الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتسلح بنو أمية بقيادة مروان وقالوا: لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكادت الفتنة تقع بين الحسين بن علي ومروان بن الحكم، فخرج أبو هريرة (ض)، وأشار على الحسين أن لا يقاتل، فامتثل، وذكره عهد الحسن حيث إنه أوصى إذا خيفت الفتنة والشر فادفنوني مع أمي، وفي النهاية دفنوه بالبقيع قريبا من قبر أمه (ض).
موقف عائشة (ض):
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا كان موقف عائشة (ض) من هذه الواقعة؟ ذكر بعض المؤرخين من الشيعة أن عائشة (ض) خرجت بنفسها على بغلة بيضاء ومعها بعض الجنود، تمنع جنازة الحسن من الدفن في بيتها قرب قبر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أخوها فلما واجهها قال: ما زالت وصمة العار التي خلفتها معركة الجمل باقية على جبين أسرتنا، وأنت تريدين أن تخوضي معركة أخرى؟ فرجعت عائشة (ض).
هذه الرواية موجودة في نسخة مترجمة إلى اللغة الفارسية من تاريخ الطبري، المطبوعة في الهند، وأما النسخة العربية وهي الأصل فلا توجد فيها هذه الرواية، والواقع أن هذه الترجمة الفارسية لتاريخ الطبري مليئة بالإضافات والزيادات، والحذوفات التي لا توجد في النسخة العربية، وقد صرح بذلك المترجم نفسه في المقدمة، إلا أن اليعقوبي (المؤرخ الشيعي من القرن الثالث الهجري) قد نقل هذه القصة دون أن يسوق لها إسنادا، وذكرها بكلمة ((قيل)) كما أنه لم يذكر القتال أو رمي السهام، وذكر أبو الفداء أنه لما تنازعت بنو أمية وبنو هاشم، وتسبب ذلك في القتال بينهما بلغتهم عائشة (ض):((أن هذه الدار ملكي ولا آذن لأحد أن يدفن فيها)) إلا أن هذه الرواية كذلك غير صحيحة، وإنما الصحيح من ذلك ما صرح به ابن الأثير وغيره من المؤرخين الثقات، قال الإمام ابن الأثير في (الكامل): ووصى أن يدفن عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تخاف فتنة، فينقل إلى مقابر المسلمين، فاستأذن الحسين عائشة فأذنت له، فلما توفي أرادوا دفنه عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعرض لهم سعيد بن العاص،
وهو الأمير، فقام مروان بن الحكم، وجمع بني أمية وشيعتهم ومنع عن ذلك، فأراد الحسين الامتناع، فقيل له: إن أخاك قال: إذا خفتم الفتنة ففي مقابر المسلمين، وهذه فتنة فسكت، وصلى عليه سعيد بن العاص، فقال له الحسين: لولا أنه سنة لما تركتك تصلي عليه (1).
وقد روى كل من الإمام ابن عبد البر وابن الأثير في (أسد الغابة) والسيوطي في (تاريخ الخلفاء)، بعبارة واحدة ونصها:
((قد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن تأذن لي فأدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نعم، وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء، فإذا أنا مت، فاطلب ذلك إليها، فإن طابت نفسها فادفني في بيتها، وما أظن إلا القوم سيمنعونك إذا أردت ذلك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في بقيع الغرقد، فإن فيمن فيه أسوة، فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة، فبلغ ذلك مروان، فقال مروان: كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبدا، منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن الحسن في بيت عائشة (2).
…
(1) الكامل في التاريخ 3/ 460 للإمام ابن الأثير، ط: دار صادر بيروت 1385هـ.
(2)
انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 392/ 1، وتاريخ الخلفاء للإمام السيوطي 1/ 170 باب ذكر وفاة الحسن (ض) وأسد الغابة لابن الأثير 2/ 15.