الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعائشة (ض) قد نالت من هذا العلم الحقيقي حظا وافرا ونصيبا كاملا، ولم يقتصر مجال تعلمها ونطاق دراستها على حصول العلوم الدينية فحسب، بل كانت بارعة حتى في علوم التاريخ والطب (1) والأدب، وقد ورثته من (2) أبيها.
أما الطب فقد تعلمته من وفود العرب التي كانت تفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وتنعت له الأنعات، ولما سألها عروة فقال: أعجب من علمك بالطب كيف هو؟ ومن أين هو؟ فقالت: أي عرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له فمن ثم)) (3).
مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل عليها:
هذا ولم يكن هناك ساعات محددة أو حصص خاصة لتحصيل العلم، لأن معلم الشريعة صلى الله عليه وسلم كان بنفسه موجودا في البيت، وكانت (ض) تنال شرف صحبته ليل نهار، [.......] * تقام في المسجد النبوي يوميا، وحجرتها (ض) كانت ملاصقة للمسجد، ولذا فإنه كانت تتوافر لها فرص الاستفادة من تلك الدروس التي يلقيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمام الجماهير خارج البيت، وحين يشكل عليها أمر من الأمور ولا تفهمه أو لا تسمعه جيدا فإنها كانت تستفسر النبي صلى الله عليه وسلم عنه عندما يأتي البيت (4)، وأحيانا تقترب من المسجد حتى تسمع من قريب، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان قد خصص يوما في الأسبوع لتعليم النساء ووعظهن (5)، فكانت (ض) تعي من سنن
(1) أخرج الحاكم في المستدرك عن عروة قوله: ((ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين))، (12/ 4 برقم 6733).
(2)
يدل عليه قول عروة فيما أخرجه الإمام أحمد: كان عروة يقول لعائشة (ض): ((يا أمتاه لا أعجب من فهمك؛ أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت أبي بكر. ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس؛ أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس ..)) 6/ 67 برقم 425/ 24.
(3)
نفس المصدر.
(4)
انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل 75/ 6 برقم 24511 وكذلك 24507 وكذلك 24514.
(5)
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم =
_________
* قال معد الكتاب: [جاء في كتاب (الدر الثمين من سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ص: 44 سطر 5) "وحلقات العلم والدعوة والإرشاد"]
النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف القضايا وشتى العلوم والمعارف، في اليوم والليلة.
وكان من عادتها أنها كانت طلعة، كثيرة السؤال، لا يهدأ لها بال حتى ترضي طمأنينتها، وتجلو لنفسها كل خفي حتى تحيط به، فكانت ذات مرة قد سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((من حوسب عذب)) فقالت له: إن الله تعالى يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب هلك)) (1).
وذات مرة تلت قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48]- وفي رواية - قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وسألت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((على الصراط)) (2).
ولما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشر الناس يوم القيامة عراة))،
= غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: ((ما منكن امرأة تقدم
…
)) (باب هل يجعل للنساء يوم على حدة؟ برقم102).
(1)
أشار به المؤلف إلى الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه كتاب العلم برقم 103، ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها برقم 2876، والترمذي في سننه كتاب صفة القيامة والرقائق برقم 2426 وأبو داود كتاب الجنائز برقم 3093.
(2)
الرواية التي فيها قول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
…
} أخرجها الإمام أحمد في مسنده عن مسروق قال: قالت عائشة (ض): أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن هذه الآية {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ....} قالت: فقلت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط. أحمد في المسند 6/ 35 (24115) وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب صفة القيامة والجنة والنار برقم 2791، والترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن برقم 3121، وابن ماجه في سننه كتاب الزهد برقم 4279، والدارمي في سننه كتاب الرقاق برقم 2809.
أما الرواية التي فيها قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
…
} فقد أخرجها الترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن برقم 3241 وفيها: قالت عائشة: فقلت: فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على جسر جهنم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأخرجها الإمام أحمد في مسنده 6/ 116 برقم 24900، والنسائي في السنن الكبرى 447/ 6 برقم 11453.
سألت: هل ينظر الرجال والنساء بعضهم إلى بعض؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الأمر أشد من أن يهمهم ذاك)) (1) وفي رواية مسلم: ((يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)).
وسألت مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟
فقال: ((يا عائشة أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أويخف، وأما عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله فلا، وحين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة ....)) (2).
وسألته يوما عن الكفار والمشركين إذا عملوا عملا صالحا في الدنيا فهل يثابون عليه أم لا؟ وذكرت عبد الله بن جدعان من مشركي مكة، الذي كان رجلا صالحا رفيقا بالناس، وقد أنشأ مجلسا للتصالح، (حلف الفضول) جمع فيه كل رؤساء قريش لإيقاف الحرب الناشبة والمستمرة فيما بين قريش وكنانة، قبل مجيء الإسلام، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أعضاء هذا المجلس، فسألت الرسول يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين، ويحسن الجوار، ويقري الضيف، فهل ذاك نافعه؟ قال:((لا يا عائشة! إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)) (3).
وكما هو معلوم فإن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وركيزة أساسية من
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الرقاق برقم 6527، ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها برقم 2859، والنسائي كتاب الجنائز برقم 2084.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 110 برقم 24837، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 358 باب ما جاء في الميزان والصراط والورود، وقال: عند أبي داود طرف منه، ورواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلت: أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة برقم 4755.
(3)
الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان برقم 214، وابن حبان في صحيحه 29/ 2 برقم 330 والحاكم في المستدرك 439/ 2 برقم 3524، وأحمد في مسنده 93/ 6 رقم 24665.
قلت: وسبب إقامة حلف الفضول هو حبس العاص بن وائل السهمي حق رجل من زبيد، انظر السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي ص (112) ط دار القلم بدمشق (الناشر).
ركائز ديننا الإسلامي الحنيف وأهم فرائضه، فكانت عائشة ترى أن الجهاد فرض على النساء مثل الرجال، لعدم التفريق بين الصنفين في الفرائض الأخرى، فاستفسرت قائلة: هل عليهن جهاد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((جهادهن الحج)) (1).
كما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها هل تستأمر أم لا؟
فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((نعم تستأمر))، قالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحيي، فقال صلى الله عليه وسلم:((فذلك إذنها إذا هي سكتت)) (2).
إن الإسلام قد أولى حقوق الجيران اهتماما بالغا وعناية كبيرة، والنساء أحظى الناس في أداء هذه الحقوق، وتتاح لهن الفرص لأداء هذه الحقوق أكثر من الرجال، فأشكلت على عائشة قضية الترجيح بين الجارين فسألته صلى الله عليه وسلم قائلة: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: ((إلى أقربهما منك بابا)) (3).
وذات مرة جاءها عمها من الرضاعة يستأذن عليها، فأبت أن تأذن له، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فقال: إنه عمك فأذني له، قالت: فقلت: يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قالت: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((إنه عمك فليلج عليك)) (4).
(1) أشار به المؤلف (ح) إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور، فقالت: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، (البخاري باب حج النساء برقم 1861، وأخرجه النسائي في كتاب الحج برقم 2628 وابن ماجه في سننه كتاب المناسك برقم 2901).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب النكاح برقم 5137، ومسلم في صحيحه كتاب النكاح برقم 1420 وكذلك البخاري في صحيحه كتاب الإكراه برقم 6946، والنسائي في كتاب النكاح برقم 3266.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الشفعة برقم 2259، وكتاب الهبة برقم 2595 وكتاب الأدب برقم 6020، وأبو داود في سننه كتاب الأدب برقم 5155، والإمام أحمد في مسنده 6/ 175 برقم 25462، و239/ 6 برقم 26068، والحاكم في المستدرك 4/ 185 برقم 7309.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب تفسير القرآن برقم 4796 وكتاب النكاح برقم 5239 ومسلم في صحيحه كتاب الرضاع برقم 1445 والترمذي في سننه كتاب الرضاع برقم 1148.
وأشكل عليها مفهوم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله؟ قال: ((لا، يا بنت أبي بكر يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل (1).
ولما سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)) قالت: فقلت: يا رسول الله كلنا نكره الموت، قال:((ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذ بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)) (2).
وهكذا لدينا عدد كبير من أمثال هذه الاستفسارات والإشكالات التي نجدها في ذخائر السنن النبوية وخزائن الأحاديث الشريفة، التي عرضتها عائشة (ض) على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم للكشف عن حقائقها، وإزاحة الستار عن واقعيتها، وإنها في واقع الأمر عدد من الدروس التي تلقتها عائشة (ض) من لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمها اليومي حتى إنها (ض) لم يفتها أن توجه السؤال إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في بعض المناسبات التي يخاف فيها أن يجد الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، لكن من رحمته صلى الله عليه وسلم بها وحبه لها وشفقته عليها أنه لم يكن يتضايق من مناقشاتها وتوجيهها الأسئلة إليه، بل كان يسر بذلك.
أقسم النبي صلى الله عليه وسلم مرة أن لا يدخل على نسائه شهرا، وأقام في مشربة له تسعة وعشرين يوما، وهجرهن خلال هذه الفترة، فشق ذلك عليهن كثيرا، ولما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، ومما لا شك فيه أنها كانت
(1) أخرجه الإمام الترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن برقم 3175، وابن ماجه في سننه كتاب الزهد برقم 4198، والإمام أحمد في مسنده 6/ 159 رقم 25302.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق رقم 6507، ومسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 157 وبرقم 2685، والترمذي في سننه كتاب الجنائز رقم 1067.
مناسبة مباركة تبعث على الفرح والسرور بالنسبة لعائشة (ض)، وكان المفروض أن تسر بها عائشة وتنسى كل ما مضى، ولا تتفوه بكلمة تكاد تغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها آثرت فهم الشريعة وحل عقدتها على هذه الفرحة، فماذا سمع منها الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما سمع؟ قالت: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين
…
)) (1).
استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فتعجبت عائشة من ذلك، فلما نهض قالت: يا رسول الله! قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟ فقال صلى الله عليه وسلم ((أي عائشة! إن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (2).
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل هدايا الأعراب وأصحاب البادية، لما كان يعلم أنهم لا يتحرون في أطعمتهم وأشربتهم، ولا يحتاطون فيها، كما أنهم ليس لديهم علم كاف بشرائع الإسلام ومبادئ الدين، وذات يوم جاءت أم سنبلة، وأهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا، فلم تجده، فقالت لها عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يؤكل طعام الأعراب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال: ما معك يا أم سنبلة؟ قالت: لبنا أهديت لك يا رسول لله، قال: اسكبي أم سنبلة، فسكبت، فقال: ناولي أبا بكر، ففعلت، فقال: اسكبي أم سنبلة، فسكبت، فناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، قالت عائشة: يا رسول الله كنت حدثت أنك قد نهيت عن طعام الأعراب؟ فقال: ((يا عائشة! إنهم ليسوا
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المظالم والغصب برقم 2468 في حديث طويل، وكتاب النكاح برقم 5191، ومسلم في صحيحه كتاب الطلاق برقم 1475، والترمذي في سننه كتاب التفسير برقم 3318.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب برقم 6054 ومسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب برقم 2591، والترمذي في سننه كتاب البر والصلة برقم 1996، وأبو داود كتاب الأدب برقم 4791.
بالأعراب، هم أهل باديتنا ونحن أهل حاضرتهم، وإذا دعوا أجابوا، فليسوا الأعراب)) (1) قصد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أنهم يعرفون أحكام الشريعة، وإذا دعوناهم إلى نصرة الدين فإنهم يجيبون ولا يترددون، إذن هم ليسوا من الأعراب.
ولما سمعت قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله)) فاستغربت من قوله: ((فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله)) لظنها أن المعصومين يستثنون من هذه القاعدة العامة، فسألت: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)) (2).
ورأت مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن ينام قبل أن يوتر، فقالت: يا رسول لله أتنام قبل أن توتر؟ قال: ((يا عائشة إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي)) (3).
قد تبدو هذه الأسئلة من قبيل سوء الأدب لأولئك الذين لا يدركون حقيقة الأمور، ولا يتعمقون في التفكير، لكن الواقع الذي لا ينازع فيه اثنان أنه لو لم تكن هذه الجرأة النسائية لتوجيه الأسئلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والاستفسارات عن الإشكالات، لما أمكن اليوم لأبناء الأمة المحمدية أن يطلعوا على حقيقة النبوة، وبغض النظر عن هذه الأسئلة والمناقشات العلمية والمباحث الدراسية فهناك جانب آخر مهم ألا وهو مراقبة النبي صلى الله عليه وسلم لكل أعمال وحركات عائشة (ض) وإيلاؤه إياها اهتماما بالغا، فكان صلى الله عليه وسلم ينبهها على زلاتها، ويربيها ويعلمها بعناية فائقة، ولم يفتأ رويدا رويدا يشركها في العبء الذي ينبغي أن تنهض به زوجة النبي وأم المؤمنين وسفيرته الأولى إلى عالم النساء.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 142/ 4 رقم 7168 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 149/ 4 باب ثواب الهدية والثناء والمكافأة، وأحمد في المسند 133/ 6 برقم 25054، وابن سعد في الطبقات الكبرى 294/ 8، وأورده ابن عبد البر في الاستيعاب 1942/ 4،وابن حجر في الإصابة 8/ 233.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق برقم 6467، وسلم في صحيحه كتاب صفة القيامة والجنة والنار برقم 2818.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب صلاة التراويح برقم 2013، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم 738.
دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك - بدل السلام عليك - فقال صلى الله عليه وسلم: ((وعليكم))، وكانت عائشة (ض) تسمع ذلك فقالت: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مهلا يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) (1).
سرق لعائشة (ض) شيء، فجعلت تدعو على من سرقه - كما هي عادة النساء - فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تسبخي عنه)) (2).
ذات مرة كانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلعنت بعيرا لها - كعادة النساء في هذه المناسبات - فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد، وقال:((لا يصحبني شيء ملعون)) (3). فكان ذلك تعليما لها عدم توجبه اللعن إلى البهائم.
من الواقع الملموس أن الناس عامة وبخاصة النساء لا يبالون بمحقرات الذنوب، ويتساهلون في هذا الجانب تساهلا كبيرا، وقد أحس بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأدرك هذه الخطورة، فقال مخاطبا عائشة (ض):((يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله عز وجل طالبا)) (4).
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الأدب بارقام 6024 - 6256 - 6395 - 6410، ومسلم في صحيحه كتاب السلام برقم 2165، والترمذي في سننه كتاب الاستائذان والآداب برقم 2701.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 45 برقم 24229 وفي رواية أخرى له ((سرق لي ثوب)) 6/ 136 برقم 25095، وفي رواية أخرى ((سرقت مخنقتي)) 6/ 251 برقم 25840، كما أخرجه الإمام أبو داود في سننه باب فيمن دعا على من ظلم برقم 4909، وفي رواية أخرى له ((سرقت ملحفة لها)) برقم 1497 كتاب الصلاة. وأخرجه النسائي في السنن الكبرى باب لعن السارق برقم 7359، 327/ 4 والطبراني في الأوسط بلفظ ((سرق لها متاع)) 4/ 184 برقم 3925. وقوله:(لا تسبخي) لا تخففي.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 72 برقم 24478، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 77 باب ما نهي عن سبه من الدواب وما يفعل بالدابة إذا أجيب في لعنها.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 70 برقم 24460، و6/ 151 برقم 25218، والدارمي في سننه باب في المحقرات برقم 2726، وذكره أبو المحاسن يوسف الحنفي في معتصر المختصر 339/ 2 باب في محقرات الذنوب، ط: عالم الكتب بيروت، والطبراني في الأوسط 3/ 31 برقم 2377 و4/ 125 برقم 3776، وإسحاق بن راهويه في مسنده 2/ 538 برقم 1120.
وذات مرة كانت تحكي للنبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة فوصفتها بالقصيرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغتبتها)) (1).
كانت أم المؤمنين صفية (ض) قصيرة القامة، فذكرتها عائشة (ض) ذات يوم وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني قصيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لعكرت صفو الماء كله)) فقالت: يا رسول الله إني حكيت لك رجلا، فقال صلى الله عليه وسلم:((ما يسرني أني حكيت رجلا وأن لي كذا وكذا)) (2).
جاء مسكين إلى عائشة فتصدقت عليه بشيء، فأمرت بريرة أن تأتيها فتنظر إليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تحصي فيحصى عليك)) (3). وقال لها في مناسبة أخرى: ((يا عائشة استتري من النار ولو شق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان)) (4).
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ((اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: ((إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا، يا عائشة! لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة! أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة)) (5).
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 136/ 6 برقم 25093، و206/ 6 برقم 25749، والبيهقي في شعب الإيمان 5/ 303 برقم 6730، وهناد في الزهد 2/ 568 برقم 1190 ط: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي الكويت 1406.
(2)
أخرجه الإمام الترمذي في سننه كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم 2502 والإمام أبو داود في كتاب الأدب برقم 4875، والإمام أحمد في مسنده 189/ 6 برقم 25601.
(3)
أخرجه الإمام ابن حبان في صحيحه ذكر الزجر عن إحصاء المرء صدقته إذا تصدق بها 8/ 151 برقم 3365، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد باب اللهم أعط منفقا خلفا 122/ 3 والإمام النسائي في السنن الكبرى باب الإحصاء في الصدقة 38/ 2 برقم 2330، والإمام أحمد في مسنده 70/ 6 برقم 24463 و108/ 6 برقم 24810.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 79/ 6 برقم 24545، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب 6/ 2 برقم 1278، وأصل الحديث موجود في الكتب الستة وغيرها بلفظ ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).
(5)
أخرجه الإمام الترمذي في سننه كتاب الزهد برقم 2352، والبيهقي في شعب الإيمان =