الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبُ الزَّاهِرِ، وَالْأَرْمَلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْمَلَ الْقَوْمُ إذَا فَنَى زَادُهُمْ، وَالذَّكَرُ يُسَمَّى أَرَمْلًا مَجَازًا ثُمَّ الْيَتَامَى إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ يَدْخُلُ الْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَتَامَى يُذْكَرُونَ وَيُرَادُ بِهِمْ الْفُقَرَاءُ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ ذَكَرَ الْيَتَامَى وَأَرَادَ بِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ.
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ لُغَةً مِمَّا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً بِالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعْلُومٌ فَأَنْكَرَ تَخْصِيصَ الْمُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ بِإِضَافَةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَصْحِيحًا لِعَقْدِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ.
فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ أَوْ ثَيِّبِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ أَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلَمْ يُحْصَوْا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ فِي اسْمِ الْأَيِّمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْأَرَامِلِ، وَالْيَتَامَى عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ كُنَّ يُحْصِينَ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا جُومِعَتْ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ الْجِمَاعُ، وَالْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ حَتَّى قَالَا بِأَنَّ الرَّجُلَ، وَالْبِكْرَ إذًا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ
إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى
النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى، وَالْقُبُورُ كَمَا تَضُمُّ الثَّيِّبَ تَضُمُّ الْبِكْرَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا» عَطَفَ الْبِكْرَ عَلَى الْأَيِّمِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قَالَ رحمه الله (وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يَعْنِي لِوَرَثَةِ فُلَانٍ يُدْفَعُ لِلذَّكَرِ قَدْرُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ وَتَرَتُّبُ الِاسْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى الْعَلِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ بِقَدْرِهَا.
ثُمَّ شَرْطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ الْمُوصَى لِوَرَثَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى حَتَّى يُعْرَفَ وَرَثَتُهُ مِنْهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ وَرَثَتِهِ مُوصًى لَهُ آخَرُ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةُ جُمِعَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالثَّمَرَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَاَلَّذِي يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ هُوَ الَّذِي يَتَمَلَّكُ الْمَنَافِعَ بِعِوَضٍ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى فَيُخْرِجُهُ إلَى بَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْخِدْمَةُ وَمَتَى أَمْكَنَ تَوَصُّلُهُ إلَى الْخِدْمَةِ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مُدَّةً وَأَبَدًا أَنَّهَا تَجُوزُ مُؤَبَّدَةً وَمُؤَقَّتَةً كَمَا فِي الْعَارِيَّةُ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُورِثِ فِيمَا كَانَ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى، وَالْمَنْفَعَةُ عِوَضٌ يَعْنِي وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُجَوِّزُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَشْمَلُ الْكُلَّ إذْ الْمُوصِي يَحْتَاجُ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ، وَالدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالْبَسَاتِينِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدُّورِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ مُعَيَّنَةً بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ سَنَةَ كَذَا.
وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ
مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ فِي سَنَةٍ بِعَيْنِهَا وَمَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ دُخُولِ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ تِلْكَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا يَنْظُرُ إلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرِجُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا سَلَّمَ الْعَبْدَ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ وَقَدْ أَجَازُوا فَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَسْتَخْدِمَهُ سَنَةً كَامِلَةً ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ السَّنَةَ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْمَوْتُ وَكُلُّ وُجُوبٍ عَرَفْته فِيمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَهُوَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ دَارِهِ سَنَةً أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً عَيَّنَ السَّنَةَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخِدْمَةِ، وَفِي الْمُنْتَقَى بِرِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ كَانَ ذَلِكَ مَا عَاشَ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ هَذَا لِفُلَانٍ وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَلَهُ غَلَّتُهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ أَوْ بِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ لِعَبْدِ رَجُلٍ جَازَ لِلْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَوْلَاهُ وَيَسْكُنُ الْعَبْدُ الدَّارَ وَلَا يَسْكُنُ مَوْلَاهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بِيعَ أَوْ أُعْتِقَ بَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ عَبْدُهُ فُلَانًا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ صَغِيرًا خَدَمَهُ حَتَّى يُدْرِكَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قَالَ: وَإِذَا أَوْصَى لَهُمَا بِالسُّكْنَى فَالسُّكْنَى بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ الْخِدْمَةَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَسِّمْ الْعَيْنَ.
وَفِي الْكَافِي وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ خَرَّبَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْوَرَثَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فَاسْتَخْدَمَهُ وَسَكَّنَهَا بِنَفْسِهِ.
قِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ.
وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ كَانَ فِي بُسْتَانِهِ ثَمَرٌ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَمُوتَ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثِمَارٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْمَوْتِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثِمَارٌ قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ وَلَا تُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إذَا كَانَ الْبُسْتَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلَّهُ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَبَدِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثَمَرَةِ بُسْتَانِي أَبَدًا فَحَدَثَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أُصُولِ النَّخِيلِ وَأَثْمَرَ دَخَلَ غَلَّةُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ مَعَ الْوَرَثَةِ فَأَغَلَّ الَّذِي لَهُمْ وَلَمْ يَغُلَّ الَّذِي لَهُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ وَيُشَارِكُونَهُمْ فِي الْغَلَّةِ قَالَ: وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلْثَيْ الْبُسْتَانِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعُوا الْكُلَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الثُّلُثِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا الثُّلُثَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الثُّلُثَيْنِ وَلَهُمْ أَنْ يُقَاسِمُوا فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا الدَّارَ فَإِذَا خَافَ إذَا قُسِمَتْ أَنْ لَا تُغَلَّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَاسِمُوا فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ فَإِذَا أَغَلَّ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَغُلَّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلُثَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا.
وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَخْلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَإِنَّهَا تُؤَجَّرُ فَيُعْطِي صَاحِبُ الْغَلَّةِ ثُلُثَ الْأَجْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَجَرٌ أَعْطَى ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخِيلِ وَلَا يَدْفَعُ لَهُ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ إجَارَةَ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ
الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ إجَارَةٌ وَشَرِكَةٌ حَتَّى إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ شَيْءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاسْمِ الْغَلَّةِ تَنْصَرِفُ إلَى الْإِجَارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تَنْصَرِفْ إلَى الْمُزَارَعَةِ.
وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تُؤَاجَرَ أَرْضِهِ مُنْذُ سِنِينَ مُسَمَّاةً كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَهِيَ جَمِيعُ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى أُجْرَتِهَا فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَجْرَ مِثْلِهَا وَجَبَ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ تَنْفُذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ يُقَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْإِجَارَةِ إنْ أَرَدْت أَنْ نُؤَجِّرَ مِنْك هَذِهِ الْأَرْضَ فَبَلَغَ الْأَجْرُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ.
فَإِنْ بَلَغَ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ لَا تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَكَانَ الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ أَرْضُهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَذَلِكَ جَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ تُبَاعُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَإِنْ كَانَ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يُقَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ إنْ أَرَدْت أَنْ تُبَاعَ مِنْك هَذِهِ الْأَرْضُ فَبَلَغَ الثَّمَنُ إلَى تَمَامِ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فَإِنْ بَلَغَ تُبَاعُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ الْأَرْضُ مِنْهُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ فِي الْإِجَارَةِ وَإِذَا أَوْصَى وَلَيْسَ لَهُ بُسْتَانٌ ثُمَّ اشْتَرَى بُسْتَانًا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ مِنْ الثُّلُثِ.
وَإِذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ غَنَمٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي يَوْمَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ غَنَمٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَأَغَلَّ الْبُسْتَانَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ شَيْءٌ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا يَكُونُ فِي الْبُسْتَانِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ فَأَمَّا مَا يُوجَدُ مِنْ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اشْتَرَى الْبُسْتَانَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَبِعْهُ الْوَرَثَةُ وَلَكِنَّهُمْ تَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ دَفَعُوهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْغَلَّةَ وَيَبْرَأَ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بَيْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّخِيلِ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِيهَا الْقِيَاسَ، وَالِاسْتِحْسَانَ وَصُورَةُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ: " إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ وَصَالَحَ عَنْهَا وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ مِنْهُمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا صَالَحَ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ وَأُجِيزَ هَذَا الصُّلْحُ.
وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى جَائِزَةٌ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِذَا أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ جَازَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى بِغَلَّةِ كَرْمِهِ لِإِنْسَانٍ قَالَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَوَائِمُ، وَالْأَوْرَاقُ، وَالْحَطَبُ، وَالثَّمَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْكَرْمَ مُعَامَلَةً فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا كَذَا هَذَا.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا أَوْصَى بِثَمَرِ كَرْمِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ لِلْمَسَاكِينِ فَمَاتَ وَلَمْ يَحْمِلْ كَرْمُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ شَيْئًا قَالَ نُصَيْرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي النَّوَازِلِ: وَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً يُوقَفُ ذَلِكَ الْكَرْمُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بِتَصَدُّقِ بِغَلَّتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ قَالَ الْفَقِيهُ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِفُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَمَتَى رَجَعَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُهُ سَنَةً فَلَوْ قَالَ يَخْدُمُهُ هَذِهِ السَّنَةَ فَقَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ الْغَلَّةُ.
وَفِي الْعُيُونِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي أَرْضِهِ فَالْبَذْرُ، وَالْخَرَاجُ، وَالسَّقْيُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَإِنْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةَ أَجْرِبَةٍ فَالْبَذْرُ، وَالسَّقْيُ، وَالْخَرَاجُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثَمَرِ نَخْلٍ قَدْ بَلَغَ أَوْ زَرَعَ اُسْتُحْصِدَ أَوْ لَمْ يُحْصَدْ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْأَرْضِ
الْخَرَاجُ فَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الْخَرَاجُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ نَخْلِهِ أَوْ زَرْعٍ قَدْ أَدْرَكَ فَخَرَاجُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ قَطَعَ الثَّمَرَةَ وَحَصَدَ الزَّرْعَ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُوصِي وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ لَهُمْ خِدْمَةً لِلْعَبْدِ تُقَسَّمُ عَلَى تِسْعَةِ أَيَّامٍ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ أَيَّامٍ وَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثُ سِنِينَ سَلَّمَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ رَقَبَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَيِّتِ وَقَدْ خَلَا عَنْ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ قُسِّمَتْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا يَوْمًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّنَةِ وَيَوْمَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَلِآخَرَ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَالْخِدْمَةُ، وَالْعَبْدُ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قُسِّمَتْ الْخِدْمَةُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا يَوْمٌ وَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِسَنَةِ سَبْعِينَ، وَفِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ تُقْسَمُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا عَلَى ثَلَاثَةٍ يَوْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِسَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَيَوْمَانِ لِلْوَرَثَةِ فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يَخْرُجُ لَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَتْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي سَنَةِ سَبْعِينَ لَهُ.
وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا: رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَأَوْصَى لِآخَرَ بِسُكْنَاهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الدَّارِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَكَرَ أَنَّ الدَّارَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ ثُلُثَا الدَّارِ تَسْكُنُهَا الْوَرَثَةُ وَثُلُثُ الدَّارِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ يَسْكُنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسَ الدَّارِ حَتَّى تَمْضِي سَنَةٌ فَإِذَا مَضَى سَنَةٌ فَالْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ سَنَةً يَدْفَعُ السُّدُسَ إلَى الْمُوصَى لَهُمَا بِسُكْنَى الدَّارِ سَنَتَيْنِ فَيَسْكُنُ ثُلُثَ الدَّارِ سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ تَعُودُ الدَّارُ إلَى الْوَرَثَةِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَحَمَّلُ الْقِسْمَةَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ الدَّارُ، وَالْعَبْدُ، وَالثَّمَرَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ قُسِّمَتْ الدَّارُ، وَالْغَلَّةُ، وَالسُّكْنَى كُلُّهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كُلُّهَا لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (خِدْمَةَ الْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ رحمه الله (وَبِمَوْتِهِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ يَعُودُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّارُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا أَبَدًا مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِغَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَالِ مِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ وَقَدَّمْنَاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يَسْتَقْبِلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مَا عَاشَ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهِ، وَمَا يَسْتَقْبِلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّ الْقَائِمَ، وَالْحَادِثَ وَإِنْ أَوْصَى بِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمُ إلَّا إذَا زَادَ أَبَدًا فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يَسْتَقْبِلُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ مِثْلَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ فَتَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، وَالْمَوْجُودَ بِذِكْرِهِ عُرْفًا وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ وَلَا يُرَادُ الْمَعْدُومُ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا لِلثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ
يَكُنْ فِيهِ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الْأَبَدِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوَّلًا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ، وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ، وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يَسْتَحِقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَيُجْعَلُ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ وَذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظُّهْرِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَصِيَّةِ بِالْكَفَنِ، وَالدَّفْنِ وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ وَنَحْوِهِ فَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُكَفَّنَ بِالْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إسْرَافٌ وَلَا تَقْتِيرٌ وَلَا تَضْيِيقٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثِيَابِهِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْوَلِيمَةِ وَقِيلَ لِلْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لِمَ اُعْتُبِرَتْ ثِيَابُ الْجُمُعَةِ، وَالْوَلِيمَةِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ فِرَاشٍ أَوْصَتْ ابْنَتَهَا أَنْ تُكَفِّنَهَا بِسِتِّينَ دِرْهَمًا بِمَا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ بِإِذْنِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ ضَمَنَتْهَا جُمْلَةَ الثِّيَابِ إنْ كَانَتْ الْكُلُّ وَضِيعَةً وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ رَفِيعَةً دُونَ الْبَعْضِ مِمَّا كَانَ فِيهِ يُكَفَّنُ مِثْلُهَا لَمْ تَضْمَنْ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَالْمُخْتَارِ: أَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ فِي الْكُلِّ إنْ فَعَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ تَضْمَنُ وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ لَهُ بِثَمَنِ كَذَا وَفَعَلَ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ مِيرَاثًا وَذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْوَرَثَةِ، وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ إلَى زَوْجِهَا أَنْ يُكَفِّنَهَا مِنْ مَهْرِهَا الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ قَالَ أَمْرُهَا وَنَهْيُهَا فِي بَابِ الْكَفَنِ بَاطِلٌ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ قَالَ وَصِيَّتُهَا فِي تَكْفِينَهَا بَاطِلَةٌ.
وَلَوْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا يَكُونُ كَفَنُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ دُونَ الزَّوْجِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاؤُنَا قَالَ فِي الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله هَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى خَلَفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكَفَنَ عَلَى الزَّوْجِ كَالْكِسْوَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَالَ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَيُدْفَنَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَالْوَصِيَّةُ فِي تَعْيِينِ الْكَفَنِ وَمَوْضِعِ الْقَبْرِ بَاطِلَةٌ، وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدُوسَنِيِّ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ فِي سِتَّةِ أَثْوَابٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَيُرَاعَى شَرَائِطُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا تُعْرَفُ لِفُلَانٍ الزَّاهِدِ تُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ مَعَ فُلَانٍ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا قَالَ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ثَوْبًا وَاحِدًا يُكَفَّنُ فِيهِ وَإِلَّا يُسْأَلُ قَدْرُ ثَوْبٍ وَيُكَفَّنُ فِيهِ وَلَا يُسْأَلُ الزِّيَادَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً قَالَ الْفَقِيهُ هَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَصِيَّتِهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ دُفِنَ فِيهَا فَهُوَ كَدَفْنِهِمْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْأَمْرَ بِرَفْعِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ أَنْ تُجْعَلَ دَارُهُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُؤْجَرُ إنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَكْفَانِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سِقَايَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَكْفَانِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِهِمْ فَهَذَا جَائِزٌ.
وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُتَّخَذَ دَارُهُ مَقْبَرَةً فَمَاتَ