الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في قلوبكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقنني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18](1).
أهداف المنافقين من وراء حادث الإفك:
هذا وكان المنافقون قد استهدفوا من وراء هذه الفتنة العظيمة ما يأتي:
1 -
إهانة وتشويه سمعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبيت الصديق والنيل من أعراضهما، والطعن في حرماتهما.
2 -
التفريق والتشتيت في الأسرة النبوية الكريمة.
3 -
تمزيق شمل المسلمين وجمعهم، وإحداث خلل في قوتهم ووحدتهم وغرس بذور الفرقة في وحدة الأخوة الإسلامية.
وظاهرا قد نجحوا في تخطيطهم هذا، وحققوا أهدافهم، وتحققت أحلامهم وآمالهم، إلا أن البيان الرباني كان بانتظارهم يترقبهم، وآن الأوان أن يتكلم ويزيح الستار عن الواقع ويكشف الغمة عن الحقيقة الأصلية، تقول عائشة (ض): فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: يا عائشة أحمدي الله فقد برأك الله فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ
(1) والتفاصيل موجودة في واقعة الإفك من كتب الصحاح.
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 11 - 19] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 23 - 24].
فقالت لها أمها: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة:((والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله)).
ثم نفذ الحد في أولئك الثلاثة الذين شاركوا في هذه المؤامرة، فجلدوا ثمانين جلدة (1).
هذا وقد أنشد حسان بن ثابت (ض) شعرا يمدح فيه عائشة، ذكره ابن إسحاق في سيرته (2)، وروى البخاري عن مسروق قال: دخلنا على عائشة (ض)
(1) حديث الإفك أخرجه بالتفصيل الإمام البخاري في صحيحه كتاب الشهادات برقم 2661 وكتاب المغازي برقم 4141 وكتاب تفسير القرآن برقم 4750، ومسلم في صحيحه كتاب التوبة برقم 2770، أما الإضافات والزيادات التي زيدت خلال الرواية وأثناء سرد القصة فهي مستقاة من كتب الأحاديث الأخرى، وكذلك كتب السيرة والتراجم والتاريخ، وقد اعتمدت في نقل هذه الواقعة على فتح الباري تفسير سورة النور، واتبعت أثر الحافظ ابن حجر العسقلاني في تطبيق الروايات، والاختلافات
الموجودة فيها، وكذلك في ترتيب الوقائع وتصحيح المطالب.
(2)
وفيها:
عقيلة حي من لؤي بن غالب
…
كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها
…
وطهرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم
…
فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي
…
لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم
…
تقاصر عنه سورة المتطاول
_________
يراجع: السيرة النبوية لابن هشام 273/ 4: