الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث الخامس
علمها بأسرار الشريعة
مما لا شك فيه أن كل ما جاء من الله سبحانه وتعالى من الأحكام أنها تنبني على المصالح والحكم، وليس من الضروري أن يطلع العبد على هذه المصالح، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد بين هذه المصالح رحمة بالعباد وشفقة عليهم، وشرح لهم في الكتاب العزيز مصالح الأحكام التي فرضت عليهم، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ما سن للمؤمنين من سنن وشرع لهم من الفرائض والواجبات، فأحيانا بيين مصالحها بنفسه، وأحيانا بطلب من أحد واستفسار منه، وكان كبار الصحابة وساداتهم يعرفون هذه الدرر الثمينة والجواهر العلمية الغالية أتم المعرفة.
وهذا الإمام العلامة الشاه ولي الله الدهلوي (1) الذي ألف كتابه ((حجة الله البالغة)) في علم أسرار الشريعة، رد فيه على الذين يقولون: إن سلفنا الصالح لما لم يتعرضوا لموضوع علم أسرار الشريعة، ولم يولوه عناية واهتماما فكيف تستطيعون؟
قلنا (القائل هو العلامة الدهلوي): ((لا يضر عدم تدوين السلف إياه بعدما مهد النبي صلى الله عليه وسلم أصوله وفروعه، واقتفى أثره فقهاء الصحابة كأميري
(1) هو الإمام المحدث الفقيه الرحالة كوكب الديار الهندية شيخ الإسلام العالم المجتهد أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي ولد في عام 1114هـ، طلب العلم في بلده ثم رحل إلى الحجاز عام 1143هـ ورجع إلى الهند، نشر أعلام الحديث وأخفق لواءه وجدد معالمه، وهو رئيس المحدثين ويعد من حفاظ القرن الثاني عشر،
ومن أهم مؤلفاته: ((حجة الله البالغة - في علم أسرار الدين، والفوز الكبير في أصول التفسير، ورسالة في اختلاف الأمة وغيرها)) توفي عام 1176هـ (ترجمته في نزهة الخواطر).
المؤمنين عمر وعلي، وزيد وابن عباس وعائشة (ض) وغيرهم ممن بحثوا عنه وأبرزوا وجوها منه)) (1).
ولو لم أتهم بتمجيد الأبطال والأعلام والحب المفرط لهم لوضعت اسم أم المؤمنين عائشة (ض) في رأس القائمة التي عملها العلامة الدهلوي لفقهاء الصحابة، وهذا لا يعني أنها كانت أوسع علما وأكثر معرفة واطلاعا ممن سبقها من أكابر الصحابة، بل الغرض من ذلك هو أنها كانت أكثر نشرا وإشاعة فيما بين الناس لهذه الخزائن العلمية المختومة والدرر المكنونة، وذخيرة الأحاديث والآثار خير دليل على هذه الدعوى.
سبق أن ذكرنا أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يشاركن الرجال في الصلاة في المساجد دون أي تردد، وتكون صفوفهن وراء صفوف الأطفال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بعدم منع النساء من المساجد، فلما انقرض عهد النبوة المبارك، وكثرت الأموال والغنائم، ووجد الاختلاط مع غير المسلمين، وشاهدت أم المؤمنين عائشة (ض) هذه الأوضاع قالت:((لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل)) (2).
هذه واقعة جزئية لكنها تدل على أن أحكام الشريعة الغراء في نظر أم المؤمنين (ض) تنبني على حكم وأسباب، فإذا تغيرت تلك الأسباب والحكم يتغير الحكم، تقول عائشة (ض): ((جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها بعدما نزل الحجاب. وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة، قالت عائشة: ((فقلت: والله لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته، قالت عائشة: ((فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: حجة الله البالغة مقدمة الكتاب تحت عنوان ((السلف لم يدونوا كل شي)) 1/ 15
ط: دار الكتب العلمية بيروت 1415هـ.
(2)
صحيح البخاري كتاب الأذان برقم 869، وصحيح مسلم كتاب الصلاة برقم 445، وسنن أبي داود كتاب الصلاة برقم 569.