الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع سنة 11هـ، فلما قدمت مكة حاضت فلم تطف بالبيت، فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة، فلما قضت مناسك الحج، أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم مع شقيقها عبد الرحمن إلى التنعيم فأحرمت من هناك للعمرة واعتمرت، فقال صلى الله عليه وسلم:((هذه مكان عمرتك)) (1).
القيام بواجب النبوة في الببت:
هذا هو المبحث الأخير في باب العلاقات الزوجية، وما مر معنا من القصص والوقائع التي تدل على غاية الحب والمودة، ربما يخطر منها على بال البليد القليل الفطنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغفل عن واجب النبوة في بيته، وحسبنا في الرد على ذلك قول عائشة (ض): كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة (2).
ولما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فاتحا استقبلته عائشة (ض) وعلقت درنوكا فيه تماثيل فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنزعه فنزعته (3).
وذات ليلة كان صلى الله عليه وسلم عند عائشة إذ خرج فجأة فانطلقت عائشة (ض) في إثره حتى جاء البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات فأطال ثم انصرف، فانصرفت عائشة (ض)، تقول: فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت وسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال: مالك يا عائشة حشيا رابية؟ قالت: لا، قال: لتخبرينني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت:
(1) يراجع تفصيل القصة في صحيح البخاري كتاب الحج بالأرقام التالية: 1556، 1638، 1650، 1786، وفي صحيح الإمام مسلم كتاب الحج برقم 1211.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب كيف يكون الرجل في أهله برقم 6039، وكذلك في كتاب النفقات برقم 5363 وكتاب الأذان برقم 676، والإمام الترمذي في سننه كتاب صفة القيامة والرقائق برقم 2468.
(3)
يراجع: صحيح البخاري كتاب اللباس بأرقام 5954، 5956، والإمام الترمذي نحوه في سننه كتاب مفة القيامة والرقائق برقم 2486، والنسائي في سننه كتاب الزينة برقم 5352.
يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر (1).
وذات مرة استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله (2)، وفي رواية لمسلم: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا
يعطي على ما سواه)) (3).
هذا وبالرغم من أن الإسلام قد أباح الحرير والذهب للنساء، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا تعجبه مظاهر التنعم والعيش الهنيء والتزين الفاخر، فيكره أن يرى مثل هذا التنعم في بيته، تقول عائشة:((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عليها مسكتي ذهب فقال: ألا أخبرك بما هو أحسن من هذا، لو نزعت هذا، وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتهما بزعفران، كانتا حسنتين)) (4).
وتقول (ض): نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خمس: لبس الحرير والذهب (5) والشرب في آنية الذهب والفضة، والميثرة الحمراء، ولبس القسي، فقالت له: يا رسول الله شيء رقيق من الذهب يربط به المسك أو يربط به، قال: ((لا،
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الجنائز برقم 974، والإمام النسائي في سننه كتاب الجنائز باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين برقم 2037 والإمام الترمذي في سننه كتاب الصوم برقم 739، وابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم
1389.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه كتاب السلام برقم 2165، والبخاري في صحيحه كتاب الأدب برقم 6024 - 06025 والترمذي في سننه كتاب الاستئذان برقم 2701.
(3)
صحيح الإمام مسلم كتاب البر والصلة برقم 2593.
(4)
أخرجه الإمام النسائي في سننه كتاب الزينة برقم 5143، وفي السنن الكبرى 5/ 436 برقم 9444، كما ذكره أبو المحاسن يوسف بن عيسى الحنفي في معتصر المختصر 213/ 2.
(5)
لقد أباح الإسلام الذهب والحرير للنساء، ويدل عليه أحاديث صحيحة وصريحة، ولعل هذا المنع كان خاصا بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، أو أن المقصود بالمنع هو الإفراط والغلو في استعمالهما، والله اعلم.
قلت: أو أن النهي للكراهة لا للتحريم (الناشر).
اجعليه فضة وصفريه بشيء من زعفران)) (1).
كان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يعلم أهله الخلق الحسن ويربيهم على الصفات الفاضلة والأخلاق الطيبة النبيلة، وقد سبق أن ذكرنا بعض الأمثلة على ذلك، وها هي أم المؤمنين عائشة (ض) تحكي لنا قصة شاة أكلت رغيفها، فماذا كان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لها، تقول: إنه كانت ليلتي معه، فطحنت شيئا من شعير فجعلت له قرصا، فدخل فرد الباب، وكان إذا أراد أن ينام أغلق الباب وأوكأ القربة وأكفأ القدح وأطفأ المصباح، فانتظرته أن ينصرف فأطعمه القرص، فلم ينصرف حتى غلبني النوم، وأوجعه البرد فأتاني فأقامني ثم قال: أدفئيتي أدفئيتي، فقلت له: إني حائض، فقال: وأن اكشفي عن فخذيك، فكشفت له عن فخذي، فوضع خذه ورأسه على فخذي حتى دفئ، فأقبلت شاة لجارتنا داجنة، فدخلت ثم عمدت إلى القرص فأخذته، ثم أدبرت به، قالت: وقلقت عنه واستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فبادرتها إلى الباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((خذي ما أدركت من قرصك ولا تؤذي جارك في شاته)) (2).
وكان العرب قد تعودوا على أكل الضب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرهه، فأهدي إليه لحمه ذات مرة فلم يأكله فقالت عائشة (ض): ألا نطعمه المساكين؟ قال: لا تطعموهم مما لا تأكلون (3).
…
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 228/ 6 رقم 25953.
(2)
أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد 54/ 1 رقم 120 وقال: ضعيف الإسناد.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 143 برقم 25153 و123/ 6 برقم 24961، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 113/ 3 باب فيمن تصدق بما يكره، والبيهقي في السنن الكبرى 325/ 9 برقم 19208، والطبراني في المعجم الأوسط 213/ 5 رقم 5116.