الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
نشوء الفتن ومعركة الجمل
إن عبد الله بن الزبير (ض) حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، سبط أبي بكر الصديق (ض)، كان يعتبر نفسه أحق بالخلافة، وأنه وارث للخلافة، أما محمد بن أبي بكر فكان أصغر أبناء الصديق (ض) وهو أخو عائشة (ض) من الأب، وقد تزوج أمه - بعد وفاة أبي بكر الصديق (ض) - علي (ض)، ولذلك فإنه قد ترعرع ونشأ في حضن علي (ض)، وكان يحبه مثل أبنائه (1)، ومحمد بن أبي حذيفة تربى وترعرع في كنف عثمان (ض)، ولما بلغ أشده طالب بمنصب كبير فرفض عثمان (ض) أن يسلمه، فارتحل إلى مصر غاضبا.
وأما مروان بن الحكم وسعيد بن العاص فكانا من الأمويين ومن الشباب حديثي السن، من أبناء المهاجرين القدامى وأخلاقهم، وكانوا من مقدمي طلاب المناصب الرفيعة، وذلك نظرا إلى ما كان يحوزه آباؤهم وأسلافهم من مناصب رفيعة، والخليفة الراشد عثمان (ض) كذلك كان من الأمويين، وكان يثق بأفراد أسرته، ولذا فكان المرشحون والمختارون للمناصب معظمهم من بني أمية.
ولذلك نرى أن مروان وسعيد بن العاص قد فازا بمناصب كبيرة رفيعة المستوى، الأمر الذي أدى إلى إثارة الغضب والسخط لدى بعض شباب قريش تجاه بني أمية، وكان هذا هو السبب الذي دفع محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ليشاركا في الثورة ضد عثمان بن عفان (ض) أكثر من الآخرين، مع العلم بأن هؤلاء الشباب ما كان فيهم من صفات الصبر والعدل والصدق
(1) ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في الإصابة 6/ 245 ترجمة رقم 8300.
والأمانة والزهد والورع مثل ما كان في آبائهم من كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فوصل الأمر إلى غضبهم وثورتهم ضد الخليفة.
وفوق ذلك كله فإن العرب كانوا يعتبرون الاستعباد العجمي وصمة عار على جبين شرفهم وسعادتهم، إذ إنهم قد نشؤوا وترعرعوا في بيئة تتمتع بالحرية والاستقلال، فلما جاء الإسلام نفخ فيهم روحا جديدة، وجعل كل القبائل في ميزان واحد وتحت قوة واحدة. وكبار الصحابة الذين كانوا هم رعاة تعاليم الإسلام وتربيته الأصيلة كانوا يراعون هذا الجانب دائما، ولما جاء من حلفهم من المسؤولين وأصحاب المناصب الرفيعة والمراتب العالية، تناسوا هذا الدرس العظيم، وبدؤوا يتظاهرون علنا بشرفهم القبلي والأسرى ويتفاخرون به ويتباهون باستقلالهم الشيخصي في مجالسهم وزواياهم، فشق ذلك على القبائل العربية الأخرى، فزعموا أن الفتوحات التي حصلت بعد العهد النبوي في كل من إيران والشام ومصر وبلاد أفريقية، كلها كانت بسبب سيوفهم، ولذا بإنهم يستحقون نصيبهم وسهامهم بالتساري والتعادل.
أما الأعاجم الذين كانوا حديثي العهد بالإسلام فهم على طبيعتهم السابقة، لم يكونوا راضين بحكم قريش أو بني أمية فحسب، بل كانوا لا يعجبهم أن تكون السلطة بيد العرب أساسا وهم يحكمون عليهم، ولذا فإنهم كانوا يحبون أن يساهموا في كل فتنة أو ثورة تثار ضد الحكومة، والموقع الجغرافي لبلاد الكوفة كان نقطة اتصال بين العرب والعجم، ومن ثمة بدأت الفتنة، وكانت هناك أكبر المجتعات للقبائل العربية، كان واليها سعيد بن العاص، وكان سادات معظم القبائل الموجودة في البلد يجتمعون في ديوانه بالليل، حيث يتحدثون حول موضوع الحروب التي خاضتها العرب، كما يتطرق حديثهم إلى موضع أنساب العرب ومفاخر الآباء والأجداد، وكل قبيلة تزعم نفسها أعلى وأرفع من الأخرى، وتكون نهاية الحديث مؤلمة، فينهون كلامهم وسمرهم بالتشاجر والتهاوش والتجادل والسب والشتم، وسعيد بن العاص يغتنم هذه الفرصة لإظهار مفاخر قريش، الأمر الذي يزيد الطين بلة، فاشتكى سادات القبائل أخلاقه وسلوكه، وأدت هذه الظاهرة السيئة إلى نشوء