الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ أمته كل ما أنزل الله عليه من غير شطط أو نقص أو تقصير.
عصمة الأنبياء:
اختلفت عائشة، وابن عباس (ض) في قراءة آية من سورة يوسف، فقرأها ابن عباس (ض):{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} خفيفة، وأما عائشة (ض) فسألها عروة عن هذه الآية فقالت:((معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها)) وكانت تقرأ: ((كذبوا)) وقالت: ((هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك)) (1).
المعراج الروحي:
لقد اختلفت روايات الإسراء والمعراج هل أسري به صلى الله عليه وسلم بروحه أم بجسده؟ وهل كان ذلك في النوم أم في اليقظة؟ أما القرآن الكريم فقد عبر عنه بالرؤيا حيث قال: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] كما عبر عنه في موضع آخر برؤية القلب حيث قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] وفي رواية صحيح البخاري صرح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان)) (2) وفي رواية أخرى قال بعد ذكر تفاصيل المشاهدات والوقائع: ((فاستيقظت)).
وذكر ابن إسحاق أن عائشة (ض) كانت تقول بالمعراج الروحي، ونصه: حدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: ((ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أسري بروحه)) (3) وقد اعترض القاضي عياض (ح) في
(1) صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء برقم 3389، وكتاب التفسير برقم 4696.
(2)
صحيح البخاري كتاب بدء الخلق برقم 3207، وصحيح مسلم كتاب الإيمان برقم 164، وسنن الترمذي كتاب تفسير القرآن برقم 3346.
(3)
أورده ابن هشام في سيرته ((السيرة النبوية)) 245/ 2، وابن كثير في البداية والنهاية 114/ 3.
كتابه: ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (1) على هذه الرواية، ونقله عنه القسطلاني حرفيا فقال: وأما قول عائشة: ((ما فقدت جسده)) فعائشة لم تحدث به عن مشاهدة، لأنها لم تكن حينئذ زوجة، ولا في سن من يضبط، ولعلها لم تكن ولدت بعد، على الخلاف في الإسراء متى كان،
…
فإذا لم تشاهد ذلك عائشة دل على أنه حدثت بذلك عن غيرها، فلم يرجح خبرها على خبر غيرها، وغيرها يقول خلافها مما وقع نصا في حديث أم هانىء وغيره، وأيضا فليس حديث عائشة (ض) بالثابت، والأحاديث الأخر أثبت، لسنا نعني حديث أم هانىء، وما ذكرت فيه خديجة، وأيضا فقد روي في حديث عائشة:((ما فقدت)) ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة، وكل هذا يوهنه، بل الذي يدل عليه صحيح قولها:((إنه بجسده الشريف لإنكار رؤيته لربه رؤية عين، ولو كانت عندها مناما لم تنكره، وحديثها هذا ليس بثابت عنها)) (2).
وإن صح ما قاله القاضي عياض فيلزم منه ترك عدد كبير من تلك الأحاديث التي صححها جمهور المحدثين، وصححها القاضي نفسه، وكلها تتعلق بحوادث ما قبل ولادة أم المؤمنين عائشة (ض)، مثلا أحاديث بدء الوحي، فإن معظمها مروية عن طريق عائشة (ض) ولم يروها أحد غيرها بذاك التفصيل الذي روته عائشة (ض)، بل إن مروياتها هي الأساس والمصدر الأصيل للاطلاع على تفاصيل هذه الوقائع، إذن تكون رواية بدء الوحي أكثر تضررا بهذا النقد والاعتراض من رواية الإسراء والمعراج، لأنها لم تكن ولدت عند بدء الوحي قطعا، أما حادث المعراج فقد وقع بعد أعوام من ذلك، والأصل وكما صرح به العلامة الزرفاني، وابن دحية، وابن سريج أن هذه الرواية لم تثبت عن عائشة (ض)، لأن راوي الحديث هو محمد بن إسحاق وقد ضعفه بعض المحدثين، وهو يروي عن مجهول (شخص من آل أبي بكر)
(1) انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض 1/ 73 - 272، ط: مكتبة الفارابي، مؤسسة علوم القرآن دمشق.
(2)
انظر: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للعلامة القسطلاني 6/ 4 - المقصد الخامس في ذكر الإسراء والمعراج. ط: المطبعة الأزهرية المصرية 1327هـ.