الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبت رجع زيد، وابن عمر (ض) إلى رأيها، أما عمر (ض) فثبت على رأيه ولم يرجع عنه، حتى إنه قد حبس امرأة قد حاضت في مكة إلى أن طهرت (1).
فلما بلغ ذلك عائشة (ض) قالت: ((إن كان ذلك لا ينفعهن، ولو كان الذي يقولون لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأة حائض كلهن قد أفاضت)) (2) ولا شك أن الرأي الذي يميل إليه كل واحد هو رأي عائشة (ض) وهو أحق وأجدر بالقبول، ولو لم دكن عائشة بمثابة المرجع والمصدر في مثل هذه المسائل فمن يكون؟
مكانة عائشة وفضلها في عالم النساء:
ها نحن الآن على وشك إكمال دراسة سيرة العبقرية الفذة أم المؤمنين عائشة الصديقة (ض)، وقد بدت لنا من خلال هذه الصفحات معالم حياتها المقدسة ووقائعها جملة وتفصيلا: ولا شك أن كلنا عنده إلمام بأحوال وأخبار مئات نساء العالم العظيمات ذوات الشأن الرفيع والدرجات العالية، كما أن كتب التاريخ والسير سجلت لنا تراجم نساء العالم اللاتي اشتهرن على السدة العالمية بخصائصهن، وذاع صيتهن في الأوساط العلمية والثقافية، ولكن هل قارنا بين هذه وتلك؟
إن لدينا من قائمة النساء المعروفات غير المسلمات معظمهن من أولئك اللاتي قمن عن طريق المصادفة بعمل يفوق مستوى طبيعتهن، وأصبح ذلك العمل هو السبب الرئيس والأصيل لكسبهن شهرة عظيمة، ونيلهن صيتا ذائعا، فنجد مثلا امرأة نهضت فخطبت خطبة بليغة سحرت بها قلوب الناس، وحركت أوتار خاطرهم، ونفخت فيهم روحا جديدة من الثورة والمقاومة، أو أفشلت مؤامرة عدو بتدابير خاصة، أو نالت الفوز، ورافقها النجاح في ضرب
(1) روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: ((طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن سافر الناس حتى تطهر وتطوف)) (شرح الزرقاني على الموطأ 502/ 2).
(2)
الزرقاني على الموطأ باب إفاضة الحائض.
العدو ونكايته، فهذه هي الأسباب المباشرة التي جعلتها تشتهر بين الناس، وينال اسمها بقاء سرمديا وتاريخيا.
فهل من المعقول أن نقارن بين هذه الأعمال التي حصلت بطريقة المصادفة ولفترة مؤقتة، تلك الأعمال والمآثر التي كانت حصلت على وجه الدوام والاستمرار؟
إن لدينا نماذج من النساء الجميلات اللاتي كن ملكات الحسن والجمال وغاية في الروعة والبهاء، متوجات بالتاج الملكي، متمكنات من العرش، لكن كيف كانت نهاية هؤلاء؟ لو تأملنا وأمعنا النظر في تراثنا التاريخي لوجدنا أن نهاية مطافهن كانت الفشل والتحسر، لا غير، وتاريخ بلاد مصر، وإيران، والروم خير دليل على ما قلناه.
ألا تكون المقارنة بين حياة هذه وتلك التي كانت حياتها حياة نموذجية ناجحة مقدسة سوء أدب؟ بلى.
…
وبصرف النظر عن هذه الجوانب العامة إذا تأملنا في حياة هذه العبقرية أم المؤمنين عائشة (ض) من ناحية الدين والشرع والخلق والتبجيل والقدسية فيتجلى لنا أنه لا يدانيها ولا يعدلها أي شهيرة من شهيرات عالم النساء في هذه الخصائص، بل لا نحسب أن امرأة بلغت شأوها من معاصريها أو بعدها في هذه الميزات، إن سجلات التاريخ البشري عاجزة عن تقديم أي مثال للمرأة غير أم المؤمنين عائشة (ض) التي قامت بأداء كل الواجبات العلمية، ونهضت بأمانة التبليغ والتعليم أحسن نهوض وأوفاه، ولعبت دورا بارزا ملموسا في الأمور السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى المواظبة على الفراص الدينية، والشرعية والحفاظ على الأخلاق النبيلة والسلوك الحسن القويم.
هذه هي شخصية أم المؤمنين (ض) التي اتصفت بهذه الصفات العالية وقدمت أمام أكثر من مئة مليون امرأة أسوة حسنة لحياة مثالية كاملة، ورسمت
لكل من أتى بعدها أمثل الطرق وأنفعها، وذلك بمآثرها الخالدة، وعبادتها وخضوعها أمام الباري تعالى، والمثل الحية والأساليب العملية للأخلاق الرفيعة الفاضلة وتعليمات التزكية والزهد، وشرح الأحكام الدينية والأمور الشرعية شرحا تفصيليا، فلها المن والفضل من جميع النواحي الدينية والعلمية والاجتماعية على هذا العدد الهائل من صنف النساء.
وعلى هذا لا يوجد أحد في تاريخ النساء المسلمات من يستأهل أن يذكر بإزائها في المرتبة والشرف والمكانة العالية، سوى الأزواج المطهرات وبنات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين.
وقد أجمع العلماء على أن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، والسيدة فاطمة الزهراء، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن أجمعين هن خير نساء العالم وأفضلهن إطلاقا، أما جمهور العلماء فيرون أن السيدة فاطمة الزهراء (ض) هي في المرتبة الأولى، ثم تليها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد (ض) ثم تليها أم المؤمنين عائشة (ض)، إلا أن هذا الترتيب لا يستند إلى نص صريح أو حديث صحيح ثابت، بل مرجعه اجتهاد العلماء ووجهات نظرهم الخاصة، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة مناقب وفضائل هؤلاء العبقريات الثلاث. ولذلك اختار بعض العلماء التوقف في مسألة التفضيل بينهن، بينما خالف العلامة ابن حزم (ح) في هذه المسألة كل العلماء وزعم أن أم المؤمنين عائشة (ض) أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ليس في النساء فحسب بل في الرجال كذلك. وبرهن على دعواه بأدلة وحجج أوردها في كتابه ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) مبحث فضائل الصحابة.
وأنا أميل في هذه المسألة إلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذين يقولان: إن جهات الفضل بينهما متفاوتة كما قاله ابن تيمية، قال في الفتح: وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، أو شرف الأصل ففاطمة لا
محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيه غير أخواتها، أو شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها)) (1).
وبالرغم من أننا نعرف مكانة السيدة ((مريم عليها السلام) وقدسيتها عن طريق الإسلام، لكن روايات الإنجيل عاجزة عن أن تميزها بعمل ما، وكذلك زوجة فرعون ((آسية)) قد استحقت الفضيلة والشرف في الشريعة الإسلامية، إلا أن التوراة ساكتة عن إظهار شرفها وفضلها ومكانتها، ولذا فإننا نؤمن بشرفهما وفضلهما إجمالا، لكن لسان التاريخ والوقائع ساكت عن التعبير عن أي مناقب لها، وعلى كل فمن أصدق قولا وأعدل حكما من لسان الوحي المعصوم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى الأشعري (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) (2).
اللهم صل على محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام وأزواجه المطهرات)).
…
(1) شرح الإمام العلامة محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي على المواهب اللدنية
للعلامة القسطلاني 226/ 3.
(2)
صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء برقم 3411، كتاب المناقب برقم 3769، كتاب الأطعمة برقم 5418، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة برقم 2431، سنن الترمذي كتاب الأطعمة برقم 1834، سنن ابن ماجه كتاب الأطعمة برقم 3280.