الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُصْبُعُ الَّذِي قَطَعَهُ الْأَجْنَبِيُّ قَبْلَ قَطْعِ صَاحِبَيْ الْقِصَاصِ قَائِمًا حُكْمًا، فَإِنْ اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْقِصَاصِ عَلَى قَطْعِ الْكَفِّ مَعَ الْأُصْبُعَيْنِ فَالدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِقَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَالْآخَرِ الْخَمْسَةُ إتْمَامُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ وَلَيْسَ فِي الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ.
فَإِنْ كَانَ فِيهِ أُصْبُعَانِ فَالْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ وَقَالَا يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ الْأُصْبُعِ بِالْكَفِّ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ خَطَأً مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِكُلِّ عُضْوٍ نِصْفُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ رَجُلٌ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ.
[فَصْلٌ الصُّلْحِ]
(فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الصُّلْحِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ أَتْبَعَ الصُّلْحَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْقَاتِلُ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ أَوْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ» بِخِلَافِ حَقِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا التَّعْوِيضُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَلِيلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا رِبًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحُلُولُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، وَهُوَ الْحَالُّ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ صُولِحَ إلَخْ أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْإِطْلَاقُ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ لَا يَنْبَغِي فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ صَالَحَ فِي وَاحِدٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى آخِرِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِنَا فِي وَاحِدٍ يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا أَوْ حَصَلَ الْعَفْوُ وَبِقَوْلِنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا، فَالْعَفْوُ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَتَنَصَّفَ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيُنَصَّفُ مُوجَبُهُ، وَهُوَ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا قَالَ رحمه الله (، فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ وَبِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَسَقَطَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَمِنْ ضَرُورِيَّةِ سُقُوطِ حَقِّهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُقَالُ صَالَحَ عَنْ كَذَا وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَلِمَةً مِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ مِنْ نَصِيبِهِ يُوهِمُ تَجَزُّؤَ الْقِصَاصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ قَالَ الشَّارِحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا وَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا وَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْوِرَاثَةِ خِلَافَهُ، وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِفَاعُ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» الْحَدِيثَ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ فَيَكُونُ
لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ «وَأَمَرَ عليه الصلاة والسلام بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أُسَيْمٍ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أُسَيْمٍ» ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إذَا قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الِابْنِ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا كَمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ الْجُرْحُ، وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقْسِمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ.
وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَتْ مَالًا يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتُنَفَّذُ بِهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَعَدَمِ الْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةُ أَقْرَبُ مِنْهُ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا.
قَالَ رحمه الله (وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْمُفْرَدِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ بِهِ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ وَالْقِصَاصُ شُرِعَ حُكْمُهُ لِلزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَفُتِحَ بَابُ التَّغَالُبِ إذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُهُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ يُشْرَعُ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّي، وَفِي النُّقْصَانِ مِنْ الْبَخْسِ بِحَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ فِي شَيْءٍ هَذَا يُعْلَمُ بِبَدَاهَةِ الْعَقْلِ فَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ وَأَيَّدَ هَذَا الْقِيَاسَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ وَلَكِنْ تُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَضَى عُمَرُ رضي الله عنه بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ فَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقِيَاسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَا لَا يَجُوزُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ عُمَرَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي قَضَائِهِ وَقَوْلِهِ الْمَزْبُورَيْنِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ وَفِعْلَهُ لَا يَصْلُحَانِ لِلْمُعَارَضَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الرُّجْحَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانُوا مُتَوَافِرِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ، وَلَا السُّنَّةِ كَمَا لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ نَاسِخًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَالْحَقُّ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِحَدِيثِ كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُؤَيِّدَةً لِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَدْلُولِ تِلْكَ الْآيَةِ، وَبَيْنَ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ هَاهُنَا وَسَيَجِيءُ مِنَّا الْكَلَامُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بُعَيْدَ الْقَوْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا الْقَتْلُ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَقْتُولِ إنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ فَلَا يَرْبُو عَنْ الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِهِ الْمُؤَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسُ سَائِرِ أَبْوَابِ الْعُقُوبَاتِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَيَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِقُوَّةِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ إحْيَاءُ كَلِمَةِ الْإِحْيَاءِ وقَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ وَجَعَلَهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ اهـ. كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ الذَّوَاتِ فِي الْحَقِيقَةِ شَخْصًا وَاحِدًا بِمُجَرَّدِ صُدُورِ إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ وَجَعْلَهُمْ مُتَسَاوِينَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مُمَاثَلَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقِصَاصِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ مُسَاعِدَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَأَيْضًا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَثَلَاثٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَحَصَلَتْ الْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقِصَاصِ
، وَالْحَقُّ عِنْدِي هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِي مَا قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَحْدَةِ فِي النَّفْسِ بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ مُقَابَلَةِ جِنْسِ النَّفْسِ بِجِنْسِ النَّفْسِ كَمَا تَرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَنْ تُقْتَلَ النَّفْسُ بِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ تَحَقُّقُ الْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ النَّفْسِ فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ.
وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ الْيُمْنَى لَا تُقْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْعَكْسُ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ بَلْ إنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَكَذَا هُنَا تَبَصَّرْ.
قَالَ رحمه الله (وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً) يَعْنِي إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً يُقْتَلُ بِهِمْ يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْأَوْلِيَاءُ وَطَلَبُوا يُقْتَلُ بِهِمْ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَيُقْتَلُ بِهِمْ لِحُصُولِ التَّمَاثُلِ، وَفِي الْحَاوِي قَتَلَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قَتَلْت فُلَانًا؟ فَقَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ قَالَ آخَرُ لِمَ قَتَلْت غُلَامِي؟ ، فَقَالَ قَتَلْت عَدُوِّي يُقْتَلُ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ يُقْتَصُّ بِهِمَا وَلَا يَغْرَمُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ بِقَتْلِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ وَبِقَتْلِ الْوَاحِدِ حَصَلَ لَهُمَا إعْدَامُ الْحَيَاةِ مَعْنًى لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي إتْلَافِ كُلِّ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ لِمَكَانِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحَقُّ الْغَائِبِ لَمْ يَظْهَرْ وَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ فَقَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ قَطَعَ الْيَدَيْنِ لَهُمَا فَقُطِعَ لِأَحَدِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِلْآخَرِ دِيَةُ يَدِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ إذَا قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا وَقَتَلَهُ لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ سَبَبًا لِقُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا وَاسْتَوْفَيَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا تَجِبُ مَعَهُ الدِّيَةُ، وَأَمَّا فِي الطَّرَفِ فَوَاتُ حَقِّهِ بِسَبَبِ قُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ الضَّمَانُ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ بَطَلَ حَقُّهُ وَاقْتُصَّ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ.
وَإِنْ عَفَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ وَصَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَتَلَ وَقَطَعَ الْيَدَ مِنْ آخَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَلِلسَّاكِتِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَا لِلسَّاكِتِ أَنْ يَقْطَعَ الْيَدَ عَلَى أَنَّ لَهُمَا حَقَّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتِيفَاءُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا قِصَاصَ مَعَ وُجُودِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ وَانْعِدَامِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ وَلَكِنَّهُ أَقْصَى مَا يَجِبُ لَهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْقَطْعِ وَأَخْذُ الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَلَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ عَنْ الْيَدِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا قَبَضَا فَقَدْ مَلَكَاهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمُسْتَوْفَى أَنْ لَا يَبْقَى الْحَقُّ فِي الْيَدِ فَسَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْيَدِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ الْيَدِ بِدُونِ نَصِيبِ الْعَافِي فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَامْتَنَعَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الدِّيَةُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَلَوْ أَخَذَا بِالدِّيَةِ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخِرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَوْقِيفٌ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قُتِلَ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ) كَمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَضَى الْآخَرَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا أَخَذَ سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا، وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ حَتَّى الْتَقَتْ السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُقْطَعَ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ الْآخَرِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ
الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ مِنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْلُولِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرَّوْحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلًّا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَتَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَاعِ غَالِبٌ مُخَالَفَةُ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا كَالنِّدَاءِ، وَيَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا، فَلَا يَلْحَقُ بِهَا وَقَوْلُهُ رَجُلَانِ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَيْ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: رحمه الله فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ وَبَرِئَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الثَّانِيَ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْقَاطِعِ بِالْقِصَاصِ فِي الْمَفْصِلِ الثَّانِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى، وَبَرِئَ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ الْقَاطِعِ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَسْفَلِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَيْنِ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِلْمَقْطُوعِ مَفْصِلَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى وَاقْتَصَّ مِنْ الْقَاطِعِ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ وَبَرِئَ يَجِبُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ مَقْطُوعَيْ الْأَصَابِعِ قَطَعَ أَحَدُهُمَا كَفَّ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ كَفُّ الْقَاطِعِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُمْكِنَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ لِإِمْكَانِهَا فَتَدَبَّرْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْكَفِّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا زَنْدَ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ زَنْدُ الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ نِصْفَ مَفْصِلٍ وَكَسَرَ وَبَرِئَ ثُمَّ قَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَفْصِلِ وَبَرِئَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَلِحُلُولِ الْجِنَايَةِ فِي الْعَظْمِ، وَأَمَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَلِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ حَالَ مَا قَطَعَ الثَّانِي مِنْ الْمَفْصِلِ صَحِيحَةٌ وَالْأُصْبُعُ الْمَقْطُوعَةُ مِنْ نِصْفِ الْمَفْصِلِ نَاقِصَةٌ.
وَلَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ مِنْ رَجُلٍ وَعَادَ وَقَطَعَ الْكَفَّ إنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي يَدٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَابِعِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْكَفِّ وَكَذَا إذَا قَطَعَ حَشَفَةَ إنْسَانٍ خَطَأً ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ إنْ كَانَ قَبْلَ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ فَقَبْلَ الْبُرْءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي ثُمَّ بَرِئَ الْقِصَاصُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ فَهَذَا ذَلِكَ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْأَرْشِ فِي الثَّانِي.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ مِرْفَقَهُ فَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الْقَاطِعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَلَمْ يَتَخَلَّلْ الْبُرْءُ فَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ خَطَأً فَمَاتَ يُقْتَصُّ مِنْ قَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ دِيَةُ النَّفْسِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْتَصُّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَشُلَّتْ الْيَدُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي النَّوَازِلِ وَسُئِلَ شَدَّادٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ رَأْسَ أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلِهِ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَفِي الْعُيُونِ رَجُلٌ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ خَطَأً فَجَاءَ آخَرُ وَقَطَعَ كَفَّهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُقْطَعُ مِنْ الْكَفِّ وَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي قَطَعَ الْأُصْبُعَ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ تَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَمَنْ قَطَعَ مِنْ رَجُلٍ يَدًا أَوْ رَجُلًا أَوْ أُصْبُعًا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مَفْصِلًا مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ آخَرَ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ وَالْمَقْطُوعُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كِتَابِيٌّ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَا امْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةٌ أَوْ كَانَتَا ذِمِّيَّتَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ وَالْآخَرُ حُرٌّ أَوْ أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا هَذَا كُلُّهُ بَيَانُ حُكْمِ الْعَمْدِ رَجَعْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْخَطَأِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْيَدَيْنِ إذَا قُطِعَتَا خَطَأً الدِّيَةُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا تَفْضُلُ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ أَكْثَرَ بَطْشًا مِنْ الشِّمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجِنَايَاتِ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِلزِّيَادَةِ، وَفِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ رَوَى صَاحِبُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي السَّاعِدِ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالثَّوْرِيِّ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكَفِّ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ أُصْبُعَيْنِ ثُمَّ شُلَّتْ الْكَفُّ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ دِيَةُ مَا قَطَعَ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ مَا قُطِعَ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ بَعْدَ الْأَصَابِعِ فَهُوَ نِصْفَانِ فَمَا يُصِيبُ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ دَخَلَ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ إنْ كَانَ الْآخَرُ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ فَعَلَيْهِ خُمُسَا دِيَةٍ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي الْأُنْمُلَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَالظُّفْرُ إذَا نَبَتَ كَمَا كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى عَيْبٍ فَحُكُومَةٌ دُونَ الْأُولَى وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَعْبِ إلَى الْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَإِذَا كَسَرَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلِهِ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ شَيْءٌ وَفِي الْكَافِي، وَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ وَفِيهَا ثَلَاثُ أَصَابِعُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَاطِعُ يَدٍ لَا كَفَّ لَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي السَّاعِدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَا سَوَاءً اقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ، وَفِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَفِي يَدِ الْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدًا فِي يَدِهِ مِثْلُهَا لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَقْطَعَيْنِ وَالْأَشَلَّيْنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ وَالْأُصْبُعِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ يَدَ أَشَلَّ فَلَا قِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ أَظَافِرَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ سَاعِدٍ أَوْ سَاقَ أَوْ تَرْقُوَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ.
قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذْ حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا عِبْرَةَ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَمَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةٍ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ بِثُبُوتِ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا يُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدَّمْنَا لَهُ مَزِيدَ بَيَانٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقَطَعَ يَدَهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ