الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن منافقي المدينة المنورة الذين سبق أن ذكرنا بعض نماذج من خبثهم ومكرهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين لم تسنح لهم فرصة أغلى وأثمن لإبداء كراهيتهم والضغينة الدفينة في قلوبهم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفرصة، ولا عجب أن غرسوا بذورا من المؤامرة الخطيرة، ولا نقول ذلك قياسا أو استنباطا، وإنما يدل عليه آيات من القرآن الكريم، والآية السابقة بما لها من الأهمية البالغة تشير إلى هذا الواقع، والآية بعدما بينت وأرشدت الناس إلى أن لا يكون حب الأهل والأولاد عائقا لهم دون الصراط المستقيم جاء قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9] ثم في الخطاب نفسه ساقت الآية قصة أزواج نوح ولوط (س) ووضحت أنهما لو لم يتبعا طريق الحق، وانحرفتا عن سواء السبيل فماذا أضرتا بالأنبياء، أو بدعوتهم؟ وهكذا أنتم ياأيها المنافقون ماذا بوسعكم أن تؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم أو تضروه بشيء بموجدة زوجاته المؤقتة عليه؟ كما يدل على صحة هذا القياس ما نزل من الآيات ضمن هذه القصة (1) وهي قوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
تفنيد بعض الشبهات:
لقد أخطأ بعض المفسرين فى تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] إذ قالوا إن معنى قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} إن رجعتما إلى الله فهو واجب، لأن قلوبكما قد زاغت، وهذا المعنى لا يصح لثلاثة وجوه:
= شائع منها بمحرم عليه تأبيدا بوصف لا يمكن زواله (الفقه على المذاهب الأربعة).
(1)
انظر قصة الإيلاء في صحيح البخاري كتاب الطلاق برقم 4913/ 5191، وصحيح مسلم كتاب الطلاق برقم 1479 وفيه قول عمر بعد ذكر الآية:((فكنت أنا أستنبطت ذلك الأمر)).
1 -
لأن هذه جملة شرطية حذف جزاؤها، والجزاء المحذوف في تقديري كلمة ((فلا بأس)) لا كما قدره المفسرون وهو ((فهو واجب)) والملمون بقواعد اللغة العربية يعرفون تمام المعرفة أنه إذا حذف الجزاء بعد ((إن)) الشرطية، وذكرت علة الجزاء بـ ((فقد)) فيكون الجزاء المقدر دائما هو كلمة ((لا بأس)) أو ((لا حرج)) أو ((لا ضير)) أو ((فهو هين)) وقد ورد في شعر العرب، وفي القرآن الكريم نفسه أمثلة كثيرة من ذلك (1).
2 -
ولا يصح أن تترجم كلمة ((صغت)) بـ ((زاغت)) لأن عائشة (ض) وبقية أمهات المؤمنين حاشاهن أن تزيغ قلوبهن أو تضل.
هذا ويوجد في اللغة الأردية مفهومان:
1 -
الانحراف عن الشيء.
2 -
الميلان إلى الشيء.
أما في اللغة العربية فيعبر عن هذين المفهومين ثلاثة أنواع من الكلمات:
الأول: الذي يدل على المعنى الأول مثل: انحرف، زاغ، حاد. الثاني: الذي يدل على المعنى الثاني مثلا: زاغ؛ تاب، التفت، توجه.
الثالث: الذي يدل على المعنى الأول والثاني معا مثلا: مال، شغل، عدل، رجع.
فكلمة ((صغى)) استعملت للمعنى الثاني، إلا أن بعض المفسيرين قد أرادوا به المعنى الثالث، ومعظمهم استخدموه للمعنى الأول، وهذا من الأخطاء الأدبية الفادحة، التي لا تستند إلى أي دليل أو برهان في أساليب
(1) ومن تلك الأمثلة:
أ - قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [آل عمران: 184].
ب - {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [سورة التوبة: 40].
ج - {إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38].
د - {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: 89].