الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَغْرِقًا وَلِلْوَصِيِّ وَالْغُرَمَاءِ أَنْ يَقْبِضَ مِلْكَهُمْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ لَهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ أَدَّى إلَى الْوَصِيِّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَدَفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَقَاسَمُوا جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْقَبْضِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بَعْضِهِمْ لَمْ يُعْتَقْ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الدَّفْعِ إلَى الْوَصِيِّ يُوجِبُ الْعِتْقَ وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ حَقُّهُمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِالتَّفْوِيضِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ جَازَ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَوْصَى الْمَوْلَى لِإِنْسَانٍ بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَدَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ مَجَّانًا) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً وَإِقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُعْتَقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إذَا أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَقِيلَ يُعْتَقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَ إبْرَاءً وَاسْتِيفَاءً؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تُثْبِتْ الِاقْتِضَاءَ فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي بَطَلَ الْمُقْتَضَى، وَلَوْ قَبَضَ وَاحِدٌ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبْضَ بِأَمْرِهِمْ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمْ لِلْمُكَاتَبِ نَصِيبَهُ فِي رَقَبَتِهِ جَازَ وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نَصِيبَهُ لَا يُعْتَقُ فَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ فَإِنْ عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا فَنَصِيبُ الْوَاهِبِ فِي رَقَبَتِهِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ عَادَ قِنًّا بِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كُلُّهُ مِيرَاثًا لَهُمْ مِنْ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الْمَوْلَى بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ، ثُمَّ عَجَزَ صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا لِلْمَوْلَى فَكَذَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[كِتَابُ الْوَلَاءِ]
(كِتَابُ الْوَلَاءِ) أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِبَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْمُكَاتَبِ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ إلَّا أَنْ مُوجِبَاتِ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ سَاقَتْ الْمُكَاتَبَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْأَثَرُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ دَلِيلِهِ وَالثَّالِثُ فِي سَبَبِهِ وَالرَّابِعُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَالْخَامِسُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالسَّادِسُ فِي رُكْنِهِ وَالسَّابِعُ فِي شَرْطِهِ وَالثَّامِنُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَهُوَ حُصُولُ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَسَبَبُهُ الْإِعْتَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ بِالْإِعْتَاقِ.
قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَاوَنَةِ وَالنُّصْرَةِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُصَادَقَةِ وَسُمِّيَ الْوَلِيُّ وَلِيًّا لِتَنَاصُرِهِ وَتَعَاوُنِهِ لِحَبِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَطْلُوبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّنَاصُرِ غَيْرَهُمَا لَا أَنْفُسَهُمَا إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ، بَلْ يَكُونُ أَمْرًا مُغَايِرًا لَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاصُرٍ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ اهـ.
وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُهُ أَعْتَقَهُ أَوْ مَلَكَ الْقَرِيبَ أَوْ عَقَدْت الْمُوَالَاةَ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعْتَقِ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِرْثِ وَهُوَ كَوْنُهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأَوْلَادُهُ يَكُونُوا أَهْلًا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَعْقِلَ الْجِنَايَةَ حَالَ حَيَاةِ مُعْتَقِهِ وَالْإِرْثُ مِنْهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ رحمه الله (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمِلْكِ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَحْيَاءِ نَحْوَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي
الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ وَلَدَهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَقَوْلُهُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يُخَلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرِثُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَوْ قَالَ مُسْلِمًا، وَلَوْ رَقِيقًا كَافِرًا فِي دَارِنَا لَكَانَ أَحْسَنَ.
وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ يَعْنِي، وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَبِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى، وَكَذَا مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَ فَالْعِتْقُ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَأَعْتَقَ عَتَقَ عَنْ الْمَأْمُورِ وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي فَأَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَالْوَلَاءُ يُورَثُ اهـ.
وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِ وَفِي الْمُحِيطِ حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَتِيجَةُ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَعَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يُخْلِ سَبِيلَهُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ صَحَّ الْعِتْقُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْعِتْقُ فِي حَقِّ زَوَالِ الرِّقِّ وَإِنْ صَحَّ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِهِ سَبَبٌ لِرِقِّهِ فَإِذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَحَّ عِتْقُهُ وَكُلُّ مُعْتَقٍ جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ انْتَقَضَ بِهِ وَلَاؤُهُ. حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِحَّ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَسْلَمَ هُنَاكَ أَعْتَقَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ هُنَاكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ قِيَاسًا وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَجْعَلُهُ مَوْلَاهُ اسْتِحْسَانًا حَرْبِيٌّ اشْتَرَى عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتُرِقَّ فَاشْتَرَاهُ الْعَبْدُ فَأَعْتَقَهُ فَوَلَاءُ الْأَوَّلِ لِلْآخَرِ وَوَلَاءُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ.
قَالَ رحمه الله (وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعِتْقُ أُمِّهِ مَقْصُودٌ فَكَذَا هُوَ يُعْتَقُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُمْ هُنَاكَ قَالُوا وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَأَوْرَدُوا أَنَّهُ يُعْتَقُ تَبِعَا لَا قَصْدًا، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ ضَرُورَةً وَصَارَ مُعْتَقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ مِثَالٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا صَادِقٌ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ حَالَ قِيَامِهِ وَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِوَلِيِّ الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَا الْوَلَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَدَتْ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت بَعْدَ عِتْقِي بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ عِتْقِك بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ اهـ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ) وَهُوَ الْأَبُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنَهُ لِمَوَالِيهِ) ؛ لِأَنَّ مَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ هَاهُنَا لِحُدُوثِهِ
بَعْدَ إعْتَاقِهَا وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ لِتَعَذُّرِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَجَعْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ يَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَفِي الْكَافِي قُلْتُمْ الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ، وَلَكِنْ حَدَثَ وَلَاءٌ أَوْلَى مِنْهُ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْأَخِ إنَّهُ عَصَبَةٌ فَإِذَا حَدَثَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ كَالِابْنِ لَا تَبْطُلُ عُصُوبَتُهُ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْرَدَ هَلْ إذَا قُلْتُمْ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَلَكِنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لَزِمَ أَنْ يَرِثَ مَوْلَى الْأُمِّ عِنْدَ انْقِطَاعِ مَوْلَى الْأَبِ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْ مَوَالِيهَا إلَى مَوَالِيهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُمْ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ فَصَادَقَهُ الْإِعْتَاقُ ضَرُورَةً فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا كَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ وَلَاءُ هَذَا الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَةٌ لِأُمِّهِمْ وَلَهُمْ فَإِنْ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ، ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِكْذَابِ وَبِالْإِكْذَابِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَقْلَهُ كَانَ عَلَى قَوْمِ الْأَبِ، وَقَدْ أُجْبِرَ قَوْمُ الْأُمِّ عَلَى الدَّفْعِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ وَفِي الْمَوْلَى حِينَ عَقَلَ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِقَوْمِ الْأَبِ مَقْصُورًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ قَالَ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَتْ عَبْدًا فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارٍ الْحَرْبِ فَسَبَى أَبُوهَا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُرَّ وَلَاؤُهُ وَلَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ تَرْتَدَّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَوَلَاءُ الْمَرْأَةِ لِمُعْتَقِ الْعَبْدِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَعْتَقَ مُسْلِمًا فَرَجَعَا عَنْ الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعُوا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ دُونَ الْمَوْلَى فَوَلَاءُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَمِيرَاثُهُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَقْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ رحمه الله (عَجَمِيٌّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَوَلَدَتْ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمُ الْأَبِ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ عَجَمِيٌّ مِثَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْلَى وَفِي الْمُحِيطِ مُعْتَقَةٌ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعْتَقًا أَوْ مُولِيًا لِمُوَالَاةٍ أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَبِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ وَأُلْحِقَ وَلَاؤُهُ بِالْأُمِّ كَنَسَبِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَزَالَ الْمَانِعُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَقًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ وَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْأُبُوَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ لَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ أَقْوَى مِنْ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَرَجَحَ الْآكَدُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ قَالَ إنْ كَانَ الْعَجَمِيُّ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا قِيلَ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَقِيلَ لِمَوْلَى الْأُمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ اهـ.
قَيَّدَ بِكَوْنِهَا مُعْتَقَةً؛ لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ لَوْ تَزَوَّجَ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الزَّوْجِ عَجَمِيًّا فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهِ دُونَهَا وَقَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ، وَلَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ أَوْ عَرَبِيَّيْنِ فَالْوَلَدُ تَابِعًا لِلْأَبِ
بِالْإِجْمَاعِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ عَمَّتَهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُعْتَقَ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَةَ مُعْتَقِهَا كَانَ الْمَالُ لِمُعْتَقِ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَتِهَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَمْدَانَ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَوَلَدَ مِنْهَا فَأَعْتَقَتْ عَبْدًا فَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ مِنْهَا وَوَلَدُهَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَإِذَا مَاتَتْ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهَا مِنْ بَنِي هَمْدَانَ فَالْمِيرَاثُ لِبَنِي أَسَدٍ وَالْعَقْلُ عَلَى بَنِي هَمْدَانَ وَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْمِيرَاثُ لِلْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ مِثْلَ الْخَالِ وَابْنِ الْعَمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْخَالِ وَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْعَمِّ. اهـ.
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ عُلِمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بِالْأَوْلَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمُعْتَقُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ)، وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ بِأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ بِنْتِ مُعْتَقِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا فَعُلِمَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا يَعْنِي وَارِثًا هُوَ عَصَبَتُهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَقَامَ مُسْلِمٌ بَيِّنَةً عَادِلَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَقَامَ الذِّمِّيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَلِلْمُسْلِمِ نِصْفُ الْمِيرَاثِ وَنِصْفُ الْمِيرَاثِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الذِّمِّيِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ.
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَى فُلَانٍ عَتَاقَةً لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ حَتَّى يَقُولُوا إنَّ هَذَا الْحَيَّ أَعْتَقَ هَذَا الْمَيِّتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ مَاتَ رَجُلٌ وَأَخَذَ آخِرَ مَالِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَالِ فَإِنْ خَاصَمَهُ إنْسَانٌ طَلَبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ ابْنَا أَخِيهِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلْجَدِّ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَهُ بِالْعِتْقِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا بِالْوَلَاءِ وَالْإِرْثِ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ لِآخَرَ بِمِثْلِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ فَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلْأَوَّلِ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَوَالَاهُ وَالْغُلَامُ يَدَّعِيهِ فَهُوَ أَوْلَى ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ فُلَانًا الْمَيِّتَ وَآخَرَانِ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَرَّتْ بَيِّنَةُ الْمَيِّتِ بِهِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ شَهِدَ لِلْآخَرِ ابْنٌ وَبِنْتَانِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَيِّتَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَالْمَالُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى، ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَجُرُّ الْإِرْثَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَلَوْ تَرَكَ جَدٌّ مَوْلَاهُ وَأَخَا مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعَصَبَةِ وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُعْطِي الْأَبَ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَالثَّانِي خِلَافُ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ، وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ دُونَ أَخِيهَا وَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فِي مُعْتَقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ مَوْلَى عَمَّتِي فَأَنَا أَحَقُّ بِإِرْثِهِ لِأَنِّي أَعْقِلُ عَنْهَا، وَقَالَ الزُّبَيْرُ هُوَ مَوْلَى أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا فَكَذَا أَرِثُ مُعْتَقَهَا فَقَضَى عُثْمَانُ بِالْإِرْثِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ مَوْلَاهُ وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ أَيْ لِأَكْبَرِ الْأَوْلَادِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ الْمُعْتَقِ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتِقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ كَانُوا يُفْتُونَ بِالدَّفْعِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، بَلْ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ مَالٍ مُنْتَظِمٍ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي لَا يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ظَاهِرًا.
وَكَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْهُمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي النِّهَايَةِ وَالذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَفِي الْمُحِيطِ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ فَمَاتَ