المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌تقديمبقلمالأستاذ سعيد الأعظمي الندوي

- ‌مقدمة المعرب

- ‌لمحة موجزة عن حياة العلامةسليمان الندوي رحمه الله

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌أسرته:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌التحاقه بدار العلوم لندوة العلماء لكنو الهند:

- ‌أهم العلماء الذين أثروا في تكوينه العلمي والفكري:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌أولا - القرآن الكريم:

- ‌ثانيا - الحديث الشريف:

- ‌ثالثا - الفقه:

- ‌رابعا - التاريخ:

- ‌خامسا - الفلسفة وعلم الكلام:

- ‌سادسا - اللغة والأدب:

- ‌أهم مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌كلمة عن كتابسيرة أم المؤمنين عائشةرضي الله عنها

- ‌أهمية هذا الكتاب:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌الباب الأولسيرة السيدةعائشة أم المؤمنين

- ‌تمهيد

- ‌الاسم والكنية والنسب:

- ‌الولادة:

- ‌ملاحظة:

- ‌الطفولة:

- ‌الفصل الأولالزواج الميمون

- ‌مهر عائشة (ض):

- ‌التاريخ الذي تزوجت فيه عائشة (ض):

- ‌هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

- ‌بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة:

- ‌أهم مميزات نكاحه صلى الله عليه وسلم بعائشة وبنائه بها:

- ‌الفصل الثانيعائشة في مدرسة النبوة

- ‌الدراسة وطلب العلم:

- ‌من حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حزم أبي بكر في تربية أولاده:

- ‌مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل عليها:

- ‌الشؤون المنزلية:

- ‌فرض النبي صلى الله عليه وسلم العطية لأزواجه بعد فتح خيبر:

- ‌عمر (ض) زاد في أعطيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عهده:

- ‌العشرة الزوجية ونظر الإسلام إلى المرأة مقارنة بنظر الشرق والغرب:

- ‌الزوجة الحبيبة:

- ‌سبب حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة:

- ‌الزوج الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌نماذج من غيرة عائشة على ضرائرها:

- ‌مداراة الزوجة:

- ‌الملاطفة والمؤانسة:

- ‌سمره صلى الله عليه وسلم معها:

- ‌المؤاكلة:

- ‌الصحبة في السفر:

- ‌المسابقة:

- ‌الدلال:

- ‌غيرتها على خديجة ونماذج من تدللها:

- ‌القيام بالأعمال المنزلية:

- ‌الطاعة واتباع الأحكام:

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم رباها على السخاء والكرم:

- ‌التعايش الديني:

- ‌القيام بواجب النبوة في الببت:

- ‌الفصل الثالثمعاملتها مع الضرائر والأقارب

- ‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة:

- ‌علاقتها الوطيدة بالسيدة فاطمة (ض):

- ‌تنبيه على بعض الروايات الواهية والضعيفة:

- ‌الفصل الرابعحديث الإفك ومشروعية التيمم

- ‌أولا - حديث الإفك:

- ‌أهداف المنافقين من وراء حادث الإفك:

- ‌موقف المستشرق ((وليم موير)) من حديث الإفك:

- ‌ثانيا - مشروعية التيمم:

- ‌الفصل الخامسوقائع التحريم والإيلاء والتخيير

- ‌أولا - التحريم:

- ‌تفنيد بعض الشبهات:

- ‌ثانيا - الإيلاء:

- ‌ثالثا - التخيير:

- ‌الفصل السادسوداع الحبيبفي السنة الحادية عشرة للهجرة

- ‌سبب رغبته صلى الله عليه وسلم في التمريض في بيت عائشة:

- ‌خبر منام عائشة (ض):

- ‌الفصل السابععائشة بعد رحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌عهد أبي بكر الصديق (ض):

- ‌وفاة أبي بكر الصديق (ض):

- ‌عهد عمر بن الخطاب (ض):

- ‌عهد عثمان بن عفان (ض):

- ‌الفصل الثامننشوء الفتن ومعركة الجمل

- ‌اعتناق عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام:

- ‌استشهاد الخليفة عثمان بن عفان (ض) وبيعة علي بن أبي طالب:

- ‌عهد علي بن أبي طالب (ض):

- ‌الإصلاح وواجبات المرأة المسلمة:

- ‌عائشة (ض) ترفع راية الإصلاح وتغادر إلى البصرة:

- ‌قصة ماء الحوأب وعزم عائشة على الرجوع:

- ‌أوضاع المسلمين في الكوفة:

- ‌خطبة عائشة (ض) في البصرة:

- ‌خطبة أخرى لعائشة (ض):

- ‌مكاتبة عائشة لأهل الكوفة:

- ‌معركة الجمل:

- ‌مجهودات القعقاع للإصلاح بين الفريقين:

- ‌تذكير علي طلحة والزبير بمقالة الرسول صلى الله عليه وسلم ورجوعهما عن المعركة، وشهادة الزبير:

- ‌عقر جمل عائشة (ض) لإيقاف المعركة:

- ‌توديع علي عائشة وتشييعها بكل الإجلال والتوقير:

- ‌تأسف عائشة (ض) على خطئهما الاجتهادي:

- ‌الرد على القول بالجفاء في علاقة علي بعائشة (ض):

- ‌رد الإمام الزهري على الوليد بن عبد الملك:

- ‌عائشة (ض) ترشد المستفتين إلى علي (ض):

- ‌الفصل التاسعأم المؤمنين في عهد معاويةرضي الله عنهما

- ‌رأي عائشة في الخوارج:

- ‌واقعة دفن الحسن بن علي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف عائشة (ض):

- ‌الفصل العاشروفاة عائشة رضي الله عنها

- ‌كنية عائشة (ض):

- ‌الباب الثانيعائشة رضي الله عنهاشمائلها ومناقبها ومكانتها العلمية

- ‌الفصل الأولشمائلها رضي الله عنها

- ‌هيئتها ولباسها:

- ‌خلقها (ض):

- ‌مساعدة النساء:

- ‌طاعة الزوج:

- ‌الاحتراز من الغيبة:

- ‌التورع من قبول الهدايا:

- ‌تجنب المدح والإطراء:

- ‌الإباء والأنفة:

- ‌الشجاعة والمجاهدة:

- ‌السخاء والكرم:

- ‌العبادة:

- ‌الاحتراز من الأشياء التافهة:

- ‌الرحمة بالأرقاء والموالي والرفق بهم:

- ‌إعانة الفقراء وأصحاب الحاجة على قدر مراتبهم:

- ‌الاهتمام البالغ بالحجاب:

- ‌الفصل الثانيمناقبها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالثمكانتها العلمية رضي الله عنها

- ‌تمهد:

- ‌العلم والاجتهاد:

- ‌البحث الأولعلمها بالقرآن الكريم

- ‌البحث الثانيعلمها بالحديث الشريف

- ‌أم المؤمنين عائشة وبقية أمهات المؤمنين:

- ‌أم المؤمنين عائشة وكبار الصحابة والمكثرون منهم:

- ‌مكانة عائشة (ض) عند المكثرين من الصحابة:

- ‌عدد رواياتها:

- ‌الاهتمام بالدراية مع الرواية عند المكثرين من الصحابة:

- ‌اعتناء عائشة (ض) ببيان حكم وأساب الحكم الشرعي:

- ‌التحري في رواية الحديث:

- ‌الأصول التي تنبني عليها استدراكات عائشة:

- ‌أ - لا يحتج بالسنة إذا خالفت الكتاب:

- ‌ب - الوصول إلى فحوى الكلام ولبه:

- ‌ج - المعرفة الشخصية:

- ‌د - الذاكرة القوية والحافظة النادرة:

- ‌جمع وتدوين مرويات أم المؤمنين عائشة (ض):

- ‌البحث الثالثعلمها بالفقه والقياسوأصولها في الاجتهاد

- ‌القرآن الكريم:

- ‌السنة النبوية:

- ‌القياس العقلي:

- ‌تقسيم السنة:

- ‌اختلافها مع الأقران والمعاصرين:

- ‌البحث الرابععلمها بالتوحيد أو العقيدة

- ‌إثبات اليد ونحوها لله سبحانه وتعالى:

- ‌رؤية الباري تعالى:

- ‌علم الغيب:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم وكتمان ما أنزل الله:

- ‌عصمة الأنبياء:

- ‌المعراج الروحي:

- ‌الصحابة عدول:

- ‌الترتيب في أمر الخلافة:

- ‌سماع الموتى:

- ‌البحث الخامسعلمها بأسرار الشريعة

- ‌الترتيب في نزول القرآن الكريم:

- ‌سر نجاح الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة:

- ‌الاغتسال يوم الجمعة:

- ‌تقصير الصلاة في السفر:

- ‌النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر:

- ‌الصلاة جلوسا:

- ‌سبب مشروعية صلاة المغرب ثلاث ركعات:

- ‌سبب مشروعية صلاة الفجر ركعتين:

- ‌سبب صوم عاشوراء:

- ‌سبب عدم مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة التراويح في شهر رمضان:

- ‌حقيقة مناسك الحج:

- ‌النزول في وادي المحصب:

- ‌النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث:

- ‌الحطيم وبناء الكعبة المشرفة:

- ‌سبب الطواف بالبيت راكبا:

- ‌الكشف عن حقيقة الهجرة:

- ‌دفن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة الشريفة:

- ‌البحث السادسمعرفتها ب‌‌الطبوالتاريخ والخطابة والشعر

- ‌الطب

- ‌التاريخ:

- ‌الأدب:

- ‌الخطابة:

- ‌الشعر:

- ‌الفصل الرابعدور عائشة في التعليم والإفتاء والإرشاد

- ‌1 - التعليم:

- ‌2 - الإفتاء:

- ‌3 - الإرشاد:

- ‌الفصل الخامسفضل عائشة ومننها على نساء العالمين

- ‌الدفاع عن حقوق المرأة:

- ‌مكانة عائشة وفضلها في عالم النساء:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرست الموضوعات

الفصل: ‌3 - الإرشاد:

ومرة سئلت عن الركعتين بعد العصر فقالت: ((سل أم سلمة)) (1)، كما سئلت عن لبس الحرير فقالت:((سل عبد الله بن عمر)((2).

‌3 - الإرشاد:

إن أي دين أو مذهب لما يطرأ على أهله الجمود وتتوقف عجلة الحركة الدموية فيه بعد مرور فترة زمنية عليه فإنه يكون في حاجة إلى من ينهض ويقوم بتجديده وإحيائه مرة أخرى، أما إذا كان العهد قريبا ولم يمض عليه وقت طويل فإنه يحتاج إلى من يقوم بواجب الإرشاد والتوعية، ويبذل قصارى مجهوداته في استعادة ما ضاع من أحكامه وتعاليمه، ولا يتركه حتى تختفي معالمه من بين أعين الناس ويتناساه الناس، وهذا ما يسمى بالإرشاد والتوعية.

وإن جهود أم المؤمنين عائشة (ض) نحو القيام بأداء هذه الفريضة ليست بأقل من جهود الصحابة الآخرين، فإنها سواء كانت في حجرتها الشريفة، أو بين أظهر الناس أو في مواسم الحج، لم تنس هذه الفريضة ولم تغفل عنها في أي لحظة وفي أي مكان.

كانت رضي الله عنها تحزن وتقلق من كل ما كان يحدث في زمن خلافة عثمان (ض) وما يحاك فيه من شبكات المؤامرات والمعاندات والتي كانت تنقض عرى الإسلام عروة عروة، ومشاركتها في معركة الجمل لم تكن إلا نتيجة ذلك.

ولما أكثر الناس في عثمان (ض) وسخطوا منه من أجل الفتنة التي أثارها العجم وأهل مصر حتى بدأ البعض منهم يلعنه ويسبه ويشتمه، فأرسل

= الكبرى 272/ 1 برقم 1207، وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/ 81 وفيه ((فهو أعلم بذلك مني))، ومسند الإمام أحمد 96/ 1 برقم 748 و 146/ 1 برقم 1244 و 149/ 1 برقم 1276.

(1)

صحيح البخاري كتاب الجمعة باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع برقم 1233.

(2)

أخرجه النسائي في سننه باب التشديد في لبس الحرير برقم 5306.

ص: 334

المخارق بن ثمامة - وكان من سادات البصرة - أخته أم كلثوم بنت ثمامة إلى عائشة (ض) وقال: ((ادخلي على عائشة وسليها عن عثمان بن عفان فإن الناس قد اكثروا فيه عندنا، قالت: فدخلت عليها فقلت: بعض بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان، قالت: أما أنا فأشهد على أني رأيت عثمان في هذا البيت في ليلة قائظة ونبي الله صلى الله عليه وسلم وجبريل يوحي إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب كف أو كتف ابن عفان بيده، اكتب عثم، فما كان الله ينزل تلك المنزلة من نبيه صلى الله عليه وسلم إلا رجلا عليه كريما، فمن سب ابن عفان فعليه لعنة الله)) (1). وقد روى القصة الإمام أحمد بن حنبل في مسنده باختلاف يسير في الألفاظ وفيه: ((قالت: لعن الله من لعنه، لا أحسبها إلا قالت ثلاث مرات، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند فخذه إلى عثمان وإني لأمسح العرق عن جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن الوحي ينزل عليه، ولقد زوجه ابنتيه إحداهما على إثر الأخرى وإنه ليقول اكتب عثمان، قالت: ما كان الله لينزل عبدا من نبيه تلك المنزلة إلا عبدا عليه كريما)) (2).

وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بينه وبين أناس خصومة، فذكر لعائشة (ض) فقالت: يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)) (3).

وكان العرف في المدينة المنورة أنه إذا ولد الصبيان يؤتى بهم إلى عائشة (ض) تبركا فتدعو لهم بالبركة، فأتيت بصبي فذهبت تضع وسادته فإذا تحت رأسه موسى، فسألتهم عن الموسى فقالوا: نجعلها من الجن، فأخذت الموس فرمت بها ونهتهم عنها وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الطيرة ويبغضها (4).

(1) الأدب المفرد 288/ 1، باب من دعا صاحبه فيختصر وينقص من اسمه شيئا برقم 828، والطبراني في الأوسط 117/ 4 رقم 3758، باختلاف يسير.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده 261/ 6 رقم 26290.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه باب إثم من ظلم شيئا من الأرض رقم 2452، 2453، وكتاب بدء الخلق 3195، ومسلم في صحيحه كتاب المساقاة برقم 1612.

(4)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد 314/ 1 رقم 912.

ص: 335

هذا وقد اختلط المسلمون مع العجم في عهد عمر الفاروق (ض)، لكن قوته التنفيذية وسلطته القوية حالت دون تسرب سموم العجمية وجراثيمها إلى مجتمعات المسلمين، إلا أن عهد عثمان (ض) لم يقدر على مقاومتها، وظل هذا الاختلاط يتركز على مر الأيام إلى أن أخذت تلك السموم الطريق إلى المجتمعات الإسلامية، وبدأت تسمم البيئة العربية، فسادت أنواع من الملاهي وصنوف من الأشياء المسلية مجتمع المسلمين، وعم فيهم اللعب بالشطرنج والنردشير وشتى أنواع الترفيه مما تسبب في تضييع الأوقات، فلما رأى ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعوا إلى الزجر عنها، وبدأوا يردعون الناس عن هذه الأعمال، وقد بلغ عائشة (ض) أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيه عندهم نرد فأرسلت إليهم ((لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري)) وأنكرت ذلك عليهم (1).

وكان ابن أبي السائب من أشهر الوعاظ والقصاص في المدينة، وكما هي عادة القصاص فإنهم يدعون بأدعية مسجعة ذات نغمات خاصة حتى يستجلبوا الناس ويسترعوا انتباههم، وكذلك كان يفعل ابن أبي السائب، فلما سمعت عائشة (ض) عن ابن أبي السائب قالت له:((ثلاثا لتبايعني عليهن أو لأناجزنك؟ فقال: ما هن؟ بل أنا أبايعك يا أم المؤمنين، قالت: اجتنب السجع في الدعاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يفعلون ذلك، وقص على الناس في كل جمعة مرة، فإن أبيت فثنتين فإن أبيت فثلاثا، فلا تمل الناس. ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم، ولكن اتركهم فإذا جرؤوك عليه وأمروك به فحدثهم)((2).

وقد أمر الإسلام المطلقة أن تعتد في بيت زوجها، ولم يستثن من هذا

(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد 1/ 435 برقم 1274.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 217 برقم 25862، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 191، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 6/ 21 برقم 29164 جزءا منه، ونحوه إسحاق بن راهويه في مسنده 3/ 933 برقم 1634.

ص: 336

الحكم إلا فاطمة بنت قيس (ض)، حيث طلقها زوجها، وانتقلت إلى بيت آخر واعتدت هناك، فكانت فاطمة تستدل بقصتها على جواز انتقال المطلقة من بيت زوجها واعتدادها خارجه، فنقل عبد الرحمن بن الحكم ابنته من بيت زوجها استنادا إلى قصة فاطمة، فلما أخبرت عائشة (ض) بذلك أرسلت إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة:((اتق الله وارددها إلى بيتها، فقال مروان: إن عبد الرحمن بن الحكم غلبني، وفي رواية: قال: أو ما بلغك شأن فاطمة ابنة قيس؟ قالت: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، وأضافت قائلة: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم)) (1).

ولما فتح المسلمون بلاد العجم تعرفوا على بعض الأسماء الحديثة والأصناف الجديدة من الخمور، ومنها كانت ((بادق)) أي ((باده)) وكانت الخمر في اللغة العربية تطلق على أصناف خاصة وأنواع متميزة، فتساءل الناس عن حكم هذه الأصناف الحديثة هل هي داخلة في معنى الخمر أم لا؟ فأعلنت عائشة في مجلسها تحريمها، تقول كريمة بنت همام:((سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: نهيتم عن الدباء، نهيتم عن الحنتم، نهيتم عن المزفت، ثم أقبلت على النساء فقالت: إياكن والجر الأخضر، وإن أسكركن ماء حبكن فلا تشربنه (2).

وبطبيعة الحال كان معظم من يدخل عليها من صنف النساء، فيستفتينها في أمور دينهن فترشدهن أم المؤمنين عائشة (ض) إلى الحق وتقدم لهن حلول مشاكلهن، وتطلب منهن أن يبلغن أزواجهن بذلك. فذات مرة دخلت عليها نسوة من البصرة فقالت لهن: مرن أزواجكن يغسلوا عنهم أثر البول والخلاء، فإنا نستحيي أن ننهاهم عن ذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله (3).

ومرة أتتها أم محبة فقاك لها: ((يا أم المؤمنين أكنت تعرفين زيد بن

(1) الحديث كله أخرجه البخاري في صحيحه برقمي 5322 و 5326، باب قصة فاطمة بنت قيس.

(2)

سنن النسائي باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر برقم 5681.

(3)

مسند الإمام أحمد 95/ 6 برقم 24683 و 93/ 6 برقم 24667.

ص: 337

أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته جارية إلى عطائه بثمانمئة نسيئة، وإنه أراد بيعها فاشتريتها منه بستمئة نقدا، فقالت لها: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب)) (1).

ودخلت نسوة من أهل الشام على عائشة (ض) فقالت: أنتن اللاتي تدخلن الحمامات؟ قال رسول الله ((ما من امرأة وضعت ثيابها خارج بيتها إلا هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجلا)) (2). وقد كانت عائشة أم المؤمنين (ض) مأوى لمئات الآلاف من القلوب المسلمة، ولا سيما في موسم الحج حيث تحيط بها النسوة، وهي تمشي أمامهن مثل الإمام والقائد، وأثناء هذا المشي تقوم بأداء واجب الدعوة والإرشاد والإفتاء بكل دقة وبراعة. تقول ذفرة: كنت أمشي مع عائشة في نسوة بين الصفا والمروة، فرأيت امرأة عليها خميصة فيها صلب، فقالت لها عائشة: انزعي هذا من ثوبك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه في ثوب قضبه (3). وكانت تمنع التحلي بالحلي التي يطلع منها الصوت، وكذلك أصوات الجرس، تقول بنانة مولاة عبد الرحمن بن حبان الأنصاري عن عائشة أم المؤمنين قالت: بينما هي عندها إذ دخل عليها بجارية عليها جلاجل يصوتن، فقالت: لا تدخلوها علي إلا أن تقطعوا جلاجلها، فسألتها بنانة عن ذلك فقالت:((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس ولا تصحب رفقة فيها جرس)) (4). ودخلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة، وعلى حفصة خمار رقيق ((فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا)) (5). وإن مكاتبا لأم المؤمنين دخل عليها ببقية مكاتبته، فقالت له: ادخل

(1) سنن البيهقي الكبرى 5/ 330 برقم 10580.

(2)

مسند الإمام أحمد 173/ 6 برقم 25446.

(3)

مسند الإمام أحمد 6/ 225 برقم 25923 و 6/ 140 برقم 25134.

(4)

مسند الإمام أحمد 242/ 6 برقم 26094، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه باب ما جاء في الجلاجل رقم 4231، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 40 برقم 4718.

(5)

موطأ الإمام مالك باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب برقم 1625، والبيهقي في السنن الكبرى 235/ 2 رقم 3082.

ص: 338

مرتك هذه، فعليك الجهاد في سبيل الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ما خالط قلب امرىء مسلم رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار)) (1).

وذات مرة جاءها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر فأساء الوضوء فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ويل للأعقاب من النار)) (2).

وذات مرة نزلت عائشة أم المؤمنين (ض) على صفية أم طلحة الطلحات فرأت بنات لها يصلين بغير خمر قد حضن، فقالت عائشة: لا تصلين جارية منهن إلا في خمار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي وكانت في حجري جارية، فألقى علي حقوه فقال:((شقيه بين هذه وبين الفتاة التي في حجر أم سلمة، فإني لا أراها إلا قد حاضت)) (3).

ويقول عروة: إن عائشة (ض) أتتها امرأة فقالت: إن ابنتي عروس مرضت فتمزق شعرها أفأصل فيه؟ فقالت: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة)) (4).

وفي تلاوة القرآن يظن بعض الناس أن السرعة دليل على عظم الثواب وزيادة في الأجر فكلما يكون التالي مسرعا يكون ثوابه أعظم وأزيد، فجاء شخص إلى عائشة (ض) وسألها أن ناسا يقرؤون القرآن في الليلة مرة أو مرتين؟ فقالت:((أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب إليه)) (5). وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلين من سفر حج، وكان فيهم

(1) مسند الإمام أحمد 6/ 85 برقم 24592.

(2)

مسند الإمام أحمد 6/ 258 برقم 26257

(3)

مسند الإمام أحمد 96/ 6 برقم 24690.

(4)

مسند الإمام أحمد 6/ 111 برقم 24747.

(5)

مسند الإمام أحمد 92/ 6 برقم 24653.

ص: 339

أسيد بن حضير - أحد كبار الصحابة وأجلتهم - فلما وصلوا ذا الحليفة كان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته فتقنع وجعل يبكي، فقالت له عائشة:((غفر الله لك أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك من السابقة والقدم، مالك تبكي على امرأة؟)) (1).

ومن المعروف أن الكعبة المشرفة تكسى كل عام كساء جديدا وينزع عنها الكساء القديم، وكان من عادة متولي الكعبة أنه كان يدفن الكساء القديم بعد نزعه منها لكي لا تصيبها يد نجسة، وإن شيبة بن عثمان هو الذي كان في يده مفتاح الكعبة، فدخل على عائشة (ض) فقال:((يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع علينا فتكثر، فتعمد إلى آبار فنحتفرها فنعمقها ثم ندفن ثياب الكعبة فيها كي لا يلبسها الجنب والحائض)) فأدركت عائشة (ض) بفهمها روح الشريعة ومقاصدها أن هذا التعظيم لثياب الكعبة أمر غير شرعي، لم يأمر به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يسبب ذلك إفساد العقائد في الزمن التالي، فقالت له:((ما أحسنت ولبئس ما صنعت، إن ثياب الكعبة إذا نزعت منها لم يضرها أن يلبسها الجنب والحائض، ولكن بعها واجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله)) (2)، ولعل تقطيع ثياب الكعبة بقطعات ثم بيعها صار بعد هذه الواقعة، وتمكن المسلمون من شرائها يتبركون بها وينظرون إليها بنظر الاحترام والإجلال، ولا شك أن فضل ذلك يرجع إلى عائشة (ض) التي فتحت باب اقتناء هذه البركة والحصول عليها؛ جاء شخص (يعتقد أنه أبو هريرة (ض) إلى المسجد النبوي بجانب حجرة عائشة (ض) وبدأ يحدث الناس بصوت عال حتى يسمعها، وكانت هي تصلي، فلما فرغت من صلاتها مر بها عروة فقالت له: ألا يعجبك أبو فلان جاء وجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) الحاكم في المستدرك 228/ 3 برقم 4927، وأورده الهيثمي في مجمع الزواد 9/ 308، وأحمد في المسند 4/ 352، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 376 برقم 36803.

(2)

البيهقي في السنن الكبرى 5/ 159 برقم 9512، والفاكهي في أخبار مكة 5/ 231 برقم 210، والزركشي في الإجابة ص 161.

ص: 340

يسمعني ذلك وكنت أسبح؟ فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)) (1).

تقصد (ض) أنه لا بد من المطابقة بين القول والعمل، للذين يتدارسون الحديث النبوي، وإلا فلا يبقى له أي تأثير في قلوب المستمعين.

ذات مرة كانت عائشة (ض) في الخيمة بمنى أيام الحج وكان الناس يأتونها لزيارتها فدخل عليها شباب من قريش وهم يضحكون فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خر على طنب فسطاط، فكادت عنقه أو عينه أن تذهب، فقالت: لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة)) (2).

(1) البخاري في صحيحه كتاب المناقب برقم 3568، ومسلم في صحيحه كتاب الزهد برقم 2493، وأبو داود في سننه كتاب العلم برقم 3654.

(2)

صحيح الإمام مسلم كتاب البر والصلة والآداب برقم 2572.

ص: 341