الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما عائشة (ض) فكانت شابة، وقد مكنتها هذه المرحلة من العمر من أن تزداد كل يوم نموا في العقل وتطورا في الفهم وعمقا في النظر والتفكير، وبالتالي فقد قدر لها أن تنال شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى اللحظات الأخيرة من حياته، بكل جدارة ولياقة، فكانت النتيجة بطبيعة الحال أن تكون هي أوسع علما وأكثر معرفة واطلاعا على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأخباره من غيرها من أمهات المؤمنين.
وقد تزوح الرسول سائر الأزواج المطهرات إلا سودة بعد عائشة (ض) بفترة طويلة، ومع ذلك لم يحصلن إلا يوما واحدا من كل ثمانية أيام لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن عائشة (ض) تحظى يومين يوم لها ويوم لسودة، لأنها وهبت نوبتها لعائشة، كما أن حجرة عائشة (ض) كانت ملاصقة للمسجد النبوي الشريف المدرسة الأولى في الإسلام، حيث تعقد حلقات الدروس والوعظ والإرشاد، وكان المعلم هو سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فكان المسجد المنبع الأصلي والمصدر الحقيقي للأحاديث الشريفة.
فكان من الطبيعي أن لا تدانيها أي واحدة من أمهات المؤمنين في معرفة الأحاديث، والاطلاع على الآثار، وهي تعد من كبار حفاظ السنة من الصحابة، ولم يسبقها أحد من الصحابة ولا وصل إلى مكانتها المتميزة في الحديث سوى خمسة أشخاص من الرجال، فما بالك بالنساء؟!
أم المؤمنين عائشة وكبار الصحابة والمكثرون منهم:
أما كبار الصحابة أمثال أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (ض)، فإنهم وإن كانوا على أرفع مكانة وأعلى درجة في نيل شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولهم باع في الفهم والإدراك وبعد في النظر والتفكير أكثر من عائشة (ض)، إلا أن الزوجة هي الزوجة، وما تتمكن من معرفته في شهور لا يتمكن من معرفته خاصة الأصحاب في سنين، وهناك جانب آخر وهو أن هؤلاء الكبار من الصحابة قد انشغلوا بأمور الخلافة وقضايا الناس، ورغم ذلك ما رووه من الأحاديث حول موضوع الخلافة وما أصدروا من الأحكام هي التي ينبني عليها
فقهنا الإسلامي ويقوم عليها صرحه، وبالتالي فقام بواجب رواية الأحاديث الصحابة الآخرون الذين لم تثقل كواهلهم بحمل هذه الأعباء من مهمات الخلافة ومسؤوليات رعاية الأمة.
وسبب آخر لقلة الروايات من عباقرة الصحابة وكبارهم كما أشار إليه ابن سعد فقال: إنما قلت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم توفوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثر الغرماء عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، لأنهما وليا فسئلا وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أئمة يقتدى بهم ويحفظ عنهم ما كانوا يفعلون ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها.
فكان الأكابر من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أقل حديثا عنه من غيرهم، مثل أبي بكر، وعثمان، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من نظرائهم، فلم يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص ونظرائهم، وكل هؤلاء كانوا يعدون من فقهاء الصحابة، وكانوا يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيرهم من نظرائهم، فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم واحتاج الناس إليهم، ومضى كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلهم وبعدهم بعلمهم لم يؤثر.
((ثم كان التابعون بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم، فيهم فقهاء وعلماء، وعندهم رواية الحديث والآثار، والفقه، والفتوى
…
)) (1).
والمكثرون في الرواية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يبلغ عدد مروياتهم إلى الآلاف هم سبعة:
(1) انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 78 - 76.