الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
فضل عائشة ومننها على نساء العالمين
بهذا الفصل نكون قد قطعنا آخر شوط من هذا الكتاب ووصلنا إلى نهاية مطافه، ولذا رأينا من المناسب أن يكون مسك ختام هذا السفر المختصر وخاتمته تلك الخدمات الجليلة والمآثر العظيمة التي قامت بها أم المؤمنين عائشة (ض) لصالح أخواتها من بنات حواء.
وأكبر فضل وأعظم منة منت بها أم المؤمنين عائشة (ض) على سائر صنف الأنوثة هو أنها أثبتت للعالم أن المرأة المسلمة رغم كونها وراء الحجاب فإنها قادرة على القيام بكل المسؤوليات والواجبات، سواء كانت في مجال الدعوة والإرشاد أو الوعظ والنصيحة والتعليم والتربية أو ميدان السياسة والاجتماع، وبالجملة فإن حياة أم المؤمنين ميزان صادق لتلك المكانة والمرتبة التي أنعم بها الإسلام على المرأة، ونموذج حي للدرجة العالية التي تبوأتها المرأة في الشريعة الإسلامية، حيث رفعتها درجات فوق أرفع درجة بلغتها بين العرب أو بين الأمم الأخرى، وجاء الإسلام فبدأ من النهاية التي انتهت إليها آداب الحضارة والسعادة في معاملة المرأة، ووهبها منزلة من الرعاية لم تصل إليها أرفع النساء في أرفع البيوتات قبل الدعوة المحمدية، ولو كان هناك من الصحابة من يصدق عليهم خطاب ((مسيح الأمة المسلمة)) واستأهلوا أن يكونوا ((هارون)) العهد المحمدي، فالحمد لله على أنه يوجد في الصحابيات من كانت ((مريم)) الدين المحمدي.
كانت الصابيات يعرضن قضاياهن على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أم المؤمنين (ض) وهي تشفع لهن وتقف بجانبهن وتطالب بحقوقهن المشروعة الكاملة وتدافع عنهن، وإليها وحدها كانت تتطلع أبصار المستضعفات والمضطهدات، كما حدث مع زوجة عثمان بن مظعون (ض) حيث دخلت على
أم المؤمنين وهي باذة الهيئة، فسألتها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال:((يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة؟ فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده)) (1) يعني أعطي كل ذي حق حقه، ومنه حق الزوجة.
وكانت حولاء (ض) من الصحابيات اللاتي لا تنام بالليل، فمرت بأم المؤمنين عائشة (ض) فقالت للرسول صلى الله عليه وسلم: هذه الحولاء، وزعموا أنها لا تنام بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تنام بالليل؟ خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا)) (2). وإن امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر فقطعت يدها، فحسنت توبتها فتزوجت، وكانت تزور عائشة (ض) فيما بعد فترفع عائشة حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، بينما قد لا ترضى غيرها أن تأتيها وتزورها. وجاءت صحابية إلى عائشة (ض) وقد ضربها زوجها وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - والنساء ينصر بعضهن بعضا - قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها، فلما سمع زوجها أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال:
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 226/ 6 برقم 25935، كما أخرجه الإمام ابن حبان في صحيحه 1/ 185، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 301، باب حق المرأة على الزوج، وكذلك في موارد الظمآن 313/ 1 برقم 1288، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 6/ 68 - 167 رقم 10375.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 247/ 6 رقم 26137، كما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الصلاة برقم 784، وابن حبان في صحيحه 2/ 74 برقم 359،
والبيهقي في السنن الكبرى 17/ 3 برقم 4513.
(3)
صحيح البخاري باب شهادة القاذف والسارق والزاني رقم 2648، وكتاب المغازي رقم 4304، وصحيح الإمام مسلم كتاب الحدود رقم 1688، وسنن النسائي كتاب قطع السارق برقم 4903.