المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البحث الأولعلمها بالقرآن الكريم - سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين

[سليمان الندوي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديمبقلمالأستاذ سعيد الأعظمي الندوي

- ‌مقدمة المعرب

- ‌لمحة موجزة عن حياة العلامةسليمان الندوي رحمه الله

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌أسرته:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌التحاقه بدار العلوم لندوة العلماء لكنو الهند:

- ‌أهم العلماء الذين أثروا في تكوينه العلمي والفكري:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌أولا - القرآن الكريم:

- ‌ثانيا - الحديث الشريف:

- ‌ثالثا - الفقه:

- ‌رابعا - التاريخ:

- ‌خامسا - الفلسفة وعلم الكلام:

- ‌سادسا - اللغة والأدب:

- ‌أهم مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌كلمة عن كتابسيرة أم المؤمنين عائشةرضي الله عنها

- ‌أهمية هذا الكتاب:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌الباب الأولسيرة السيدةعائشة أم المؤمنين

- ‌تمهيد

- ‌الاسم والكنية والنسب:

- ‌الولادة:

- ‌ملاحظة:

- ‌الطفولة:

- ‌الفصل الأولالزواج الميمون

- ‌مهر عائشة (ض):

- ‌التاريخ الذي تزوجت فيه عائشة (ض):

- ‌هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

- ‌بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة:

- ‌أهم مميزات نكاحه صلى الله عليه وسلم بعائشة وبنائه بها:

- ‌الفصل الثانيعائشة في مدرسة النبوة

- ‌الدراسة وطلب العلم:

- ‌من حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حزم أبي بكر في تربية أولاده:

- ‌مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل عليها:

- ‌الشؤون المنزلية:

- ‌فرض النبي صلى الله عليه وسلم العطية لأزواجه بعد فتح خيبر:

- ‌عمر (ض) زاد في أعطيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عهده:

- ‌العشرة الزوجية ونظر الإسلام إلى المرأة مقارنة بنظر الشرق والغرب:

- ‌الزوجة الحبيبة:

- ‌سبب حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة:

- ‌الزوج الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌نماذج من غيرة عائشة على ضرائرها:

- ‌مداراة الزوجة:

- ‌الملاطفة والمؤانسة:

- ‌سمره صلى الله عليه وسلم معها:

- ‌المؤاكلة:

- ‌الصحبة في السفر:

- ‌المسابقة:

- ‌الدلال:

- ‌غيرتها على خديجة ونماذج من تدللها:

- ‌القيام بالأعمال المنزلية:

- ‌الطاعة واتباع الأحكام:

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم رباها على السخاء والكرم:

- ‌التعايش الديني:

- ‌القيام بواجب النبوة في الببت:

- ‌الفصل الثالثمعاملتها مع الضرائر والأقارب

- ‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة:

- ‌علاقتها الوطيدة بالسيدة فاطمة (ض):

- ‌تنبيه على بعض الروايات الواهية والضعيفة:

- ‌الفصل الرابعحديث الإفك ومشروعية التيمم

- ‌أولا - حديث الإفك:

- ‌أهداف المنافقين من وراء حادث الإفك:

- ‌موقف المستشرق ((وليم موير)) من حديث الإفك:

- ‌ثانيا - مشروعية التيمم:

- ‌الفصل الخامسوقائع التحريم والإيلاء والتخيير

- ‌أولا - التحريم:

- ‌تفنيد بعض الشبهات:

- ‌ثانيا - الإيلاء:

- ‌ثالثا - التخيير:

- ‌الفصل السادسوداع الحبيبفي السنة الحادية عشرة للهجرة

- ‌سبب رغبته صلى الله عليه وسلم في التمريض في بيت عائشة:

- ‌خبر منام عائشة (ض):

- ‌الفصل السابععائشة بعد رحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌عهد أبي بكر الصديق (ض):

- ‌وفاة أبي بكر الصديق (ض):

- ‌عهد عمر بن الخطاب (ض):

- ‌عهد عثمان بن عفان (ض):

- ‌الفصل الثامننشوء الفتن ومعركة الجمل

- ‌اعتناق عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام:

- ‌استشهاد الخليفة عثمان بن عفان (ض) وبيعة علي بن أبي طالب:

- ‌عهد علي بن أبي طالب (ض):

- ‌الإصلاح وواجبات المرأة المسلمة:

- ‌عائشة (ض) ترفع راية الإصلاح وتغادر إلى البصرة:

- ‌قصة ماء الحوأب وعزم عائشة على الرجوع:

- ‌أوضاع المسلمين في الكوفة:

- ‌خطبة عائشة (ض) في البصرة:

- ‌خطبة أخرى لعائشة (ض):

- ‌مكاتبة عائشة لأهل الكوفة:

- ‌معركة الجمل:

- ‌مجهودات القعقاع للإصلاح بين الفريقين:

- ‌تذكير علي طلحة والزبير بمقالة الرسول صلى الله عليه وسلم ورجوعهما عن المعركة، وشهادة الزبير:

- ‌عقر جمل عائشة (ض) لإيقاف المعركة:

- ‌توديع علي عائشة وتشييعها بكل الإجلال والتوقير:

- ‌تأسف عائشة (ض) على خطئهما الاجتهادي:

- ‌الرد على القول بالجفاء في علاقة علي بعائشة (ض):

- ‌رد الإمام الزهري على الوليد بن عبد الملك:

- ‌عائشة (ض) ترشد المستفتين إلى علي (ض):

- ‌الفصل التاسعأم المؤمنين في عهد معاويةرضي الله عنهما

- ‌رأي عائشة في الخوارج:

- ‌واقعة دفن الحسن بن علي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف عائشة (ض):

- ‌الفصل العاشروفاة عائشة رضي الله عنها

- ‌كنية عائشة (ض):

- ‌الباب الثانيعائشة رضي الله عنهاشمائلها ومناقبها ومكانتها العلمية

- ‌الفصل الأولشمائلها رضي الله عنها

- ‌هيئتها ولباسها:

- ‌خلقها (ض):

- ‌مساعدة النساء:

- ‌طاعة الزوج:

- ‌الاحتراز من الغيبة:

- ‌التورع من قبول الهدايا:

- ‌تجنب المدح والإطراء:

- ‌الإباء والأنفة:

- ‌الشجاعة والمجاهدة:

- ‌السخاء والكرم:

- ‌العبادة:

- ‌الاحتراز من الأشياء التافهة:

- ‌الرحمة بالأرقاء والموالي والرفق بهم:

- ‌إعانة الفقراء وأصحاب الحاجة على قدر مراتبهم:

- ‌الاهتمام البالغ بالحجاب:

- ‌الفصل الثانيمناقبها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالثمكانتها العلمية رضي الله عنها

- ‌تمهد:

- ‌العلم والاجتهاد:

- ‌البحث الأولعلمها بالقرآن الكريم

- ‌البحث الثانيعلمها بالحديث الشريف

- ‌أم المؤمنين عائشة وبقية أمهات المؤمنين:

- ‌أم المؤمنين عائشة وكبار الصحابة والمكثرون منهم:

- ‌مكانة عائشة (ض) عند المكثرين من الصحابة:

- ‌عدد رواياتها:

- ‌الاهتمام بالدراية مع الرواية عند المكثرين من الصحابة:

- ‌اعتناء عائشة (ض) ببيان حكم وأساب الحكم الشرعي:

- ‌التحري في رواية الحديث:

- ‌الأصول التي تنبني عليها استدراكات عائشة:

- ‌أ - لا يحتج بالسنة إذا خالفت الكتاب:

- ‌ب - الوصول إلى فحوى الكلام ولبه:

- ‌ج - المعرفة الشخصية:

- ‌د - الذاكرة القوية والحافظة النادرة:

- ‌جمع وتدوين مرويات أم المؤمنين عائشة (ض):

- ‌البحث الثالثعلمها بالفقه والقياسوأصولها في الاجتهاد

- ‌القرآن الكريم:

- ‌السنة النبوية:

- ‌القياس العقلي:

- ‌تقسيم السنة:

- ‌اختلافها مع الأقران والمعاصرين:

- ‌البحث الرابععلمها بالتوحيد أو العقيدة

- ‌إثبات اليد ونحوها لله سبحانه وتعالى:

- ‌رؤية الباري تعالى:

- ‌علم الغيب:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم وكتمان ما أنزل الله:

- ‌عصمة الأنبياء:

- ‌المعراج الروحي:

- ‌الصحابة عدول:

- ‌الترتيب في أمر الخلافة:

- ‌سماع الموتى:

- ‌البحث الخامسعلمها بأسرار الشريعة

- ‌الترتيب في نزول القرآن الكريم:

- ‌سر نجاح الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة:

- ‌الاغتسال يوم الجمعة:

- ‌تقصير الصلاة في السفر:

- ‌النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر:

- ‌الصلاة جلوسا:

- ‌سبب مشروعية صلاة المغرب ثلاث ركعات:

- ‌سبب مشروعية صلاة الفجر ركعتين:

- ‌سبب صوم عاشوراء:

- ‌سبب عدم مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة التراويح في شهر رمضان:

- ‌حقيقة مناسك الحج:

- ‌النزول في وادي المحصب:

- ‌النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث:

- ‌الحطيم وبناء الكعبة المشرفة:

- ‌سبب الطواف بالبيت راكبا:

- ‌الكشف عن حقيقة الهجرة:

- ‌دفن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة الشريفة:

- ‌البحث السادسمعرفتها ب‌‌الطبوالتاريخ والخطابة والشعر

- ‌الطب

- ‌التاريخ:

- ‌الأدب:

- ‌الخطابة:

- ‌الشعر:

- ‌الفصل الرابعدور عائشة في التعليم والإفتاء والإرشاد

- ‌1 - التعليم:

- ‌2 - الإفتاء:

- ‌3 - الإرشاد:

- ‌الفصل الخامسفضل عائشة ومننها على نساء العالمين

- ‌الدفاع عن حقوق المرأة:

- ‌مكانة عائشة وفضلها في عالم النساء:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرست الموضوعات

الفصل: ‌البحث الأولعلمها بالقرآن الكريم

‌البحث الأول

علمها بالقرآن الكريم

الكل يعرف أن القرآن الكريم قد تم نزوله في مدة ثلاث وعشرين سنة، وعائشة (ض) زفت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في التاسعة من عمرها، فيكون ذلك السنة الرابعة عشرة من نزول القرآن الكريم، أو من البعثة، وعلى هذا فإنها قد عاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم زهاء عشر سنوات، ونستوحي من ذلك أن أكثر من نصف القرآن الكريم يكون قد نزل قبل بلوغ عائشة (ض) سن الرشد. وبالرغم من هذا السن المبكر فلم يثبت أنها فوتت فرصة من فرص الاستفادة حتى أيام طفولتها - أيام اللهو واللعب - وتركتها تذهب سدى دون أن تغتنمها، وخاصة أنه لم يمر يوم إلا ويأتي فيه النبي صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر طرفي النهار بكرة وعشية (1).

وكان أبو بكر الصديق (ض) قد ابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن (2)، وكانت عائشة (ض) تنتهز هذه الفرصة السانحة فتحفظ ما يقرع سمعها من آيات الكتاب الحكيم، وتعيها وتخزنها في ذاكرتها القوية التي وهبها الله تعالى إياها.

تقول (ض): ((لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46])) (3).

(1) تقول عائشة (ض): لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية (صحيح البخاري كتاب المناقب برقم 3906).

(2)

صحيح البخاري كتاب الصلاة برقم 476.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم 4876 وكتاب فضائل القرآن برقم 4993.

ص: 230

لم تكن عائشة (ض) تحفظ الشيء الكثير من كتاب الله حتى الثالثة عشرة من عمرها، وقد اعترفت بذلك وصرحت به قائلة عندما وقعت حادثة الإفك:((وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا)) (1) ومع ذلك فإنها كانت تستدل بالآيات القرآنية، والقرآن الكريم لم يتم تدوينه كتابة في شكل كتاب حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن جاء الخليفة الراشد أبو بكر الصديق (ض) فقام بتدوينه في عهده المجيد، وخلال هذه الفترة قام بعض الصحابة بتدوينه على حدة للتلاوة اليومية، ولم يكن هناك اختلاف في التدوين إلا ما كان في تقديم سورة أو تأخيرها، كان أبو يونس مولى لعائشة (ض) وهو يعرف الكتابة فأمرته عائشة (ض) أن يكتب لها مصحفا (2)، ومعظم الاختلافات في القراءة كان في بلاد العراق، وذلك نظرا للاختلاط بالعجم هناك (3).

جاء عراقي إلى عائشة (ض) فقال: أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أولف القرآن عليه، فإنه مؤلف، قالت: وما يضرك أية آية قرئت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه ..... فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور (4).

وقد وهبها الله تعالى لسانا سؤولا فلا يهدأ لها بال إذا أشكل عليها شيء من معاني القرآن حتى أن تشفي غليلها بالاستفسار من النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد في الأحاديث أنها كثيرا ما كانت تستفسر من الرسول صلى الله عليه وسلم عن تفاسير الآيات ومعانيها وتأويلاتها، كيف لا وقد أمرهن الباري عز وجل فقال:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فكان تنفيذ هذا الأمر واجبا عليهن، وذلك لا يكتمل إلا بمعرفة معاني الذكر

(1) صحيح البخاري حديث الإفك بأرقام 2661، 4141، 4750.

(2)

صحيح الإمام مسلم رقم 629، ومسند الإمام أحمد 6/ 73 رقم 24492.

(3)

جاء في صحيح البخاري أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة (باب جمع القرآن).

(4)

صحيح البخاري باب تأليف القرآن.

ص: 231

الحكيم. كما أنها كانت تقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، وتستمع لما يقرأه صلى الله عليه وسلم من سور طوال المفصل: البقرة وآل عمران والنساء (1)، ولم ينزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في لحاف واحدة غير عائشة (ض)(2)، فكانت أول من تلقى القرآن مباشرة من فم النبوة فور نزوله، تقول (ض):((وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)) (3).

وبالجملة فإن هذه هي الأسباب التي مكنت عائشة (ض) من فهم معاني كل آية من الآيات القرآنية، وتحديد فحواها الحقيقي، واختلاف الأحرف السبعة، وإدراك مواضع الاستدلال فيها، وطرق الاستنباط منها، وجعلتها تحتل مكانة رفيعة، وتنال براعة كاملة وملكة كبيرة في هذا الموضوع. ولذلك نراها ترجع إلى كتاب الله العزيز قبل كل شيء في حل كل مشكلة صغيرة أو كبيرة والكشف عن عقدة تفسيرية، أو رد سؤال موجه إليها في هذا الصدد.

فهو المرجع الأول لها في كل الأمور، وإنها لم تكن تراجع القرآن الكريم في قضايا العقائد والفقه والأحكام الشرعية فحسب، بل في كل الأمور حتى في موضوع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أخلاقه وسلوكه، وكذلك في المسائل ذات الصلة بالتاريخ والأخبار.

وقد جاءها ذات مرة ناس يسألونها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، قالوا: حدثيني عن قيام الليل؟ قالت: ألت تقرأ ياأيها المزمل (4).

وسوف نتحدث لاحقا بالتفصيل عن طرق ومناهج استنباطاتها

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 92/ 6 برقم 24653.

(2)

صحيح البخاري باب تأليف القرآن.

(3)

صحيح البخاري باب تأليف القرآن.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه برقم 1342، ومسلم في صحيحه بشيء من التفصيل باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض برقم 746، وابن خزيمة في صحيحه 2/

171 برقم 1127، وابن حبان في صحيحه 292/ 6 برقم 2551، والبيهقي في السنن الكبرى 29/ 3 برقم 4588.

ص: 232

واستخراجاتها وسعة نطاق البحث الذي كان سمة رئيسة بارزة لأم المؤمنين (ض).

إن عدد الروايات الصحيحة عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين التي تتناول تفسير الآيات القرآنية قليل جدا، فنرى صحيح الإمام البخاري الذي يتضمن كتابا كبيرا ومفصلا عن تفسير الآيات القرآنية، إلا أن معظمه روايات عن التابعين في حل اللغات، أو سرد مختلف القصص والوقائع ضمن تفسير الآيات لوجود مناسبة ولو بسيطة بينهما، كما هو عادة الإمام البخاري (ح)، وإلا فإن التفسير الحقيقي منه قليل جدا، كذلك الإمام الترمذي فكتابه ((السنن)) يحتوي على كتاب كبير من التفسير، لكن عليه ملاحظت آتية:

1 -

لم يراع فيه صحة الأسانيد إلا قليلا.

2 -

يعزو فيه تفسير الآية بمعنى الكلمة.

أما الإمام مسلم (ح) فإنه جمع كتابا خاصا بتفسير القرآن الكريم في آخر صحيحه، لكنه لم يأت بالشيء الكثير، ومعظم ما فيه من الروايات فهي مروية عن ابن عباس وعائشة (ض)، وعلى كل فإن ما روي عن عائشة (ض) حول تفسير الآيات القرآنية ليس بقليل، وفيما يأتي نقتصر على ذكر تلك الروايات التفسيرية التي توجد فيها نكتة خاصة بينتها عائشة (ض).

1 -

إن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الحج، وقد ورد فيه قوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].

قال عروة: سألت عائشة (ض) فقلت: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة.

قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت ((لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما)). ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا

ص: 233

قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قالت عائشة (ض): وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم

(1).

ولا شك أن هذا هو الواقع.

إن عائشة (ض) كانت على علم كاف وبصيرة تامة، وقد كشفت عن عقدة معقدة لأصول التفسير، ولا بد أن تراعى هذه الأصول في كل تفسير، وهي أن فحوى الآية ومقصودها الحقيقي يحدد في ضوء ما يتبادر إلى الذهن من معاني الألفاظ حسب استعمالات العرب، والأمثال العربية، وإلا -كما تقول أم المؤمنين - لكان من الممكن أن يعبر الله تعالى عن ذلك بعبارة أخرى يكون معناها المتبادر واضحا جليا.

2 -

قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110].

قال عروة وهو يسأل عائشة (ض) عن هذه الآية: قلت: أ ((كذبوا)) أم ((كذبوا)) قالت عائشة: كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، فما هو بالظن؟.

قالت: أجل لعمري، لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: وظنوا أنهم قد كذبوا، قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم

(1) صحيح البخاري كتاب الحج يرقم 1643، وصحيح الإمام مسلم كتاب الحج برقم

1277، وسنن الترمذي كتاب تفسير القرآن برقم 2965، وسنن النسائي كتاب مناسك

الحج برقم 2968.

ص: 234

وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك (1).

3 -

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].

والظاهر عدم وجود المناسبة والمطابقة بين هذه الآية والتي قبلها، فالأولى تحدثت عن الجور في حقوق الأيتام، والثانية تحدثت حول إذن النكاح.

وقد سأل عائشة أحد تلاميذها عن هذه الآية وانسجامها مع سابقتها فقالت: ((اليتيمة تكون عند الرجل وهو وليها فيتزوجها على مالها ويسيء صحبتها ولا يعدل في مالها، فليتزوج ما طاب له من النساء سواها مثنى وثلاث ورباع)) (2).

4 -

قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127].

فسئلت عائشة (ض) عن هذه الآية فقالت: والذي ذكر الله تعالى أنه {يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} (لآية الأولى التي قال الله فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن (3).

5 -

اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6].

(1) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن برقم 4696.

(2)

صحيح البخاري كتاب النكاح برقم 5098، صحيح الإمام مسلم كتاب التفسير برقم 3018.

(3)

صحيح الإمام مسلم كتاب التفسير برقم 3018، وصحيح البخاري كتاب الشركة برقم 2494، وكتاب الوصايا برقم 2763.

ص: 235

فقالت عائشة (ض): ((أنزلت في ولي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف)) (1) وروي عن ابن عباس (ض) أن هذا الإذن نسخه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] لكن ظاهر الآية يدل على أن مستحقي هذا العقاب هم أولئك الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، تقول عائشة (ض): إن الآية الأولى التي فيها إذن بالأكل هي لولاة الأيتام إذا كانوا فقراء، فإنهم يأكلون منه مكان قيامهم عليهم بالمعروف، فإن كان ولاة الأيتام من الموسرين فلا يجوز لهم أن يأخذوا منه شيئا، مكان قيامه عليهم، وإن كانوا فقراء فلهم ذلك.

6 -

آية نشوز الزوج: قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128].

فالرجوع إلى الصلح لدفع الغضب وإزالة سوء التفاهم أمر طبيعي، إذن ما فائدة هذا الحكم؟ تجيب عائشة (ض) عن هذا السؤال قائلة: ((الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها، فيريد طلاقها ويتزوج غيرها فتقول له:

أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي، فذلك قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} )) (2).

7 -

الآيات التي تدل على الخوف أو فيها ذكر المشاهد المفزعة والمناظر المرعبة، يربطها المفسرون بالقيامة، لكن الصحابة الكرام بموجب معرفتهم بمجمل سائر الآيات القرآنية، كان بإمكانهم أن يحددوا مفهوم الآية على أكمل وجه وأحسن طريق، مثلا قوله تعالى:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] يقول عبد الله بن مسعود (ض) في تفسير هذه الآية وسبب نزولها: ((إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف،

(1) صحيح البخاري كتاب البيوع برقم 2212، كتاب الوصايا برقم 2765، كتاب التفسير برقم 4575 ومسلم في صحيحه كتاب التفسير برقم 3019.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المظالم والغضب رقم 2450 وكتاب الصلح برقم 2694 وكتاب تفسير القرآن برقم 4601 وكتاب النكاح برقم 5206، ومسلم في صحيحه كتاب التفسير برقم 2021.

ص: 236

فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (*) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11])) (1).

كذلك قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] تقول عائشة (ض) عن هذه الآية: ((كان ذاك يوم الخذدق)) (2) تعني أن هذا تصوير لاضطراب المسلمين وابتلائهم يوم الخندق.

8 -

تفسير ((الصلاة الوسطى)) في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].

اختلفت أقوال الصحابة (ض) في تفسير ((الصلاة الوسطى)) فروى الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت وأسامة (ض) أنها صلاة الظهر (3)، وروي عن البعض منهم أنها صلاة الصبح، بينما ترى عائشة (ض) أنها صلاة العصر، وكانت تقول ذلك بغاية من الثقة والاعتداد، حتى إنها سجلت هذا التفسير على هامش المصحف الذي كتبه لها مولاها أبو يونس (4). وهذا هو التفسير

(1) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة برقم1007/ 1020 وكتاب تفسير القرآن برقم 4693، 4774، 4809، ومسلم في صحيحه كتاب صفة القيامة والجنة رقم 2798، وسنن الترمذي كتاب التفسير برقم 3254.

(2)

صحيح البخاري كتاب المغازي برقم 4103، وصحيح مسلم كتاب التفسير برقم 3020.

(3)

أخرج الإمام أحمد في مسنده 5/ 205 برقم 21840 أن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال: هي العصر، فقام إليه رجلان منهم فسألاه فقال: هي الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه فقال: هي الظهر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير،

ولا يكون وراءه إلا الصف والصفان من الناس في قائلتهم وتجارتهم فأنزل الله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وأبو داود في سننه كتاب الصلاة برقم 411.

(4)

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى=

ص: 237

المعتمد لدى كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ومنهم سيدنا علي بن أبي طالب (ض) وعبد الله بن مسعود وسمرة بن جندب (ض)(1)، وهو ما يقتضيه العقل، لأن صلاة العصر هي في وسط النهار بين الظهر والمغرب.

9 -

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284].

ظاهر الآية أن الإنسان يحاسب بما تحدث به نفسه ولا يدري ما يغفر منه وما لا يغفر منه، ولا شك أن الإنسان إذا حوسب بما يخطر على باله من الأحاديث والوساوس يشق عليه ذلك وتضيق عليه الحياة. قال علي وابن عباس (ض): نسختها الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وهذا هو رأي ابن عمر (ض)(3).

10 -

أما عائشة (ض) فإنها لما سئلت عن تفسير هذه الآية وكذلك قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمى والنكبة، حتى البضاعة يضعها في كام قميصه فيفقدها فيفزع لها، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير (4).

هذا وقد روي عن عائشة (ض) تفسير الآيات الأخرى كذلك، إلا أننا

= وصلاة العصر - قُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، (كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم 629، كما أخرجه الترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن برقم 2982 والنسائي في سننه كتاب الصلاة برقم 472 وأبو داود في سننه كتاب الصلاة برقم 410).

(1)

أخرج الإمام الترمذي في سننه كتاب التفسير أقوال هؤلاء العلماء:

حديث سمرة بن جندب برقم 2983 وحديث ابن مسعود (ض) برقم 2985 وحديث علي (ض) برقم 2984.

(2)

أخرج الترمذي في سننه كتاب التفسير قول ابن عباس (ض) برقم 2992 وقول علي (ض) برقم 2990.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم 4545 وكذلك 4546.

(4)

أخرجه الترمذي في سننه كتاب التفسير برقم 2991، وكذلك الإمام أحمد في مسنده.

ص: 238

اقتصرنا على هذا القدر، وتفسير هذه الآيات بالذات لأن لها رأيا خاصا ووجهة نظر منفردة فيها، أما تفاسير الآيات الأخرى فليس هناك وجهة نظر خاصة ملموسة لها من بين عامة الصحابة، وسوف يتضح لنا مدى عمق اطلاعها وسعة علمها ومعرفتها العالية في مجال علوم القرآن بآرائها الحديثية والفقهية والكلامية، والتي سوف نتطرق إليها لاحقا إن شاء الله. القراءات الشاذة المروية عن عائشة (1):

وقد رويت عن عائشة (ض) بعض القراءات الشاذة ومنها:

1 -

(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر)، يقول أبو يونس مولى عائشة: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، فقولها:(وصلاة العصر) غير موجود في أصل القرآن.

والواقع أن عائشة (ض) لم تقصد زيادة (وصلاة العصر) في أصل القرآن الكريم، وإنما كان غرضها من ذلك هو بيان تفسير الصلاة الوسطى فقط (3)، إلا أن الراوي أساء فهم قولها.

(1) القراءات الشاذة: لمعرفة القراءات الشاذة لا بد من معرفة ضابط القراءة الصحيحة، وفي هذا يقول الشيخ ابن الجزري: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز

ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها

قال: ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة، أطلق عليها:

ضعيفة أو شاذة أو باطلة.

انظر للتفصيل: النشر في القراءات العشر، لابن الجزري 1/ 9 ط: دار الكتب العلمية بيروت.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم 629، والترمذي في سننه برقم 2982 كتاب التفسير، والنسائي في سننه كتاب الصلاة برقم 472، وأبو داود في سننه كتاب الصلاة برقم 410.

(3)

وهو ما اصطلح عليه باسم القراءة التفسيرية (الناشر).

ص: 239

2 -

روي عنها في باب الرضاعة أنها قالت: ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)) (1) لكن لا توجد آية في القرآن باتفاق العلماء تدل على خمس رضعات، ولو صحت نسبة هذا الحديث إلى عائشة (ض)، فلعله وهم منها، أو أنها قصدت أن خمس رضعات كانت سابقا، أما القول بوجود هذا الحكم في القرآن الكريم فليس بصحيح، ويمكن أن الراوي أساء الفهم (2).

(1) صحيح الإمام مسلم كتاب الرضاع برقم 1452، وسنن الترمذي كتاب الرضاع برقم 1150، وسنن النسائي كتاب النكاح برقم 3307.

(2)

وقد روى بعض العلماء عن عائشة (ض) قولها: ((لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها)) (أخرجه ابن ماجه في سننه باب رضاع الكبير برقم 1944، والدارقطني في سننه 179/ 4، والطبراني في الأوسط 12/ 18 برقم 7805، وأبو يعلى في مسنده 8/ 64 برقم 4588، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث 310/ 1، والإمام ابن حزم في المحلى236/ 11) وهذا باطل، لأنه لم يثبت نزول أي آية في مرض موته صلى الله عليه وسلم بإجماع العلماء، ولو قلنا إنها نزلت قبل مرض الموت فكان من المفروض أن تكون محفوظة عند كتاب الوحي، وحفظها عامة المسلمين، لا أن تكون تحت سريرها.

وراوي الحديث هو محمد بن إسحاق، وهو ضعيف في باب الأحاديث والأحكام عند العلماء، أما حديث خمس رضعات فموجود في صحيح الإمام مسلم والموطأ وغيرهما من كتب الأحاديث الصحيحة، لكنهم لم يتطرقوا إلى قصة أكل الداجن هذه الصحيفة، فدل على أنه زيادة من أحد الرواة. والله تعالى أعلم.

ص: 240