الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخوها محمد بن أبي بكر في هذه الحادثة، لأنه كان من كبار الثائرين على عثمان والمؤلبين عليه، لكن سبق أن ذكرنا أن عائشة (ض) قد غضبت على أخيها لموقفه من عثمان وسمته مذمما، وظلت تدعو عليه من كبد حرى وعلى بقية الساعين في قتل عثمان دعاء حارا، كما أعربت السيدة عائشة عن انطباعاتها نحو الخليفة الراشد عثمان (ض) ذات مرة قائلة:((والله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا قد انتهك مني مثله، حتى والله لو أحببت قتله لقتلت، يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرت أعمال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى تهجم النفر الذين طعنوا في عثمان، فقالوا له قولا لا يحسن قوله، وقرؤوا قراءة لا يحسن مثلها، وصلوا صلاة لا يصلى مثلها، فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ولا شيء أدل على تفنيد ما زعمه الزاعمون وأذاعه المرجفون من أكاذيب حول نجوم خلاف بين السيدة عائشة وعثمان (ض)، ودحض مزاعمهم الباطلة من هذا التصريح والإعلان الواضح الصريح من السيدة عائشة (ض).
عهد علي بن أبي طالب (ض):
وبالجملة فإن أوضاع المسلمين كلها كانت مصابة بالتوتر والاضطراب، وكانوا يعانون من ظروف حرجة وقاسية من الناحية السياسية في تلك الفترة، فلما رآى جماعة من الصحابة هذا المنظر المؤلم وجدوا أن الحديقة التي سقوا أزهارها ورووها بدمائهم، وبذلوا فيها النفائس، وضحوا من أجلها بكل نفس ونفيس وغال ورخيص، قد بدأت تتعرض للانهيار والضياع، ورأوا بأم أعينهم أن مجهوداتهم أصبحت تروح سدى ومن دون جدوى، فلما واجهوا ذلك كله قاموا ورفعوا علم الإصلاح، وكان من أهم أعضاء هذه الجماعة طلحة والزبير وعائشة (ض).
طلحة (ض): هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي، أبو محمد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، كان فاتح
(1) جزء خلق أفعال العباد للإمام البخاري 1/ 56، كما ذكره معمر بن راشد في جامعه
11/ 447.
المعارك في عهد النبوة، وصهر الخليفة الأول أبي بكر الصديق (ض)، ونسيب النبي صلى الله عليه وسلم.
الزبير (ض): هو الزير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي أبو عبد الله، كان حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، ونسيبه، وصهر الخليفة الأول، وكان من شجعان الإسلام، وهذان الاثنان كانا من أولئك الذين اختارهم عمر بن الخطاب (ض) للخلافة.
وقد سبق أن ذكرنا أن السيدة عائشة (ض) خرجت من المدينة قاصدة مكة لأداء الحج حسب عادتها، وذلك بعد أن غلب الثائرون والغوغاء على المدينة المنورة وحاصر البغاة بيت عثمان (ض)، وعلمت السيدة عائشة بمقتل عثمان وهي في طريق العودة إلى المدينة، فلما تقدمت لقيها طلحة والزبير (ض) هاربين من المدينة، فقالت:((ما وراءكما؟ فقالا: ((وراءنا أنا تحملنا بقليتنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب، وفارقنا قوما حيارى، لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا، ولا يمنعون أنفسهم)) فقالت عائشة (ض) فائتمروا أمرا ثم انهضوا إلى هذه الغوغاء))، وتمثلت:
((ولو أن قومي طاوعتني سراتهم
…
لأنقذتهم من الحبال أو الخبل)) (1)
ثم عادت إلى مكة المكرمة، ولما علم عامة الناس بهذا الحادث، بدأوا يقصدونها من كل النواحي وجميع الأطراف، وطلبوا منها أن تنهض بعمل إصلاح الأمة ورأب الصدع الذي أحدثه مقتل عثمان (ض) في صفوفها، تروي لنا عمرة بنت عبد الرحمن عن أم المؤمنين (ض) قولها:((ما رأيت مثل ما رغبت هذه الأمة عنه، من هذه الآية (2): {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9])).
(1) يراجع: تاريخ الطبري 7/ 3.
(2)
موطأ الإمام محمد كتاب التفسير رقم الحديث 1003 ص 315، تعليق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ط: وزارة الأوقاف القاهرة 1407هـ.