الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على القول بالجفاء في علاقة علي بعائشة (ض):
لقد زعم بعض المؤرخين من ذوي العصبيات السياسية والأفكار المريضة أن السبب الحقيقي لمشاركة أم المؤمنين عائشة (ض) في معركة الجمل يرجع إلى حديث الإفك الذي سبق ذكره، وذلك أن عليا (ض) حينما استأمره النبي صلى الله عليه وسلم في فراق أهله بعد أن استلبث الوحي عليه قال:((يا رسول الله لم يضيق الله عليك))، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك (1) ولذا فإن عائشة (ض) لم تنس له تلك البادرة التي كادت تعصف بروحها عصفا لولا لطف الله بنبيه وبها، فأنزل عليه براءتها.
ولكن الواقع يرفض هذا التصور من كل الوجوه، ويكفينا لبيان بطلان هذه المزاعم ما سردناه من تفاصيل المعركة، وهذا ما دفعنا إلى ذكر سائر الرسائل التي كتبت، والخطب التي ألقيت، ومن أمعن النظر فيها لا يجد أمرا يوحي ويؤشر إلى تعكير صفو العلاقة بين علي وعائشة (ض)، بل كانت المعركة مصادفة، وكان الفريقان بريئين إلا الذين تعمدوا هذه الجريمة وأشعلوا نيران الفتن من الثائرين على عثمان (ض).
وصحيح أن عائشة (ض) ردت مزاعم السبئية القائلة بأن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلافة، وكانت تقول:((متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري، فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه)) (2).
ولكن لا يدل ذلك على أنه نجم خلاف بينهما أو ساءت علاقتهما،
(1) يراجع حديث الإفك، صحيح البخاري كتاب الشهادات برقم 2661 وكتاب المغازي برقم 4141.
(2)
صحيح البخاري كتاب الوصايا برقم 2741، صحيح مسلم كتاب الوصية برقم 1636، سنن النسائي كتاب الطهارة برقم 33 وكتاب الوصايا برقم 3624، سنن ابن ماجه كتاب ما جاء في الجنائز برقم 1626.
وإنما غاية ما فيه هو بيان تاريخي لواقعة لا أكثر ولا أقل.
وقد سألها عقبة بن صهبان الهنائي عن تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] فقالت له: يا بني كل هؤلاء في الجنة، فأما السابق إلى الخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياة والرزق، وأما المقتصد فمن تبع وجاء من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم (1).
وأتى عمار ومعه الأشتر إلى عائشة (ض) يستأذن عليها، قال: يا أمه، فقالت: لست لك بأم، قال: بلى وإن كرهت، قالت: من هذا معك؟ قال: هذا الأشتر، قالت: أنت الذي أردت قتل ابن أختي؟ قال: قد أردت قتله وأراد قتلي، قالت: أما لو قتلته ما أفلحت أبدا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة: رجل قتل فقتل، أو رجل زنى بعد ما أحصن، أو رجل ارتد بعد إسلامه))، وفي رواية الطيالسي:((قالت لعمار: أما أنت يا عمار فقد علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل فيقتل)) (2).
وفي هذا الحديث دليل صريح على أن عائشة (ض) لم يكن هدفها من وراء هذه الجنود والجيوش وإعداد العدة والعتاد هو سفك الدماء، والتقاتل ومحاربة الناس الأبرياء، وإنما وضعت نصب عينيها منذ خرجت من مكة
(1) أخرجه الطيالسي في مسنده 1/ 209 برقم 1489، كما أخرجه الحاكم في المستدرك 462/ 2 برقم 3593، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 96/ 7، والطبراني في الأوسط 167/ 6 رقم 6094.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 205 برقم 25741، والطيالسي في مسنده 216/ 1 رقم 1543، كما أخرجه الحاكم في المستدرك 393/ 4 رقم 8039، وإسحاق بن راهويه في مسنده 913/ 3 برقم 1602.