الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة النبوية:
إن السنة النبوية تلي الكتاب في المرتبة والمكانة.
* وقد عرض على عائشة (ض) موضوع التخيير بحيث إذا خير الزوج امرأته في الطلاق فرفضت هذا الخيار واختارت زوجها فهل يقع عليها طلاق أم لا؟ ذهب علي وزيد (ض) إلى وقوع طلقة واحدة عليها، بينما ترى عائشة (ض)(ض) عدم وقوع الطلاق، واحتجت بمسألة التخيير حيث قالت:((خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، فلم يعده طلاقا)(1). وفي رواية: ((خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا)) (2)؟!
* لو أعتق أحد عبده فإنها تحدث قرابة الولاية بين المعتق والعتيق، ويجري التوارث بينهما، ويصبح المولى قريبا للمعتق شرعا، وهكذا دخل غلام على عائشة (ض) وقال: يا أم المؤمنين إني كنت غلاما لعتبة بن أبي لهب، وإن عتبة مات، وورثني بنوه، وإنهم باعوني من عبد الله بن أبي عمرو المخزومي، فأعتقني ابن أبي عمرو، واشترطوا (أي بنو عتبة) ولائي، فمولى من أنا؟
فقالت عائشة (ض): ((دخلت علي بريرة وهي مكاتبة، فقالت: اشتريني يا أم المؤمنين فأعتقيني، فقلت: نعم، فقالت: إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها وأعتقيها، الولاء لمن أعتق، وإن اشترطوا مئة شرط)) (3).
وفي رواية أخرى كانت بريرة مكاتبة فدخلت على عائشة (ض) فقالت: اشتريني وأعتقيني، قالت: نعم، قالت: لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الطلاق برقم 5262، ومسلم في صحيحه كتاب الطلاق برقم 1477، والنسائي في سننه كتاب النكاح برقم 3203.
(2)
صحيح البخاري كتاب الطلاق برقم 5264، وصحيح مسلم كتاب الطلاق برقم 1477، وسنن الترمذي كتاب الطلاق برقم 1179، وسنن النسائي كتاب النكاح برقم 3202.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب العتق برقم 2565، صحيح مسلم كتاب العتق برقم 1504، سنن أبي داود كتاب العتق رقم 3929، موطأ الإمام مالك كتاب العتق برقم 1519.
فقالت: لا حاجة لي بذلك، فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه فقال: اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا، فأعتقتها عائشة (ض)، واشترط أهلها الولاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مئة شرط)).
تقول عائشة (ض): ((وكان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر برمة على النار فيها لحم؟ فقالوا: بلى يا رسول الله ذلك لحم تصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: هو عليها صدقة، ولنا هدية)) (1).
هذه القصص ولو كانت بسيطة في نظر العامة إلا أن عائشة (ض) استنبطت منها عدة أصول وقواعد فقهية، كما أن قصة بريرة أطلعتنا على ثلاثة من أحكام الإسلام، وهي:
1 -
الولاء لمن أعتق.
2 -
الجارية تخير على زوجها حين تعتق.
3 -
لو تصدق بمال على صاحب حاجة وهو أهداه إلى غيره يجوز أخذه، وذلك لوجود التغير في الحقيقة والماهية.
وهناك بعض الاستنباطات الأخرى لم تصرح بها أم المؤمنين لكن كلامها يقتضيها، ثم بنى عليها الفقهاء والأصوليون والمجتهدون جزئيات وفروعا فقهية كثيرة.
* الكل يعرف أن حوالي مئة ألف صحابي كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان منهم كبار الصحابة، وكل ما حدث في هذا السفر حفظه الصحابة الكرام، وكذلك عائشة (ض) حفظته، وكل تلك الوقائع مسجلة محفوظة في الأحاديث، إلا أن ما حدثت به عائشة (ض) من وقائع هذا السفر
(1) صحيح البخاري باب الحرة تحت العبد برقم 5097 و 5279 و 5430، كتاب
الأطعمة، وصحيح مسلم كتاب العتق برقم 1504، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه
101/ 4 برقم 2449، وابن حبان في صحيحه 518/ 11 برقم 5116.
المبارك أصبحت بمثابة الأصول والقواعد لدى المجتهدين يعتمدون عليها في بيان الأحكام وتفريع الفروع.
ولما قدمت (ض) مكة حاضت فلم تقدر أن تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضوا الحج أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال:((هذه مكان عمرتك)) (1). قال الإمام ابن القيم (2)(ح) بعد ذكر هذه الرواية: ((وحديث عائشة هذا يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك: أحدها: اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد.
الثاني: سقوط طواف القدوم عن النساء في حالة العذر.
الثالث: أن إدخال الحج على العمرة للحائض جائز، كما يجوز للطاهر، وأولى، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك.
الرابع: أن الحائض تفعل أفعال الحج كلها إلا أنها لا تطوف بالبيت. الخامس: أن التنعيم من الحل. السادس: جواز عمرتين في سنة واحدة، بل في شهر واحد. السابع: أن المشروع في حق المتمتع إذا لم يأمن الفوات أن يدخل الحج على العمرة.
الثامن: أنه أصل في العمرة المكية)) (3).
(1) صحيح البخاري كتاب الحج برقم 1556 و 1638 و 1651 و 1785، وكتاب المغازي برقم 4395، وصحيح مسلم كتاب الحج برقم 1212.
(2)
هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي شمس الدين أبو عبد الله ابن قيم
الجوزية الحنبلي الفقيه الأصولي المفسر النحري، قال عنه الشوكاني: يرع في جميع العلوم وفاق الأقران، من كتبه: مدارج السالكين وزاد المعاد وإعلام الموقعين. والطرق الحكمية، توفي سنة (751هـ)، انظر: البدر الطابع 143/ 2، شذرات الذهب 168/ 6، الدرر الكامنة 21/ 4.
(3)
زاد المعاد لابن قيم الجونية 175/ 2 ط: مؤسسة الرسالة، ت: شعيب الأرناؤوط
(1407هـ).