المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة: - سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين

[سليمان الندوي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديمبقلمالأستاذ سعيد الأعظمي الندوي

- ‌مقدمة المعرب

- ‌لمحة موجزة عن حياة العلامةسليمان الندوي رحمه الله

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌أسرته:

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌التحاقه بدار العلوم لندوة العلماء لكنو الهند:

- ‌أهم العلماء الذين أثروا في تكوينه العلمي والفكري:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌أولا - القرآن الكريم:

- ‌ثانيا - الحديث الشريف:

- ‌ثالثا - الفقه:

- ‌رابعا - التاريخ:

- ‌خامسا - الفلسفة وعلم الكلام:

- ‌سادسا - اللغة والأدب:

- ‌أهم مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌كلمة عن كتابسيرة أم المؤمنين عائشةرضي الله عنها

- ‌أهمية هذا الكتاب:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌الباب الأولسيرة السيدةعائشة أم المؤمنين

- ‌تمهيد

- ‌الاسم والكنية والنسب:

- ‌الولادة:

- ‌ملاحظة:

- ‌الطفولة:

- ‌الفصل الأولالزواج الميمون

- ‌مهر عائشة (ض):

- ‌التاريخ الذي تزوجت فيه عائشة (ض):

- ‌هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

- ‌بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة:

- ‌أهم مميزات نكاحه صلى الله عليه وسلم بعائشة وبنائه بها:

- ‌الفصل الثانيعائشة في مدرسة النبوة

- ‌الدراسة وطلب العلم:

- ‌من حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حزم أبي بكر في تربية أولاده:

- ‌مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل عليها:

- ‌الشؤون المنزلية:

- ‌فرض النبي صلى الله عليه وسلم العطية لأزواجه بعد فتح خيبر:

- ‌عمر (ض) زاد في أعطيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عهده:

- ‌العشرة الزوجية ونظر الإسلام إلى المرأة مقارنة بنظر الشرق والغرب:

- ‌الزوجة الحبيبة:

- ‌سبب حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة:

- ‌الزوج الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌نماذج من غيرة عائشة على ضرائرها:

- ‌مداراة الزوجة:

- ‌الملاطفة والمؤانسة:

- ‌سمره صلى الله عليه وسلم معها:

- ‌المؤاكلة:

- ‌الصحبة في السفر:

- ‌المسابقة:

- ‌الدلال:

- ‌غيرتها على خديجة ونماذج من تدللها:

- ‌القيام بالأعمال المنزلية:

- ‌الطاعة واتباع الأحكام:

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم رباها على السخاء والكرم:

- ‌التعايش الديني:

- ‌القيام بواجب النبوة في الببت:

- ‌الفصل الثالثمعاملتها مع الضرائر والأقارب

- ‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة:

- ‌علاقتها الوطيدة بالسيدة فاطمة (ض):

- ‌تنبيه على بعض الروايات الواهية والضعيفة:

- ‌الفصل الرابعحديث الإفك ومشروعية التيمم

- ‌أولا - حديث الإفك:

- ‌أهداف المنافقين من وراء حادث الإفك:

- ‌موقف المستشرق ((وليم موير)) من حديث الإفك:

- ‌ثانيا - مشروعية التيمم:

- ‌الفصل الخامسوقائع التحريم والإيلاء والتخيير

- ‌أولا - التحريم:

- ‌تفنيد بعض الشبهات:

- ‌ثانيا - الإيلاء:

- ‌ثالثا - التخيير:

- ‌الفصل السادسوداع الحبيبفي السنة الحادية عشرة للهجرة

- ‌سبب رغبته صلى الله عليه وسلم في التمريض في بيت عائشة:

- ‌خبر منام عائشة (ض):

- ‌الفصل السابععائشة بعد رحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم

- ‌عهد أبي بكر الصديق (ض):

- ‌وفاة أبي بكر الصديق (ض):

- ‌عهد عمر بن الخطاب (ض):

- ‌عهد عثمان بن عفان (ض):

- ‌الفصل الثامننشوء الفتن ومعركة الجمل

- ‌اعتناق عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام:

- ‌استشهاد الخليفة عثمان بن عفان (ض) وبيعة علي بن أبي طالب:

- ‌عهد علي بن أبي طالب (ض):

- ‌الإصلاح وواجبات المرأة المسلمة:

- ‌عائشة (ض) ترفع راية الإصلاح وتغادر إلى البصرة:

- ‌قصة ماء الحوأب وعزم عائشة على الرجوع:

- ‌أوضاع المسلمين في الكوفة:

- ‌خطبة عائشة (ض) في البصرة:

- ‌خطبة أخرى لعائشة (ض):

- ‌مكاتبة عائشة لأهل الكوفة:

- ‌معركة الجمل:

- ‌مجهودات القعقاع للإصلاح بين الفريقين:

- ‌تذكير علي طلحة والزبير بمقالة الرسول صلى الله عليه وسلم ورجوعهما عن المعركة، وشهادة الزبير:

- ‌عقر جمل عائشة (ض) لإيقاف المعركة:

- ‌توديع علي عائشة وتشييعها بكل الإجلال والتوقير:

- ‌تأسف عائشة (ض) على خطئهما الاجتهادي:

- ‌الرد على القول بالجفاء في علاقة علي بعائشة (ض):

- ‌رد الإمام الزهري على الوليد بن عبد الملك:

- ‌عائشة (ض) ترشد المستفتين إلى علي (ض):

- ‌الفصل التاسعأم المؤمنين في عهد معاويةرضي الله عنهما

- ‌رأي عائشة في الخوارج:

- ‌واقعة دفن الحسن بن علي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف عائشة (ض):

- ‌الفصل العاشروفاة عائشة رضي الله عنها

- ‌كنية عائشة (ض):

- ‌الباب الثانيعائشة رضي الله عنهاشمائلها ومناقبها ومكانتها العلمية

- ‌الفصل الأولشمائلها رضي الله عنها

- ‌هيئتها ولباسها:

- ‌خلقها (ض):

- ‌مساعدة النساء:

- ‌طاعة الزوج:

- ‌الاحتراز من الغيبة:

- ‌التورع من قبول الهدايا:

- ‌تجنب المدح والإطراء:

- ‌الإباء والأنفة:

- ‌الشجاعة والمجاهدة:

- ‌السخاء والكرم:

- ‌العبادة:

- ‌الاحتراز من الأشياء التافهة:

- ‌الرحمة بالأرقاء والموالي والرفق بهم:

- ‌إعانة الفقراء وأصحاب الحاجة على قدر مراتبهم:

- ‌الاهتمام البالغ بالحجاب:

- ‌الفصل الثانيمناقبها رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالثمكانتها العلمية رضي الله عنها

- ‌تمهد:

- ‌العلم والاجتهاد:

- ‌البحث الأولعلمها بالقرآن الكريم

- ‌البحث الثانيعلمها بالحديث الشريف

- ‌أم المؤمنين عائشة وبقية أمهات المؤمنين:

- ‌أم المؤمنين عائشة وكبار الصحابة والمكثرون منهم:

- ‌مكانة عائشة (ض) عند المكثرين من الصحابة:

- ‌عدد رواياتها:

- ‌الاهتمام بالدراية مع الرواية عند المكثرين من الصحابة:

- ‌اعتناء عائشة (ض) ببيان حكم وأساب الحكم الشرعي:

- ‌التحري في رواية الحديث:

- ‌الأصول التي تنبني عليها استدراكات عائشة:

- ‌أ - لا يحتج بالسنة إذا خالفت الكتاب:

- ‌ب - الوصول إلى فحوى الكلام ولبه:

- ‌ج - المعرفة الشخصية:

- ‌د - الذاكرة القوية والحافظة النادرة:

- ‌جمع وتدوين مرويات أم المؤمنين عائشة (ض):

- ‌البحث الثالثعلمها بالفقه والقياسوأصولها في الاجتهاد

- ‌القرآن الكريم:

- ‌السنة النبوية:

- ‌القياس العقلي:

- ‌تقسيم السنة:

- ‌اختلافها مع الأقران والمعاصرين:

- ‌البحث الرابععلمها بالتوحيد أو العقيدة

- ‌إثبات اليد ونحوها لله سبحانه وتعالى:

- ‌رؤية الباري تعالى:

- ‌علم الغيب:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم وكتمان ما أنزل الله:

- ‌عصمة الأنبياء:

- ‌المعراج الروحي:

- ‌الصحابة عدول:

- ‌الترتيب في أمر الخلافة:

- ‌سماع الموتى:

- ‌البحث الخامسعلمها بأسرار الشريعة

- ‌الترتيب في نزول القرآن الكريم:

- ‌سر نجاح الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة:

- ‌الاغتسال يوم الجمعة:

- ‌تقصير الصلاة في السفر:

- ‌النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر:

- ‌الصلاة جلوسا:

- ‌سبب مشروعية صلاة المغرب ثلاث ركعات:

- ‌سبب مشروعية صلاة الفجر ركعتين:

- ‌سبب صوم عاشوراء:

- ‌سبب عدم مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة التراويح في شهر رمضان:

- ‌حقيقة مناسك الحج:

- ‌النزول في وادي المحصب:

- ‌النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث:

- ‌الحطيم وبناء الكعبة المشرفة:

- ‌سبب الطواف بالبيت راكبا:

- ‌الكشف عن حقيقة الهجرة:

- ‌دفن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة الشريفة:

- ‌البحث السادسمعرفتها ب‌‌الطبوالتاريخ والخطابة والشعر

- ‌الطب

- ‌التاريخ:

- ‌الأدب:

- ‌الخطابة:

- ‌الشعر:

- ‌الفصل الرابعدور عائشة في التعليم والإفتاء والإرشاد

- ‌1 - التعليم:

- ‌2 - الإفتاء:

- ‌3 - الإرشاد:

- ‌الفصل الخامسفضل عائشة ومننها على نساء العالمين

- ‌الدفاع عن حقوق المرأة:

- ‌مكانة عائشة وفضلها في عالم النساء:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرست الموضوعات

الفصل: ‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة:

مؤقتة زائلة أن صفية (ض) كانت من حزب عائشة (ض) ومؤيدة لها في كل الأمور.

هذا وقد تبين لنا في ضوء ما قدمنا مدى اهتمام عائشة (ض) بصواحبها وضرائرها واحترامها إياهن وتوقيرهن، والنظر إليهن بنظرة العزة والإكرام والتعامل معهن بأقصى درجات اللطف والإخلاص والعدل، كما عرفنا كيف كانت تستقبلهن برحابة الصدر وسعة القلب، وتذكرهن بالخير، وتثني عليهن وعلى محاسنهن، وتسرع إلى التوبة والرجوع إلى الله إذا صدر منها خطأ نظرا إلى الطبيعة البشرية، ولم يكن من عادتها أنها هي التي تبدأ الهجوم على ضرائرها في أمر ما، نعم إذا بادرت واحدة بالهجوم عليها فإنها كذلك لا تلزم الصمت، ومع ذلك كله فإنها تثني على كل واحدة وتمدحهن.

‌تنبيه على بعض الروايات الضعيفة:

كل منا يعلم أن الإخلاص والحب والوفاء بين الضرائر أصبح من الأشياء العزيزة النادرة والقليلة الوجود في مجتمعنا اليوم، إلا أن شأن أمهات المؤمنين في هذا الأمر كان مختلفا عن غيرهن من نساء العالم، فقد كن على أعلى مستوى وأرفع مكانة في الخصائص والمميزات مما كان توقعه منهن العالم البشري، وقد حققن تلك الأحلام التي رأتها دنيا النساء تجاههن، ولم يخيبن آمالهن في شيء والحمد لله على ذلك. فكن يغرن ويتنافسن لا محالة كما تغار النساء في كل مكان، ولكنهن لم ينسين قط أنهن نساء نبي، يتأدبن بأدبه، ويتطلعن إلى رضاه، ويفزعن من غضبه.

أما ما يوجد من بعض الصور المشوهة غير اللائقة بهن، فإنها في واقع الأمر إما من صنع المنافقين ونسيجهم ومكرهم، أو أنها محاولات من بعض الفرق والطوائف التي تجهل مصيرها، وتغفل عن عواقبها، مثل المرأة التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتحرش بين الأزواج المطهرات، وتعترف بخطئها هذا، فسألها الناس كيف كن يثقن بقولك؟ فقالت: لو لم يكن موثوقا بها

ص: 115

عندهن ما قبلن منها (1).

ورغم أن معظم الأحاديث والروايات التاريخية التي سبق أن ذكرناها هي مستقاة من كتب الصحاح، إلا أنه يوجد فيها بعض من نقاط الضعف، أو تشويه للصورة الأصلية، ولو قمنا بعملية الفحص والتحقيق والدراسة سيتضح لنا ذلك بكل وضوح وفي صورة مشرقة.

1 -

مثلا عندنا قصة كسر القصعة، فهذه القصة موجودة في سائر كتب الأحاديث تقريبا، إلا أن البخاري ومسلم لم ينصا على أن التي كسرت القصعة هي عائشة (ض)، بينما الأحاديث الواردة في السنن والمسانيد تنص على أنها كانت عائشة، مثل سنن أبي داود، سنن النسائي ومسند الإمام أحمد بن حنبل وغيرها، والغريب في الأمر أنهم يروون ذلك عن عائشة نفسها، وأول راوية لهذا السند هي جسرة بنت دجاجة، وهي وإن وثقها العجلي (2) وابن حبان (3) لكن يقول عنها البخاري: عند جسرة عجائب (4)، وزعم ابن حزم أن حديثها باطل (5).

والراوي الثاني هو أفلت العامري، وهو وإن وثقه بعض المحدثين إلا أن معظمهم على تضعيفه.

قال الإمام أحمد: ما أرى به بأسا (6)(وهذا دليل الضعف)، ونقل الخطابي عن أحمد قوله: إن أفلت راو مجهول، وقال البغوي في شرح السنة:

(1) انظر: الإصابة 8/ 180 ولسان الميزان 1/ 453.

(2)

انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 435/ 12 رقم الترجمة 2749.

(3)

انظر: كتاب الثقات لابن حبان البستي 121/ 4 رقم الترجمة 2097، وانظر كذلك تهذيب التهذيب 12/ 435 رقم الترجمة 2749.

(4)

انظر: التاريخ الكبير للإمام البخاري 67/ 2 رقم الترجمة 1710، وتهذيب التهذيب 435/ 12 رقم الترجمة 2749.

(5)

نفس المصدر.

(6)

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 346/ 2 رقم الترجمة 1316، وانظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال 125/ 2 رقم الترجمة 1483.

ص: 116

ضعف أحمد هذا الحديث، لأنه من رواية أفلت، وهو مجهول (1)، وقال ابن حزم: مشهور ولا معروف بالثقة، وحديثه هذا باطل (2).

2 -

وأما ما حدث بين عائشة وزينب (ض) من التقاول والتشدد في الكلام في الليل، فإن هذه الرواية مع أنها أخرجها الإمام مسلم في صحيحه، لكن تبين لنا بعد إمعان النظر والتأمل فيها ما يلي:

1 -

الراوي الأول لهذا الحديث هو الصحابي الجليل أنس بن مالك، الذي توقف عن التردد على حجرات أمهات المؤمنين من عام 5هـ، وهذه الحادثة وقعت بعد السنة الخاسة من الهجرة.

2 -

إن هذه الواقعة وقعت داخل حجرة عائشة (ض) حيث لم يكن أنس (ض) موجودا في الحجرة، وبالتالي فاحتمال وقوع الانقطاع بين أنس والراوي الذي قبله وارد.

3 -

لو سلم أن أنسا (ض) كان في المسجد النبوي الشريف، وكانت أصوات امهات المؤمنين تقرع أذنيه، فكيف أمكته مشاهدة ما يجري في داخل الحجرة، من مد النبي صلى الله عليه وسلم يده وما إلى ذلك، مع أن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصباح، والأغرب من ذلك كله أنه كيف اطلع على ما في خاطر عائشة (ض)، أنها خافت من أبيها، وأنه سوف يزجرها، ونظرا إلى هذه الأسباب فإن هذه الرواية فيها شيء من قبيل عدم الأخذ بالحيطة والتحري (3).

(1) تهذيب التهذيب 1/ 320 رقم الترجمة 668.

(2)

نفس المصدر.

(3)

إذا قلنا إن أنسا .......... (ض) لم يأخذ بالحيطة والتحري في هذه الرواية فإن هذا القول سوف

يؤدي إلى إثارة الشبهة والشك في كثير من تلك الروايات التي يرويها بعض الصحابة مرسلا مع أن مراسيل الصحابة مقبولة إجماعا، وأنس (ض) كان من أولئك الحفظة النقلة لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم الله سبحانه ليكونوا أساتذة الإسلام، والأمناء عليه بعده، بل كان (ض) من كبار حفاظهم، فلم يسبقه في رواية السنة سوى اثنين منهم وهما أبو هريرة وعبد الله بن عمر (ض)، ووراء كثرة روايته للسنة عاملان: أولهما: ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء خدمته له مدة عشر سنوات مما ساعده أن يتلقى الكثير من السنة عنه صلى الله عليه وسلم مباشرة، وثانيهما: امتداد عمره (ض) بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أعطاه =

ص: 117

3 -

وفي سنن الترمذي عن صفية بنت حيي (ض) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له، فقال:((ألا قلت: فكيف تكونان خيرا مني؟ وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى، وكان الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وقالوا: نحن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنات عمه)) (1) قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذلك القوي.

هذه الرواية تناقلتها كل كتب السير ولكنها لم تذكر تعليق الإمام الترمذي على الرواة، وفيما يأتي نذكر أقوال المحدثين في هاشم الكوفي الذي عليه مدار الإسناد:

قال الإمام أحمد: لا أعرفه (2)، وقال ابن معين: ليس بشيء (3)، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (4)، وقال ابن عدي: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه (5)، ومع ذلك كله فإن رواية أنس (ض) ليس فيها ذكر عائشة.

4 -

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل عن علي بن زيد عن أم محمد امرأة أبيه عن عائشة قالت: كانت عندنا أم سلمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ثم جنح الليل، قالت: فذكرت شيئا صنعه بيده، قالت: وجعل لا يفطن لأم سلمة، قالت: وجعلت أومئ إليه حتى فطن، قالت أم سلمة: أهكذا الآن، أما كانت

= فسحة زمنية كبيرة لتعليم السنة وتحفيظها للناس، فقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وثمانين سنة، وبالعكس فقد امتاز (ض) بحيطته الكبيرة في رواية السنة حذر الخطأ، وكان هو القائل لأصحابه: لولا أن أخشى أن أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه قال: من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار، كما أنه كان يختم حديثه بقوله أو كما قال، يراجع لمزيد من التفصيل: كتاب ((أنس بن مالك الخادم الأمين والمحب العظيم)) للأساذ عبد الحميد طهماز، ط: دار القلم دمشق.

(1)

أخرجه الترمذي في سننه باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم برقم 3894، والحاكم في المستدرك 31/ 4 برقم 6790، والطبراني في الأوسط 236/ 8 برقم 8503 وفي

الكبير 24/ 75 برقم 196.

(2)

(3)(4)(5) تهذيب التهذيب 17/ 11 ترجمة رقم 37.

ص: 118

واحدة منا عندك إلا في خلابة كما أرى، وسبت عائشة وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينهاها، فتأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبيها، فسبتها حتى غلبتها، فانطلقت أم سلمة على علي وفاطمة، فقالت: إن عائشة سبتها وقالت لكم وقالت لكم .... الحديث (1).

والراوي الثاني لهذا الحديث هو علي بن زيد، يقول فيه ابن سعد: ولد وهو أعمى، وكان كثير الحديث وفيه ضعف ولا يحتج به، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: ليس بالقوي، وقد روى عنه الناس، وقال أحمد: ليس شيء، وقال حنبل عن أحمد: ضعيف الحديث، وقال يحيىى: ضعيف، وفي رواية: ضعيف في كل شيء، وقال الجوزجاني: واهي الحديث، ضعيف، وفيه ميل عن القصد، لا يحتج بحديثه، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال البخاري: لا يحتج به، وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد: حدثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث، وفي رواية: كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غدا، فكأنه ليس كذلك (2).

هذا وكتب السير غنية بعدد كبير من هذه الوقائع، ومعظمها مستقاة من رواية الواقدي والكلبي، وفيما يأتي نذكر مثالا واحدا للتوضيح:

5 -

روى أصحاب الصحاح قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنة رئيس قبيلة، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل، ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال:((هبي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد اكها رازقيتين وألحقها بأهله)) (3).

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 6/ 130 برقم.2503.

(2)

انظر هذه الأقوال كلها في تهذيب التهذيب 284/ 7 رقم الترجمة 545.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الطلاق برقم 5257، وابن الجارود في المنتقى 190/ 1 برقم 758 ط: مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت 1408هـ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 339/ 4 باب في متعة الطلاق، وأحمد في مسنده 5/ 339 رقم 22920.

ص: 119

كانت هذه رواية صحيح البخاري، أما رواية ابن سعد ففيها زيادات، وقد رواها بسنده من طريق هشام بن محمد

قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة: اخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلن، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك

الحديث (1).

وهشام بن محمد هذا (راوي الحديث) هو الكلبي نفسه، والذي قال فيه العلماء: متروك، غير ثقة، رافضي، يقول الإمام أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه، وقال الدارقطني وغيره: متروك، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة (2).

ورواية البخاري ثتبت أن هذه المرأة (التي قالت أعوذ بالله منك) لم تكن تعرف النبي صلى الله عليه وسلم وها هو نص الحديث:

عن سهل بن سعد (ض) قال: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب. فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بني ساعدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد أعذتك مني، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك

الحديث (3).

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 146/ 8.

(2)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 89/ 7 رقم الترجمة 9245، ولسان الميزان لابن حجر العسقلاني 196/ 6 رقم الترجمة 700.

(3)

صحيح البخاري كتاب الأشربة برقم 5637، وصحيح الإمام مسلم كتاب الأشربة

برقم 2007.

ص: 120