركشي يراجع: شذرات الذهب 335/ 6، الفتح المبين 209/ 2).
(1)
رسالة لطيفة مختصرة لخصها السيوطى (ح) من كتاب الزركشي السابق ذكره، وقد طبعت في حيدرآباد الدكن كما هي مطبوعة مع كتاب ((سيرة عائشة (ض))) للعلامة السيد سليمان الندوي، الذي نحن بصدد ترجمته إلى اللغة العربية.
ببكاء أهله)) فذكر عند عائشة (ض) قول ابن عمر، فقالت:((رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه، إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: ((أنتم تبكون وإنه ليعذب)) (1) وكان مقصود عائشة (ض) كما في صحيح البخاري: ((إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن)) (2) لأن البكاء عمل الآخرين فهم يتحملون عقابه وليس الميت، ثم قالت: وحسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قال ابن عباس (ض) عند ذلك: ((والله هو أضحك وأبكى)) قال ابن أبي مليكة: ((والله ما قال ابن عمر (ض) شيئا)) (3).
يقول الإمام البخاري (ح) وهو يفصل لنا قول عائشة، وابن عمر (ض):((قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، إذا كان النوح من سنته لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع ومسؤول عن رعيته))، فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة (ض) {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهو كقرله تعالى:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذنوبا {إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} (4) وهو رأي عبد الله بن المبارك (5).
ولكنني أرى أن استدلال عائشة (ض) صحيح في كل الصور الثلاث، وقد وافقها في هذه المسألة من الأئمة: الشافعي (6)، ومحمد، والإمام
(1) صحيح البخاري كتاب الجنائز برقم 1289، وصحيح مسلم كتاب الجنائز برقم 931، وسنن الترمذي كتاب الجنائز برقم 1004.
(2)
صحيج البخاري كتاب المغازي برقم 3979، وصحي مسلم كتاب الجنائز برقم 932.
(3)
صحيح البخاري كتاب الجنائز برقم 1288، وصحيح الإمام مسلم كتاب الجنائز برقم 929.
(4)
صحيح البخاري كتاب الجنائز (ترجمة الباب).
(5)
قال الإمام الترمذي: وقال ابن المبارك: ((أرجو إن كان ينهاهم في حياته أن لا يكون عليه من ذلك شيء)) (سنن الترمذي باب ما جاء في كراهية البكاء على الميت حديث رقم 1002).
(6)
قال أبو عيسى الترمذي: حديث عائشة حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن عائشة، وقد ذهب أهل العلم إلى هذا وتأولوا هذه الآية:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهو قول الشافعي (كتاب الجنائز برقم 1004).
أبو حنيفة رحمهم الله (1).
2 -
مسألة سماع الموتى:
عن ابن عمر (ض) قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: ((وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقيل له: يا رسول الله تدعو أمواتا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون)) (2) وفي رواية: فقال عمر: ((يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، رواه قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة)) (3) فلما ذكر ذلك لعائشة (ض) قالت: ((إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ..} حتى قرأت الآية)) (4) وحاول علماء الحديث التطبيق بين الروايتين، فقال قتادة التابعي:((أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما)) (5) يعني أن الله سبحانه وتعالى أودع فيهم قوة السماع لفترة من الوقت كمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
الشؤم في ثلاثة في المرآة والدابة والدار:
لما أخبرت عائشة (ض) أن أبا هريرة (ض) يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الشؤم في ثلاثة: في المرأة والدابة والدار)) فقالت: لم يحفظ أبو هريرة، لأنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:((قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة في الدار والمرأة والفرس)) (6) فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله)).
روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا بردة جاء إلى عائشة (ض) فقال:
(1) يراجع موطأ الإمام محمد.
(2)
صحيح البخاري كتاب الجنائز برقم 1370.
(3)
صحيح البخاري كتاب المغازي برقم 3976.
(4)
صحيح البخاري كتاب المغازي برقم 3981، وصحيح مسلم كتاب الجنائز برقم 932، وسنن النسائي كتاب الجنائز برقم 2076.
(5)
صحيح البخاري كتاب المغازي برقم 3976.
(6)
أخرجه أبو داود الطيالسي في سننه 1/ 215 برقم 1537.
((يا أمتاه حدثيني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: قال رسول الله: الطير تجري بقدر، وكان يعجبه الفأل الحسن)) (1) وفي رواية أنها لما سمعت حديث أبي هريرة (ض) السابق قالت: ((والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول
…
)) ثم قرأت: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22](2).
كما أنه يوجد هناك بعض الروايات يمكن بها التطبيق بين روايتي عائشة، وأبي هريرة (ض) ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان الثؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس)) (3) وهذا ليس حكاية للواقع وإنما على صورة التعليق (4).
4 -
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الرب تعالى:
عن ابن عباس (ض) أنه كان يقول: ((إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين، مرة ببصره، ومرة بفؤاده)) (5) فسأل مسروق عائشة (ض) فقال: يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث، من حدثكهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]. وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة في تأييد قول عائشة (ض) كما في صحيح
(1) مسند الإمام أحمد 129/ 6 رقم 25026.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده 6/ 150 برقم 25209، والحاكم في المستدرك 521/ 2 برقم 3788، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 140، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث 1/ 105.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب النكاح برقم 5094، ومسلم في صحيحه كتاب السلام برقم 2225، وأبو يوسف في كتاب الآثار 199/ 1 برقم 900، والطبراني في الأوسط 279/ 7 رقم 7497.
(4)
عين الإصابة للسيوطي نقلا عن الإجابة للزركشي ص 29 - 127.
(5)
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 79/ 1 وقال: رواه الطبراني في الأوسط 6/ 50 رقم 5761، ورجاله الصحيح خلا جهور بن منصور الكوفي وذكره ابن حبان في الثقات،
كما أورده البيهقي في الاعتقاد 304/ 1، والقرطبي في تفسيره 56/ 7 و 92/ 17 وكذلك ابن كثير في تفسيره 4/ 251.