الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِ ثَمَرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ نَبَتَتْ بِنَفْسِهَا فَحُكْمُهَا يَكُونُ لِلْقَاضِي إنْ رَأَى قَلْعَهَا، أَوْ إبْقَاءَهَا عَلَى الْمَقْبَرَةِ فَعَلَ.
رَفْعُ الْكُمِّثْرَى مِنْ نَهْرٍ جَارٍ وَرَفْعُ التُّفَّاحِ وَأَكْلُهَا جَائِزٌ، وَإِنْ كَثُرَ، وَفِي الْجَوْزِ الَّذِي يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ يَوْمَ الْعِيدِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْلُ عَلَى وَجْهِ الْقِمَارِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْأَكْلُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَالْأَكْلُ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَكْلُ الطِّينِ مَكْرُوهٌ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَكْلِ الطِّينِ بِأَنْ كَانَ يُورِثُ عِلَّةً لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الطِّينِ وَكَذَا أَكْلُ شَيْءٍ أَكْلُهُ يُورِثُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ قَلِيلًا وَيَفْعَلُ أَحْيَانًا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَكْلُ الطِّينِ الْبَحَّارِيَّ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُسْرِفْ، وَكَرَاهَةُ أَكْلِهِ لَا لِحُرْمَتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ يَهِيجُ الدَّمَ وَالْمَرْأَةُ إذَا اعْتَادَتْ أَكْلَ الطِّينِ تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي جَمَالِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْفَالُوذَجِ وَالْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «أَكَلَ الرُّطَبَ مَعَ الْبِطِّيخِ» وَأَكَلَ عُمَرُ رضي الله عنه الْبِطِّيخَ مَعَ السُّكَّرِ، وَفِي التَّتِمَّةِ وَضْعُ الْمِلْحِ عَلَى الْقِرْطَاسِ وَوَضْعُهُ عَلَى الْخُبْزِ يَجُوزُ، وَتَعْلِيقُ الْخُبْزِ بِالْخِوَانِ مَكْرُوهٌ وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْخُبْزِ تَحْتَ الْقَصْعَةِ وَكَانَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يُفْتِي بِالْكَرَاهَةِ فِي وَضْعِ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَلَا مَسْحِ السِّكِّينِ بِالْخُبْزِ وَالْأُصْبُعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَفْتَى بِالْكَرَاهَةِ.
وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَرِيضٍ قَالَ لَهُ طَبِيبٌ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ حَتَّى يَدْفَعَ عَنْك الْعِلَّةَ قَالَا: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ وَقِيلَ: هُوَ يُفَرِّقُ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا إذَا أَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، أَوْ جَعْلِهِ فِي دَارِهِ فَقَالَا لَا قِيلَ وَلَوْ كَانَ الْحَلَالُ أَكْثَرَ قَالَا: وَقِيَاسُ الْإِفْتَاءِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَكْلِ الْحَيَّةِ وَالْقُنْفُذِ، أَوْ أَكْلِ الدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ الْحَيَّةُ إذَا أَشَارَ الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ بِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْعِلَّةَ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ: لَا وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ خَبْزِ الْخُبْزِ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٍ لِلْجَوَارِي وَنَوْعٍ لِنَفْسِهِ وَيَأْكُلُ مَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ هَلْ يَأْثَمُ قَالَ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَسُئِلَ عَنْ سُؤْرِ الْهِرَّةِ إذَا عُجِنَ فِيهِ الدَّقِيقُ وَخُبِزَ هَلْ يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَالَ: لَا، سُئِلَ عَنْ الْخُبْزِ إذَا عُجِنَ بِالْحَلِيبِ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَسُئِلَ عَنْ عَرَقِ الْآدَمِيِّ وَنُخَامَتِهِ وَدَمْعِهِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرَقَةِ أَوْ فِي الْمَاءِ هَلْ يَأْكُلُ الْمَرَقَةَ وَيَشْرَبُ الْمَاءَ قَالَ: نَعَمْ مَا لَمْ يَغْلِبْ وَيَصِيرُ مُسْتَقْذَرًا طَبْعًا، وَسُئِلَ عَنْ سِنِّ الْآدَمِيِّ إذَا طُحِنَ فِي الْحِنْطَةِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْكَلَ وَهَلْ تُدْفَنُ الْحِنْطَةُ، أَوْ تَأْكُلُهَا الْبَهَائِمُ قَالَ: لَا تَأْكُلُهَا الْبَهَائِمُ وَسُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَأْكُلُ الْحِنْطَةَ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهَا قَالَ: نَعَمْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ.
وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ إشْعَالِ التَّنُّورِ بِأَحْشَاءِ الْبَقَرِ هَلْ يَجُوزُ إذَا خُبِزَ بِهَا الْخُبْزُ قَالَ: يَجُوزُ أَكْلُ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَسُئِلَ أَبُو حَامِدٍ عَنْ شَعْلِ التَّنُّورِ بِأَرْوَاثِ الْحُمُرِ هَلْ يُخْبَزُ بِهَا قَالَ: يُكْرَهُ وَلَوْ رَشَّ عَلَيْهِ مَاءً بَطَلَتْ الْكَرَاهَةُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَرَمَادُهُ طَاهِرٌ.
[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ مُسْتَنِدًا]
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى يَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَنِدًا وَلَا يَسْقِي أَبَاهُ الْكَافِرَ خَمْرًا وَلَا يُنَاوِلُهُ الْقَدَحَ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْبِيعَةِ، وَيَرُدُّهُ مِنْهَا وَيُوقِدُ تَحْتَ قِدْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَيْتَةٌ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: الْبِطْنَةُ بِطْنَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَعَمَّدَ الرَّجُلُ السِّمَنَ وَعِظَمَ الْبَطْنِ فَإِنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ فَأَمَّا مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ بَطْنًا عَظِيمًا وَكَانَ ذَلِكَ خَلْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَمَّدَ السِّمَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ: التَّأْوِيلُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» مَعْنَاهُ إذَا تَعَمَّدَ السِّمَنَ أَمَّا إذَا خَلَقَهُ اللَّهُ سَمِينًا فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْخَبَرِ. اهـ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ رُوِيَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُكْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ اهـ.
قَالَ رحمه الله: (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، وَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشُّرْبِ فَالْأَكْلُ كَذَلِكَ وَالتَّطَيُّبُ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهَا يَكُونُ وَارِدًا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا دَلَالَةً وَلِأَنَّهَا تَنَعُّمٌ بِتَنَعُّمِ الْمُتَرَفِّهِينَ وَالْمُسْرِفِينَ وَتَشَبُّهٌ بِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُرِهَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ
وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَمَعْنَى يُجَرْجِرُ يُرَدِّدُ مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَنْجَرَتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ صُورَةُ الْإِدْهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الرَّأْسِ لَا يُكْرَهُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقِيلَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَ يَصُبُّ مِنْ الْآنِيَةِ عَلَى رَأْسِهِ أَمْ بَدَنِهِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الدُّهْنَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ فَلَا يُكْرَهُ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّتَهُ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَأَرَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ: وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ عَلَى مَا قِيلَ فِي صُورَةِ الْإِدْهَانِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا إذَا أَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَالَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضِ أَقُولُ: مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَدَوَاتِ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أَكَلَ مِنْهَا بِالْيَدِ، أَوْ الْمِلْعَقَةِ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهَا وَوَضَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا الْأَوَانِي الصَّغِيرَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ لِأَنَّهَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَمِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ الْمُحَرَّمِ اهـ.
وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلُّهُ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُتَعَارَفَ فِيهِ التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ وَالْمَعْرِفَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ لَا تَصْلُحُ فَارِقًا، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِدُهْنٍ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ وَكَذَا إذَا صَبَّ الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، أَوْ لِحْيَتَهُ، وَفِي الْغَالِيَةِ لَا بَأْسَ وَلَا يَصُبُّ الْغَالِيَةَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الدُّهْنِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ بِمِجْمَرِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ دَوَاةٍ كَذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله: (لَا مِنْ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ الْأَوَانِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: تُكْرَهُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِالتَّفَاخُرِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ.
قَالَ رحمه الله: (وَحَلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ وَيَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) يَعْنِي يَتَّقِي مَوْضِعَهَا بِالْفَمِ وَقِيلَ بِالْفَمِ وَالْيَدِ فِي الْأَخْذِ وَالشُّرْبِ، وَفِي السَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا الْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي نَصْلِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حَلْقَةٍ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا، أَوْ مُفَضَّضًا وَكَذَا اللِّجَامُ وَالرِّكَابُ الْمُفَضَّضُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رُوِيَ مَعَ الْإِمَامِ وَرُوِيَ مَعَ الثَّانِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ يَخْلُصُ، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ لِلثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا خَالِيًا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ اهـ.
أَقُولُ: عَدَمُ وِجْدَانِ تِلْكَ
الزِّيَادَةِ فِيمَا ذَكَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرَ مَحَلَّهَا مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مِنْ فُرْسَانِ مَيْدَانِ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلِلْإِمَامِ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِشَيْءٍ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ» وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ هُوَ الْقَصْدُ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي الْعُضْوَ وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُكْرَهُ فَصَارَ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي فَصِّ الْخَاتَمِ وَكَالْعِمَامَةِ الْمُعَلَّمَةِ بِالذَّهَبِ وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِقِيِّ وَالْإِمَامُ حَاضِرٌ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ: يُكْرَهُ وَالْإِمَامُ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ قَالَ إنْ وَضَعَ فَمَهُ فِي مَوْضِعِ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ، وَإِلَّا فَلَا قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَك؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ وَتَعَجَّبَ ابْنُ جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ فِي قَارُورَةِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ يَصُبُّ مِنْهَا الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ وَالْأُشْنَانَ أَكْرَهُهُ وَلَا أَكْرَهُ الْغَالِيَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْغَالِيَةِ يُدْخِلُ الْإِنْسَانُ يَدَهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى الْكَفِّ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا فَأَمَّا الدُّهْنُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ وَلَا يَشُدُّ الْأَسْنَانَ بِالذَّهَبِ وَلَوْ جُدِعَ أَنْفُهُ لَا يَتَّخِذُ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَيَتَّخِذُهُ مِنْ الْفِضَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَتَّخِذُ مِنْ الذَّهَبِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ الْفِضَّةِ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ الذَّهَبِ» وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مُسْتَوِيَانِ فِي الْحُرْمَةِ إذَا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُعِيدَهَا وَيَشُدَّهَا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ سِنَّ شَاةٍ مُذَكَّاةٍ فَيَجْعَلُهَا مَكَانَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَشُدُّهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي مَكَانِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ بَيَانِ الدَّلِيلِ اهـ.
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَسَلَاسِلُ الْخَيْلِ مِنْ الْفِضَّةِ فِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ اهـ.
قَالَ رحمه الله: (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ خَبَرَهُ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الضِّمْنِيِّ فَأَسْقَطَ بَعْضُ الْكَتَبَةِ لَفْظَ " الضِّمْنِيِّ " فَشَاعَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ حَتَّى إذَا كَانَ خَادِمَ كَافِرٍ، أَوْ أَجِيرٌ مَجُوسِيٍّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْ مَجُوسِيٍّ لَا يَسَعُهُ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ قَوْلَهُ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَزِمَ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ضَرُورَةً لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا حَلَالٌ، أَوْ هَذَا حَرَامٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ وَتَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا كَذَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ وَيَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا.
قَالَ رحمه الله: (وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ وَلَا دَلِيلَ مَعَ السَّامِعِ يُعْمَلُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لَامْتَنَعَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِلْإِلْزَامِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهَا فِيهَا فَاشْتُرِطَ فِيهَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ فَإِذَا قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُمَيِّزِ وَكَانَ فِي ضِمْنِ قَبُولِهِ فِيهَا قَبُولُهُ فِي الدِّيَانَاتِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الدِّيَانَاتِ ضِمْنًا لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى إذَا قَالَ الْمُمَيِّزُ أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، أَوْ بَعَثَنِي مَوْلَايَ بِهَا إلَيْك وَسِعَهُ الْأَخْذُ وَالِاسْتِعْمَالُ حَتَّى جَازَ لَهُ الْوَطْءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَانَاتِ دَخَلَتْ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الدِّيَانَاتِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا كَالْمُعَامَلَاتِ وَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَكَذَا الْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا وَأَطْلَقَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَهْدَانِي إلَيْك سَيِّدِي وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا أَخْبَرَ الْمَمْلُوكُ بِإِهْدَاءِ الْجَوَارِي وَالْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ اهـ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْإِذْنِ بِأَنْ جَعَلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدْ عَلِمَ أَنَّ جَارِيَةً لِرَجُلٍ يَدَّعِيهَا رَجُلٌ فَرَآهَا فِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْجَارِيَةُ: قَدْ كَانَتْ كَمَا قُلْتَ إلَّا أَنَّهَا لِي وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مُسْلِمًا ثِقَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ
يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تُقْبَلُ هَدِيَّةٌ وَلَا صَدَقَةٌ حَتَّى يَتَحَرَّى فَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: قِيلَ: ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ خَبَرَ الْمُمَيِّزِ الْغَيْرِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْهَدَايَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي، وَهُوَ الْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ وَمُحَمَّدٍ فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرَ الْهَدِيَّةِ فَيُشْتَرَطُ وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.
قَالَ رحمه الله: (وَالْفَاسِقُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا فِي الدِّيَانَاتِ) يَعْنِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ فِيمَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ا} [الحجرات: 6] وَالتَّبَيُّنُ التَّثَبُّتُ وَهُوَ طَلَبُ الْبَيَانِ وَذَلِكَ بِالتَّحَرِّي وَطَلَبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يَكُونُ ذَا مُرُوءَةٍ فَيَسْتَنْكِفُ عَنْ الْكَذِبِ وَقَدْ يَكُونُ ذَا خِسَّةٍ لَا يُبَالِي عَنْ الْكَذِبِ فَوَجَبَ طَلَبُ التَّحَرِّي فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ يَقْبَلُ قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَا وَالْأَحْوَطُ وَالْأَوْثَقُ أَنْ يُرِيقَهُ وَيَتَيَمَّمَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فَاسِقٌ، أَوْ مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ قَدْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ فَيَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهِ لِلْعَدَاوَةِ فَيُرَجَّحُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِهِ فَلَا يَجِبُ التَّحَرِّي بَلْ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ قَائِمٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ فَإِنَّ التَّحَرِّيَ يَجِبُ لِاسْتِوَاءِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانُوا عُدُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِمْ، وَالْوَكَالَةُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى النِّزَاعِ فَهُوَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَوَالُ مِلْكٍ قَالَ السِّغْنَاقِيُّ: لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْعَدْلِ فِي الدِّيَانَاتِ إذَا كَانَ فِيهِ زَوَالُ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا عَلَى فُلَانَةَ لَا يُقْبَلُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَاذَا اُشْتُرِطَ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ عَدَمُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ: سَيِّدِي أَهْدَى إلَيْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَفِيهِ زَوَالُ الْمِلْكِ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْحُرِّ الْعَدْلِ قُلْنَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلرَّقَبَةِ أَدْنَى حَالًا مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي خَبَرِ الْحُرِّ مَا ذُكِرَ دُونَ خَبَرِ الصَّبِيِّ فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَبَرَ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا خَبَرُ الرَّسُولِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ، وَالثَّانِي خَبَرُهُ فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجَصَّاصِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ يَشْتَرِطُ فِيهِ الثَّوَابَ عِنْدَهُ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ حُقُوقُ الْعِبَادِ فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْدَى شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ، أَوْ الْعَدَالَةُ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ. وَالرَّابِعُ الْعَلَامَاتُ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا مُسْلِمًا وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْعَدَالَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ الْحَالُ، وَأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ.
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ أَخْبَرَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى أَنَّهَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَقَالَ الْبَاقُونَ: بَلْ حَلَالٌ وَهُمْ عُدُولٌ أُخِذَ بِقَوْلِهِمْ) وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ الصِّدْقُ يَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الْمُخْبِرِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ كَانُوا مُتَّهَمِينَ أُخِذَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ خَبَرِ الْعَدْلِ بِخَبَرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَتَحَرَّى كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحِلِّ وَالْآخَرُ بِالْحُرْمَةِ يَجِبُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ وَاسْتَوَيَا عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَوَى أَحَدُهُمَا خَبَرًا بِحُرْمَةٍ وَرَوَى أَحَدُهُمَا بِحِلٍّ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ بِجَعْلِ الْحُرْمَةِ نَاسِخًا وَلَوْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ بِالْحِلِّ وَوَاحِدٌ بِالْحُرْمَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ حُرَّانِ بِحُرْمَةٍ وَعَبْدَانِ بِحِلٍّ يَتَرَجَّحُ خَبَرُ الْحُرَّيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ حُرَّانِ عَدْلَانِ بِحِلٍّ وَأَرْبَعَةُ عَبِيدٍ بِحُرْمَةٍ أَوْ رَجُلٌ بِحِلٍّ وَامْرَأَتَانِ بِحُرْمَةٍ تُرَجَّحُ بِالذُّكُورِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ تَنَزَّهَ فَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُبْطِلُ الْمِلْكَ وَلَا تُوجِبُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَلَكَ طَعَامًا، أَوْ جَارِيَةً بِسَبَبٍ فَشَهِدَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّ الْمُمَلِّكَ غَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ تَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهَا وَوَطْئِهَا وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَأَخْبَرَهُ الْقَصَّابُ بِأَنَّهَا ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ