الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَغْلُوبِ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ فَلِذَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَرَادَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي هُوَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ قَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ الْوَلِيُّ هُوَ الْقَاضِي، وَالْوَلِيُّ الَّذِي يَلِي التِّجَارَةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ بِإِذْنِ الْعَمِّ، وَالْأُمِّ، وَالْأَخِ. اهـ.
وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعَ رَغْبَةٍ أَوْ غَبِينَةٍ وَإِذَا رُدَّ الْمَبِيعُ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَنْظُرُ إنْ اسْتَهْلَكَهُ فِي النَّفَقَةِ وَمَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعْطِي الدَّافِعَ مِثْلَهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْفَسَادِ يَضْمَنُ الْمَحْجُورُ مِثْلَهُ عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ كَالْقَاضِي.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمْ فِي الْأَفْعَالِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْقَتْلِ، وَالْقَطْعُ غَيْرَ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ هَكَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَأَخَّرُ إلَى الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ وَفِي الْحَدَّادِيِّ يَضْمَنُ كَمَا يَضْمَنُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ جَنِينٌ ابْنُ يَوْمٍ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ فَكَسَرَهَا يَجِب عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ. اهـ.
فَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ أَوْ الْعَبْدَ اسْتَهْلَكُوا مَالًا ضَمِنُوا الْمَالَ فِي الْحَالِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ وَلَا الْعَبْدُ فِي الْحَالِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يُسَلِّطْهُمْ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ الصَّبِيُّ فِي مَالِهِ، وَالْعَبْدُ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ.
[إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ]
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ فِي الشَّرْعِ مَنُوطَةٌ بِالْأَهْلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْحَدِّ لَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَيَجِبُ الضَّمَانُ لَا يُقَالُ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ، وَالتَّصْرِيحُ أَبْلَغُ مِنْهُ فَلِذَا ذَكَرَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ وَإِقْرَارُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَتَبِيعُ بِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِ الْأَهْلِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ نُفُوذُ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَكَتَ بَعْد ذَلِكَ أَوْ قَالَ بَاطِلًا أَوْ حَقًّا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ ثُمَّ صَلَحَ فَصَارَ أَهْلًا لِلْإِقْرَارِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا فِي حَالِ فَسَادِهِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ شُوهِدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُعَايَنَةٍ وَبِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَالْقَتْلِ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِالْمُعَايَنَةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ فِي مَالِهِ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ ثُمَّ صَلَحَ بِأَنْ صَارَ أَهْلًا وَقَالَ أَقْرَرْت بِهَا بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ حَقًّا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إقْرَارٌ بَعْدَ الصَّلَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَقْرَضَنِي فِي حَالِ فَسَادٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ فِي صَلَاحِك وَاسْتَهْلَكْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَحْجُورُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ وُجِدَ مِنْهُ وَادَّعَى الْإِذْنَ، وَالتَّسْلِيطَ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ أَقْرَضْتُك فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ قِيلَ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» وَشَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَتَعُمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ قُلْنَا لَمَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِهِمَا إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ لَا بِالْعَبْدِيَّةِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَيَنْفُذَ أَوْ يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ يُحْمَلُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا بِسَفَهٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِلْإِمَامِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ يَخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا قِيلَ لَهُ اُحْجُرْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ كَامِلُ الْعَقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَهَذَا نَصٌّ فِي إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى السَّفِيهِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ فِي الْغِيَاثِيَّةِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هُنَا السَّفَهُ وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ، وَالْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرٍ وَإِتْلَافٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ، وَالْعَقْلِ. اهـ.
وَفِي الْأَصْلِ: وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، وَالسَّفَهِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا لِخِفَّةٍ فِي الْعَقْلِ وَكَانَ سَبَبُهُ الْقَلْبَ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ فَيَحْجُرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا مُضَيِّعًا لِمَالِهِ أَمَّا فِي الشَّرِّ بِأَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الشَّرِّ، وَالْفَسَادِ فِي دَارِهِ وَيُطْعِمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ وَيَصْرِفَ فِي النَّفَقَةِ وَيَفْتَحَ بَابَ الْجَائِزَةِ، وَالْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْخَيْرَاتِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَأَشْبَاهِهِ فَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَ صَاحِبَيْهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، وَالسَّفَهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِالْحَجْرِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ بَلْ فَتْوَى لِعَدَمِ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الدَّعْوَى، وَالْإِنْكَارُ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الدَّعْوَى، وَالْإِنْكَارَ بِأَنْ وَهَبَ السَّفِيهُ مَالَهُ مِنْ إنْسَانٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَصَارَ فَقِيرًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَحَارِمِهِ فَيَرْفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ يُفْنِي مَالَهُ سَفَهًا وَطَلَبُوا مِنْهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يُحْضِرُ السَّفِيهَ، وَالْمَوْهُوبَ لَهُ فَادَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَنَّ مَالَهُ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ فَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَيْهِ يَفْسُدُ قَضَاءً. اهـ.
وَفِي التَّهْذِيبِ وَإِذَا وُجِدَ شَرْطُ الدَّعْوَى وَقَضَاءُ الْقَاضِي صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا وَالْإِمَامُ أَيْضًا اهـ.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَاضٍ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَطْلَقَهُ جَازَ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَتْوَى لِتَقَدُّمِ شَرْطِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ حَتَّى يَلْزَمَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ بِالْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وُجِدَ شَرْطُهُ فَيَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِنَفْسِ السَّفَهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي.
وَفِي الْأَصْلِ الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ يُقَارِنُ الْحَجْرَ بِالدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ أَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَلِحَقِّ الْغُرَمَاءِ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَإِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بِمَا فِي يَدِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَإِذَا أَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ. الثَّالِثُ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ يَزُولُ إقْرَارُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ وَكَذَا حَالُ قِيَامِ الْحَجْرِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَالِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ لَا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَلَا الْحَادِثِ وَإِذَا صَارَ السَّفِيهُ مُصْلِحًا لِمَالِهِ هَلْ يَزُولُ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ.
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَخَاهُ الصَّغِيرَ لَمْ يَجُزْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ إنْ بَلَغَ الْمُدَّةَ مُعْسِرًا) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] عَلَّقَ الدَّفْعَ بِوُجُودِ الرُّشْدِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ حَالَ الْبُلُوغِ قَدْ لَا يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَاءِ فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ فِيهِ جَدًّا؛ لِأَنَّ أَدْنَى مَا يَبْلُغُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَا عَشْرَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَعْلِيقُ الشَّرْطِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ